يلتقي الملك السعودي الرئيسين المصري والتركي، يومي الأحد والاثنين، في قمتين منفصلتين. ويقول المراقبون إن الرياض تبني وحدة الصف العربي والإسلامي بهدوء، لتكوين محور عريض ضد الإرهاب.
حيّان الهاجري من الرياض: تحوّلت العاصمة السعودية الرياض إلى ممر ضروري للسياسة الإقليمية والدولية، بعدما أكدت القيادة السعودية مرارًا أنها حاضنة القرار العربي والإسلامي المعتدل، وأنها متمسكة بدورها في محاربة الفكر المتطرف، وبتعزيز مكانتها "التصالحية" في العالمين العربي والإسلامي.
لذا، كان لزامًا أن يتقاطر إليها العديد من الزعماء العرب والمسلمين، بينهم الملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. واليوم، تنتظر الرياض وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ليلتقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الأحد. كما يصلها الأحد مساءً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليلتقي بالملك سلمان الاثنين.
تدارك الآثار السلبية
اللقاء السعودي – المصري سيتناول، وفق المصادر، العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وكان السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أكد أن زيارة السيسي للسعودية، وهي الأولى بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم في المملكة، "تهدف إلى تعزيز ودعم العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين في شتى المجالات السياسية والاقتصادية، في ضوء المواقف المشرفة للمملكة، التي ساندت من خلالها الإرادة الحرة للشعب المصري، وللتباحث بشأن مستجدات الأوضاع ومختلف القضايا الإقليمية في المنطقة، لا سيما تدهور الأوضاع في اليمن، وضرورة تداركها، تلافيًا لآثارها السلبية على أمن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر".
الأمن متلازم
لا شك في أن ما بين القاهرة والرياض أكثر من مجرد علاقات متميزة بين دولتين عربيتين، خصوصًا بعد تأكيد السيسي في مقابلة صحافية اليوم السبت أن الأمن المصري من الأمن الخليجي، وأن علاقات مصر بالخليج، وبالسعودية تحديدًا، وطيدة جدًا.
فالقصد من وراء هذا الكلام أن أمن السعودية وأمن مصر متلازمان، ظهر تلازمهما في الدعم غير المحدود، الذي قدمه الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز إلى الحكومة المصرية الانتقالية، وإلى السيسي بعد انتخابه رئيسًا لمصر، بعد الإطاحة بالإخواني محمد مرسي، خصوصًا أن السعودية وضعت الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية، وحضّت بريطانيا على تقييد عمل الجماعة على أراضيها. هذه القرارات شكلت دفعًا للسيسي في حربه الشعواء على الإرهاب المتطرف، الذي ضرب مصر من بوابة سيناء.
لن يقف مكتوفًا
أما اليمن، فهو بالتأكيد همّ مشترك، إذ لن يرضى السيسي إلا برد الجميل للسعودية، التي وقفت معه في أحلك الظروف، خصوصًا أنه استذكر اليوم تطوع الملك سلمان في الجيش المصري إبان العدوان الثلاثي في العام 1956، ووقوفه إلى جانب مصر في حرب العبور 1973. وبالتالي، لن يقف مكتوف اليدين إن وصل الأمر في اليمن إلى تهديد الحوثيين الحدود الجنوبية للسعودية.
من هنا، تكتسب هذه القمة أبعادًا إقليمية لا مفر من أخذها في الحسبان، لما للدولتين من مركز محوري في الحرب على الإرهاب.
ثانية ومهمة
بعد مغادرة السيسي، تنعقد في الرياض الاثنين قمة سعودية - تركية، تجمع الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يناقشان خلالها العلاقات الثنائية، وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، والمستجدات الدولية والإقليمية.
وهذه ليست الزيارة الأردوغانية الأولى للسعودية في عهد الملك سلمان، إذ أتاها معزّيًا بالملك الراحل عبدالله، ومباركًا مبايعة خلفه. لذا، يسلط المراقبون الضوء على أهمية ما سيدور فيها من مباحثات، خصوصًا أن المتواتر اليوم أنباء عن تحالفات عربية – إسلامية يجري تدارسها وراء أبواب الزعماء المغلقة، تمتد من مصر إلى تركيا، وتكون السعودية حاضنتها وقلبها النابض، بالرغم من خيبة أمل الكثيرين، بعدما ظنوا أن الرياض ستجمع السيسي وأردوغان على طاولة مصارحة ومصالحة، تنهي التوتر القائم بين الدولتين، كما فعلت الرياض سابقًا حين ألزمت القاهرة والدوحة بإسقاط خلافاتهما.
فارق بين الملكين
إلا أن مراقبين مطلعين ردوا عدم لقاء أردوغان بالسيسي إلى الحاجة إلى المزيد من الوقت، كي تهدأ النفوس، خصوصًا أن السيسي اليوم أكد في حوار صحافي أن الحكومة المصرية لم تهاجم أنقرة يومًا، نائيًا بنفسه عن المهاترات الإعلامية المتبادلة.
يقول هؤلاء المراقبون إن الفارق بين الملك عبدالله والملك سلمان في عقد المصالحات هو اتكال عبدالله على عاطفته الجياشة تجاه وحدة الصف العربي والإسلامي، واعتماد سلمان على العقل والتخطيط والفكر الواضح، لبلوغ مصالحات لا رجعة فيها، ولا ردة، خصوصًا بعد النكسة الأخيرة بين قطر ومصر، إثر رفض الدوحة القبول بالغارات الجوية المصرية على مواقع متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا.
من هذا المنطلق، قد تشهد المباحثات السعودية التركية فتح جميع الأوراق والملفات على بساط البحث، من أجل الوصول إلى نهايات عقلانية، تبني وحدة الصف العربي والإسلامي على أسس صلبة.
&
التعليقات