فتحت إقالة المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أبواب الجدل حول الكثير من الأسماء التي مجّدت صدام حسين، ولم تقدم اعتذارًا إلى الشعب العراقي.


عبد الجبار العتابي من بغداد: بدأت دوائر الجدل تدور من جديد في الأوساط الإعلامية والثقافية وتفتح الملفات القديمة الخاصة بالأشخاص الذين كتبوا وغنّوا ومجّدوا رئيس النظام السابق صدام حسين، خاصة بعد الحملة، التي شنت على المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية العبادي، والتي انتهت بإقالته أو استقالته.

وراح البعض ينشر ما لديه من وثائق وأدلة وآراء على مواقع التواصل الاجتماعي ضد أشخاص مارسوا دورًا مماثلًا، ويتقلدون مناصب رفيعة اليوم. لكنّ أحدًا لم يسألهم عما فعلوه، على الرغم من تبوّئهم لمناصب مهمة، فيما طالب البعض أولئك الأشخاص بتقديم اعتذاراتهم واستقالاتهم أسوة برافد جبوري.

شجاعة الاعتذار
فقد أكد رئيس تحرير جريدة المدى عدنان حسين أن بإمكانه تسمية الكثيرين، الذين يتصدرون الآن المشهد، ويتمتعون بامتيازات تفوق امتيازاتهم السابقة. وقال إن الزميل جبوري كان في هذه "الأزمة" فارسًا شجاعًا، أقرّ في الحال بصحة التسجيل، الذي تضمن تلك الأغنية التي لم تُبثّ من قبل أبدًا، وأرفق ذلك باعتذار إلى الشعب العراقي وإلى السيد العبادي.. لم يسعَ إلى التكذيب أو التبرير. هذا موقف مفعم بالشهامة والنبل وتحمّل المسؤولية.

وأضاف: الذين سعوا إلى إشعال مواقع التواصل الاجتماعي بعاصفة من التشهير بالسيد جبوري، إنما يقصدون في الواقع التسقيط السياسي في حق السيد العبادي، وإلا فإن هؤلاء الذين يطلبون رأس السيد جبوري ليقطعوها على طريقة داعش، كان الأولى بهم، لو كانوا حسني النية، أن يطلبوا مع رأس جبوري رؤوس كاتب الأغنية وملحنها ومخرجها، بل أن يطلبوا قبل رأس جبوري، رؤوس وزراء ونواب ووكلاء وزارات ومدراء ونقباء ومسؤولي دوائر ثقافية وإعلامية وفنية ورؤساء تحرير وأصحاب صحف وإذاعات وتلفزيونات حاليين ومغنين، ممن كتبوا بدلًا من مرة عشرات المرات في مديح الطاغية وتمجيد حروبه العدوانية الكارثية، وغنّوا بدلًا من مرة عشرات المرات للطاغية وعيونه، وهتفوا ورقصوا في مهرجانات أعياد ميلاد الطاغية وسواها من المناسبات، التي لا تعدّ ولا تحصى، وساهم البعض منهم في تنفيذ جرائم القتل والملاحقة والتعذيب والوشاية وكتابة التقارير في حق الآلاف من أشرف بنات العراق وأبنائه من معارضي الطاغية.

وثائق وأدلة
من جهته، أكد الصحافي توفيق التميمي أن لديه العديد من الأسماء الموثقة، وقال: لديّ المزيد من القوائم وبالوثيقة والدليل، فأنا منذ سقوط صدام أتقصى بالوثائق والأدلة عن مثل هذه النماذج لأي توقعت مبكرًا تسللها كأفاعٍ بارعة لتسيّد المشهد الجديد.

وأضاف: لديّ بعض من المجلدات الثلاثين لموسوعة أدباء وكتاب قادسية صدام وأم المعارك، التي عدتها لجنة من المثقفين والخبراء لغرض التكريم آنذاك وتبييض وجوههم المضخمة أمام أجهزة النظام، شكرًا لهذه اللجنة، وشكرًا لمطابع وزارة الثقافة والإعلام المنحلة، التي جعلتنا نحتفظ بوثائق إدانة من يدّعي اليوم ركوب الموجة الجديدة بأسماء وعناوين جديدة.

مع فتح الملفات.. ولكن
أما الكاتب علي بريسم، فقد أكد على ضرورة فتح الملفات ليكون القياس ما تعرّض له جبوري. وقال: فوجئت بالحملة التي شنها البعض على رافد جبوري صاحب الأغنية البائسة التي لا يعرفها، بينما يجلس بالقرب من العبادي شخص كانت علاقته بالمالكي أكثر من حميمة، ويحضر كل المناسبات، ويتصرف بما لا يرضي أحداً، ولكن لم يطلب منه أحد أن يستقيل أو يعتذر، وما كتبه سابقًا أقوى من أغنية جبوري البائسة، وكذلك المدير العام، الذي كتب شعرًا يمدح الطاغية فيه، ثم انضوى تحت جناح حزب إسلامي، ولم يقل له أحد (تاريخك أسود)، فضلًا عن شعراء كتبوا أسوأ الأغاني أو مغنين أصبحت لهم حظوة أكبر الآن، وها هم يلعبون كما يحلو لهم.

