قال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إنه لا يكمن حل المشاكل في العزلة، ولا بإقامة الجدران، ولا في الشك في الطرف الآخر، مؤكداً أن تحقيق السلام والازدهار لا يتأتى إلا من خلال التعايش، في إطار شراكة تُستثمر فيها نقاط القوة المشتركة على أساس الاحترام المتبادل.

ألقى الملك عبدالله الثاني كلمة، الخميس، في الحفل التكريمي، الذي استضافته مدينة آخن الألمانية اليوم الخميس، لمنح جائزة شارلمان الدولية، التي تعد من أرفع الجوائز الألمانية للخدمة العامة، لرئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، تقديرا لجهوده الكبيرة في خدمة مسيرة وحدة أوروبا، بمشاركة من عدد من الملوك ورؤساء الدول والشخصيات القيادية الأوروبية والعالمية.
وتعتبر جائزة شارلمان الدولية، التي تمنح سنوياً منذ العام 1950، أرفع الجوائز الألمانية للخدمة العامة، وأول جائزة سياسية على مستوى أوروبا تقلد لأصحاب الإنجازات التي تخدم التكامل والوحدة الأوروبية.
ومنحت الجائزة لأول مرة للأمير البلجيكي ريتشارد غراف، كما حصل عليها خلال الأعوام السابقة شخصيات سياسية عالمية من أمثال المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
&
شولتز صديق المنطقة&
وعبر العاهل الأردني عن سعادته وشكره لمنظمي هذه المناسبة على دعوتي للمشاركة في احتفالات هذا العام لمشاركة الأردن، البلد الصديق والجار لأوروبا، لتكريم شولتز الرجل صديق والجار لمنطقتنا بأكملها.&
وقال الملك عبدالله الثاني: لا داعي لأن أتحدث عن المصالح المتجذرة والمشتركة بين أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فما يحدث في أي من منطقتينا يمكن أن يؤثر، وكثيرا ما يؤثر بالفعل، وبشكل مباشر، على ما يحدث في المنطقة الأخرى. فهناك تدفق للبشر ولحركة البضائع وتبادل الأفكار بيننا، مثل أي جوار. ولكننا، مثل أي جوار أيضا، نواجه أخطارا مشتركة.
&
واضاف أن الاتحاد الأوروبي اهتم منذ البداية بإقامة علاقة خاصة مع البلدان المجاورة، بما في ذلك بلدي الأردن، جاركم في الجنوب، وهذه العلاقة تتطلب العمل المشترك على العديد من الجبهات.
&
الاحترام المتبادل&
وتابع العاهل الأردني: وأولا، وقبل كل شيء، علينا أن نبدأ بالدفاع عن مبدأ أساسي وهو الاحترام المتبادل، ذلك أن أيديولوجيات الكراهية والعنف تقوض أسس التعايش وتعزز الخوف من الإسلام. وببساطة، فإن هذه الانقسامات تخدم المتطرفين الذين انتهجوا العنف سبيلا، وتبدد مساهمات المواطنين الصالحين الذين يشكلون الغالبية العظمى من مسلمي أوروبا.
وقال إن كثيرا من الأوروبيين، ومن جميع أطياف المجتمع الأوروبي يتصدون لمثل هذه الأفكار والممارسات الخاطئة. ويجب علينا أن نواصل العمل معاً في هذا الاتجاه. فالأردن بلد مسلم يضم مكونا مسيحيا له جذور ضاربة في التاريخ. ونعتبر احترام الكرامة الإنسانية من أهم قيم التسامح والاعتدال التي نمارسها في وطننا، الذي قاد مسيرة الحوار العالمي للأديان. وعليه، سعادة الرئيس شولتز، فأنا أتطلع إلى العمل مع أوروبا كصديق وشريك لتعزيز هذا الحوار.
&
التصدي للإرهاب&
وأكد العاهل الهاشمي أن ترسيخ التضامن ضروري فيما بيننا في مجال آخر أيضاً، وهو مجال التصدي للإرهاب. ففي منطقتنا وغيرها نشهد الأثر المدمر للخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام، على السلم والترابط المجتمعي. إن العالم العربي الإسلامي وأوروبا متحدان في رفض هؤلاء المجرمين وأفعالهم الشنيعة. وقد وقف الناس صفا واحدا ضد ما ارتكبوه، كما رأينا، في باريس وتونس وعمَّان وستراسبورغ، وعند بوابة براندنبورغ، كما في أماكن أخرى، دفاعا عن قيمنا المشتركة.
