رغم تمسك البريطانيين بتقاليدهم وتصنيفاتهم النخبوية، تغير المزاج الانتخابي في بريطانيا، وصار أكثر تعقيدًا، لكن الحملة للانتخابات العامة بعد أيام، فإن قضايا الطبقية ليست بعيدة عن النقاش.

إيلاف - متابعة: قبل ربع قرن، تحدث جون مايجور رئيس الوزراء في ذلك الوقت عن إقامة مجتمع بريطاني "خالٍ من الطبقية"، لكن يبدو أن البريطانيين يتمسكون بانتمائهم الطبقي بصورة تثير التساؤلات.

فتقليديًا، كانت المعادلة بسيطة في الانتخابات البريطانية العامة، وهي أن الطبقة المتوسطة تؤيد حزب المحافظين من اليمين الوسط، بينما تصوت الغالبية العظمى من أبناء الطبقة العاملة لصالح حزب العمال من اليسار الوسط.

تعقّدت الصورة

أما الصورة في بريطانيا المعاصرة فأكثر تعقيدًا، تجلت في المحاولة الناجحة لرئيسة الوزراء المحافظة السابقة مارغريت ثاتشر في جذب اصوات الناخبين التقليديين لحزب العمال، كما سعى الزعيم السابق لحزب العمال توني بلير إلى الحصول على أصوات المحافظين.

لكن حتى في الحملة للانتخابات العامة بعد ايام، فإن قضايا الطبقية ليست بعيدة عن النقاش، بينما يسعى السياسيون إلى أن يظهروا أنهم على تواصل مع الناخب "العادي".

وانتقد الكوميدي المناهض للراسمالية راسل براند هذا الاسبوع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على تويتر، بسبب عضويته في نادي بولنغدون النخبوي، عندما كان يدرس في جامعة اكسفورد. كما تعرض للسخرية مجددًا عندما اخفق في تذكر اسم فريقه المفضل لكرة القدم، وهذا امر يعتبر اساسيًا لأي شخص من الطبقة العاملة.

مطبخان؟

وفي مقابلة أجراها براند مع إد ميليباند على موقع يوتيوب، تحدث زعيم حزب العمال بلهجة ابناء الطبقة العاملة، التي يتميز بها الفنان الكوميدي، في محاولة منه لجذب اصوات الشباب، وهو المعروف عنه أنه يتحدث عادة بلهجة راقية. وكان ميليباند تعرض للانتقاد لأن في منزله اللندني مطبخين.

الا أن جيفري إيفانز، الخبير في العلوم السياسية بكلية نوفيلد في جامعة اوكسفورد، اعرب عن اعتقاده بأن الطبقية لم تعد عاملًا حاسمًا في خيار الناخبين. واوضح إيفانز أن الاحزاب الآن لم تعد تتنافس على أجندة تستهوي الناخبين من الطبقة العامة او الطبقة المتوسطة.

بريطانيا أخرى

اما جو تويمان، رئيس الابحاث السياسية والاجتماعية في اوروبا والشرق الاوسط وأفريقيا في شركة يوغوف لأبحاث السوق، فيوافق على أن الطبقات الاجتماعية، التي تحددها في بريطانيا مجموعة من العوامل بينها الوظيفة والتعليم وليس المال فقط، لم تعد عاملًا حاسمًا في الانتخابات.

قال: "التقسيمات السابقة إلى طبقة عمال وطبقة وسطى اختفى تقريبًا مع مرور الزمن، والصناعات الثقيلة التي كانت تأتي منها غالبية أصوات حزب العمال لم تعد موجودة".

فبريطانيا الآن بلد مختلف عن بريطانيا السابقة بتقسيماتها الطبقية الواضحة، التي كانت تسعى جاهدة إلى الوقوف على قدميها بعد الحرب العالمية الثانية. والمداخن المتسخة في شمال البلاد لا تزال تقف شاهدًا على قاعدة صناعية قوية، حل محلّها اقتصاد يعتمد على الخدمات، بينما غيرت الهجرة واسعة النطاق تركيبة البلاد بصورة نهائية.

مناصب نخبوية

لكن العائلة المالكة تبقى على قمة الهرم الاجتماعي في بريطانيا، كما أن الموسم الاجتماعي للنخبة الثرية يتمحور بعدُ حول فعاليات مثل سباق الخيل الملكي وسباق القوارب بين جامعتي أوكسفورد وكامبردج وسباق هنلي للقوارب.

ولا يزال العديد من المناصب النخبوية حكرًا على أشخاص تخرجوا من مدارس خاصة، مثل إيتون التي درس فيها كاميرون. وقالت بولا سوريدج، المحاضرة في جامعة بريستول: "من المبكر استبعاد دور الطبقية، فهي لا تزال تؤثر على فرص الاشخاص في الحياة وطريقة عيشهم".

أضافت: "بالرغم من حدوث بعض التغيير الاجتماعي، فإنه اقتصر على تقليص انعدام المساواة بشكل طفيف في ما يتعلق بالتعليم والوظائف والصحة".

مسألة هوية

فلماذا يتردد البريطانيون كثيرًا في التخلي عن الطبقية؟& يقول تويمان: "الامر يتعلق الآن بالهوية أكثر مما يتعلق بالفوارق الطبقية".

أضاف: "اعتقد شخصيًا أن الامر يتعلق بالعائلة المالكة، فلا تزال لدينا العائلة المالكة، ولا يزال لدينا نظام اجتماعي راسخ، ولا نزال نتحدث عن سباق القوارب". وتابع قائلًا: "يمكنني أن أقول إن النظام الطبقي جزء من الهوية الثقافية البريطانية، فنحن نحب التقاليد، ونحب الفخامة والابهة".