أضاف: أنا مع فتح الملفات القديمة، وليكن القياس أغنية رافد جبوري وما تعرّض له من إساءة، وإلا فلنحكم على الدولة العراقية الآن بأنها دولة خزعبلات وفوضى لا سراة لها،& وإلا بربك هل سمعت يومًا أن فلانًا الذي يتبوأ موقعًا حساسًا في الدولة في النقابة الفلانية أو أن فلانًا الذي يقوم على دائرة مهمة أو ذلك المتلوّن قد اعتذروا للشعب.

التسامح أو التعامل بالمثل
الصحافي أحمد السلامي أشار إلى ضرورة اتخاذ موقف محدد، إما بالتسامح أو المعاملة بالمثل. وقال: يثيرني أن أرى فلانًا وفلانًا على قمة مؤسسات ونقابات، وهم بكامل "قيافتهم"، والجميع يعرف تاريخهم البعثي الأسود، والذي يثيرني أكثر أن الحكومة تحتضنهم وكأنهم لم يفعلوا شيئًا، فيما (البريء) رافد جبوري يكون كبش فداء بسبب أغنية لم يسمعها سواه.

وأضاف: هل تعلم أن الوسط الرياضي يزخر بالكثير من هؤلاء البعثيين أصحاب القلوب السود، والذين كانوا مقربين من ابن الطاغية، وهم الآن في أفضل أحوالهم، ولا يستطيع أحد أن يشير إليهم بشيء.

ورأى أن الأمر كله سيئ، والحكومة تنظر بعين حولاء، ولا تميّز بين الناس، بسبب المحاصصة والأحزاب، كل بما لديهم فرحون، لأنهم أقوى من القانون والدستور والشهداء أيضًا، لذلك على الحكومة أن تكون واقعية، فإما أن تتسامح مع الجميع أو تعاملهم بالمثل.

ليست لي معرفة شخصية بالمتحدث، ولا تربطني به صداقة مواقع التواصل، إلا أنني أحيّي فيه شجاعته في الاعتذار للشعب حول الفيديو المسرّب له، وهو يغني لصدام، مع أنهم لم يبثوها على حد قوله.

الحذر واجب
أما رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية الصحافي هادي جلو مرعي فقد أكد على ضرورة عدم استهداف البعض، وترك البعض الآخر. وقال: من اليسير علينا تتبع سقطات وهفوات أمثالنا من العراقيين بحسب المصالح بالطبع. فمن يقول كلمة، أو يكتب نثرًا، أو ينظم قصيدة في مدح حاكم سيكون عليه لزامًا تحمل التبعات.

وأضاف أن الحظ يلعب دورًا في ذلك، فهناك شعراء كبار نظموا قصائد لصدام حسين، ومنهم من لا يستطيع البقاء في العراق، وآخرون غادروه، وهم يعيشون في بلاد أخرى، لكنّ آخرين مازالوا هنا، ويحضرون في جلسات شعرية ومهرجانات وندوات، ويسافرون ويعملون، ولهم حظوة في المجتمع السياسي والديني والإجتماعي والثقافي، ولم يحاسبهم أحد، ولم ينتقدهم، كما إنتقد غيرهم، أو إنهم تعرّضوا إلى هامش من النقد غير ذات قيمة، وهناك من يتربع اليوم على كرسي السلطة والحكم والنفوذ والزعامة، وقد كان مقربًا من صدام حسين، ومنهم من عمل ضابطًا في الجيش العراقي، ومنهم من كان في أجهزة الأمن، وقد عذب كثيرين.

وأكد أن البعض من القيادات السياسية كان يعمل لمصلحة نظام صدام حسين، ومنهم من حصل على مناصب في مجلس الوزراء والبرلمان ورئاسة الجمهورية، ولديه قاعدة شعبية، ومنهم شيوخ عشائر وضباط وإعلاميون وموظفون كبار، ويتحدث البعض عن قيادي مبرز تبوأ أرفع المناصب في الدولة، كان من مهامه أن يبتاع لصدام حسين بذلاته الرسمية من بعض العواصم المهمة.

ختم بالقول: يبقى الحذر في بلد مثل العراق ضروريًا للغاية مع هذا التزاحم المزعج والمثير للقلق. كنت أتمنى أن لا نستهدف من لا حول له ولا قوة، ونتجاهل من نخشاهم ونغضّ الطرف عنهم لمصلحة، أو لخوف.

يذكر أن المتحدث باسم مكتب رئيس رئيس الوزراء العراقي أقيل من منصبه في الأسبوع الماضي، بعد تداول مقطع فيديو غنائي على مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات عراقية في التسعينيات، تظهره يمجّد رئيس النظام السابق، ولم يذكره في الـ"سي في"، الذي تقدم به خلال مباشرته في عمله الجديد.

رابط الأغنية التي أطاحت بالمتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي:
&