وقال إن الإرهابيين لا يحترمون الحدود، وعليه فعلى ما نتخذه من إجراءات وقائية ودفاعية أن تكون ذات طابع دولي ومركّز في الوقت نفسه. ويلعب الاتحاد الأوروبي في هذا المجال دورا مركزيا. ولقد دعا الرئيس شولتز لشراكة عالمية لمكافحة الإرهاب. وأنا واثق أن تعاوننا في هذه المجالات وغيرها سيتنامى في مقبل الأيام.
&
الشركة مع أوربا&
وقال الملك عبدالله الثاني وهنا ولا بد لي أيضا أن أقول كلمة حول الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خصوصا من منظورها الاقتصادي. ففي العالم العربي، يشكل الشباب 65 بالمئة من السكان، والعديد منهم يفتقرون إلى فرص لبدء حياتهم. فغياب فرص العمل وتلاشي الأمل يجعل الشباب أهدافا للمتطرفين. وشبابنا يستحقون أفضل الفرص والخيارات التي من شأنها أن تؤمن لهم ما يحتاجون إليه حقا: وظائف وفرصا جيدة، واستقرار في مجتمعاتهم المحلية لبناء حياة كريمة. وهو نفس الأمر الذي يستحقه الشباب الأوروبي، وعليه فإن التعاون الاقتصادي هو المفتاح لتلبية تلك الاحتياجات.
وأعرب العاهل الهاشمي عن تقديره العالي لدعم البرلمان الأوروبي في هذا المجال. والتزام رئيسه الشخصي الشخصي بالتنمية يساهم في إدارة أفضل للتحديات الراهنة، وبناء موقف مستقبلي أقوى لجميع بلداننا. واسمحوا لي أن أقول إن بلدي عازم على المضي قدما، حتى في خضم الاضطرابات الإقليمية الخطيرة والتحديات الاقتصادية الكبيرة. إن دعم أوروبا للأردن ضروري وهام جداً وهو محل تقدير.

الصراع الفلسطيني الاسرائيلي&
وتحدث العاهل الأردني عن الصراع الذي طال أمده بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي أزمة لا تماثلها أي أزمة أخرى في نتائجها من انقسام عالمي وتطرف وخطر على أمن منطقتنا واستقرارها. فلا يوجد احتلال ينتهك المبدأ الأول في الميثاق الأوروبي، مبدأ السلام، والذي ينص على أن "كرامة الإنسان مصونة،" مثل هذا الاحتلال.
&
وقال: سيحيي غدا الملايين في جميع أنحاء العالم، الخامس عشر من أيار، ذكرى النكبة، والتي شكلت البداية للشتات الفلسطيني قبل 67 عاما. إن أي طفل فلسطيني، أو طفلة فلسطينية، ولد في ذلك اليوم قد عاش لسنوات دون أن تتوفر له فرص السلام والكرامة والاستقلال. وأحفاد ذلك الجيل، وهم جزء من هذا العالم الكبير، يتساءلون: أين هي العدالة العالمية التي نسمع عنها؟ لماذا نسمع دائما بالمطالبة بحقوق للآخرين دون حقوق للفلسطينيين؟
ونبه الملك عبدالله الثاني إلى أن ما هو مطلوب الآن هو الإرادة من كلا الطرفين، نفس الإرادة التي ساعدت أوروبا لكي تجد مستقبلها، إرادة العيش في سلام واحترام متبادل.
&
وختم الملكل قائلاً: وعليه، فإن على أوروبا أن تلعب دورا حيويا في توفير فرص التغيير، وإيصال رسالة قوية مفادها أن الأمن لا يأتي إلا مع السلام؛ والسلام لا يأتي إلا مع الاحترام المتبادل والتعايش.
وتمثل هذه الرسالة القوة الحقيقية التي يتمتع بها البرلمان الأوروبي، بما يمثله من ملايين من الأصوات، بقيادة مارتن شولتز.
&
وضم الوفد المرافق للملك عبدالله الثاني في حفل جائزة شارلمان الدولية كلاً من رئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور فايز الطراونة، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين ناصر جودة، والدكتور جعفر حسان مدير مكتب الملك، والسفير الأردني لدى ألمانيا مازن التل.
&