بعد تكرار سيناريو سقوط الموصل في الرمادي برزت قوات الحشد الشعبي كقوة وحيدة قادرة على حسم المعركة على الأرض ضد تنظيم داعش وسط تخوفات مستقبلية من مطالبات الحشد الشعبي بحصة من السلطة.

عبد الرحمن الماجدي: فرضت التطورات الدرامية للواقع الأمني العراقي صعود ميليشيات الحشد الشعبي كنظير نوعي لتنظيم (داعش) بموازاة تراجع القوة العسكرية والمعنوية لدى الجيش العراقي الذي يعاني من الفساد وتردي الروح القتالية لدى جنوده.

فبعد صيحات الرفض التي كان يطلقها قادة المكون السني في العراق محذرين من دخول الحشد الشعبي (المكون من الشيعة في غالبيته) مناطقهم لقتال داعش اضطروا للاستعانة بقواته لتحرير محافظة الأنبار التي بات التنظيم يحكم قبضته على مناطق واسعة فيها آخرها مركزها الرمادي.

صعود الحشد الشعبي وإن ساهم بشكل كبير في حسم المعارك مع داعش في محافظات ديالى وصلاح الدين وشمال بابل لكنه يعمق التمايز الطائفي لدى المكونات العراقية التي تظهر جميعا حميتها الوطنية غير أنها تتعامل مع بعضها طائفيا وترى أي الحرب مع داعش حرب سنية شيعية بعيدة عن البعد&الوطني الذي يكرره الساسة العراقيون وقادة الحشد الشعبي، وفق ما يرى الباحث السياسي العراقي غسان العطية.

العلاقة مع إيران

ويشارك متابعون عراقيون العطية في تشاؤمه بسبب العلاقة العميقة التي تربط فصائل الحشد الشعبي بإيران من حيث التدريب والاستشارة والدعم العسكري.

ويقترح العطية في تصريحات إعلامية أن الحل للمشكلة العراقية التي ستساهم في التخلص من الارهاب وعودة التقارب الوطني في العراق هو في جلوس الجوار العراقي وداعمي الاحزاب والشخصيات السياسية والعسكرية العراقية الى طاولة واحدة لحسم الخلافات خاصة إيران وتركيا والسعودية وقطرـ حسب قوله.

تردد وتحذير قادة المكون السني نابع من تسويف الحكومة العراقية وعودها الخاصة بدعمهم تشكيل الحكومة التي كان في مقدمها موافقتها على تشكيل قوات الحرس الوطني في المناطق السنية خاصة التي تكون مهمتها الحفاظ على الأمن من&أي خطر إرهابي وفي مقدمها تنظيم داعش.

لكن ما حصل هو تأسيس قوات الحشد الشعبي بعد سيطرة داعش على محافظة نينوى ومناطق واسعة من محافظات ذات غالبية سنية أخرى بعد فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها آية الله العظمى علي السيستاني العام الماضي، فاستبدل الساسة الشيعة الحرس الوطني (السني) بالحشد الشعبي (الشيعي) وبات ذات سطوة كبيرة في البلاد، وفق ما يرى متابعون عراقيون خاصة بعد نجاحه في تحرير محافظتي ديالى وصلاح الدين من تنظيم داعش دون تدخل من قوات التحالف (الأميركي) في معاركه لانعدام الثقة بينهم واتهام واشنطن لقوات الحشد الشعبي بالتبعية لإيران ورفض الرئيس أوباما& التورط مرة أخرى في&العراق بتدخل مباشر على الأرض بقوات برية، حسب هؤلاء المتابعين.

لكن بعد السقوط الدراماتيكي لمركز محافظة الأنبار بيد داعش الذي غنم قطعا عسكرية وأعتدة ليست قليلة من الجيش والشرطة العراقيين ومعهما قوات العشائر ذات التسليح المتوسط، لم يكن أمام شيوخ عشائر الانبار ومجلس محافظتها الذي سيطر داعش على مقراته سوى الاستنجاد بالحشد الشعبي، وأعقب هذا الاستنجاد دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قوات الحشد الى الاستعداد لتحرير الانبار مع رضى أميركي اضطراري من أجل إيقاف زحف داعش الى العاصمة بغداد.

وكما حصل في صلاح الدين قبل شهرين تحولت مطالب تسليح العشائر السنية في الأنبار وساستها الى طلبات دخول مقاتليها ضمن الحشد الشعبي.

فقد صرح عبد القهار السامرائي، النائب عن اتحاد القوى، أن "هناك عدة لقاءات جرت بين الكتل السنية وقيادة الحشد الشعبي من أجل قبول ابناء المحافظات الغربية ضمن تشكيلات قوات الحشد الشعبي وحسب الحصص المنصوص عليها في الموازنة الاتحادية لعام 2015"، مشيرا إلى "وجود أعداد كبيرة لم يتم قبولها في هذه التشكيلات".

وأضاف السامرائي، خلال حديث مع كالة المدى برس المحلية، أن "الموازنة الاتحادية& حددت نسبة كل محافظة من الحشد الشعبي والتي تقدر بخمسة آلاف من التعداد السكاني لكل محافظة وتوزيع هذه النسبة بالتساوي على الاقضية والنواحي والقصبات".

وهذا تأكيد على استبدال الحشد الشعبي بالحرس الوطني الذي تخوف منه متابعون عراقيون. وأوضح عضو اتحاد القوى أن "نسبة مشاركة أبناء العشائر السنية في تشكيلات الحشد الشعبي تشكل 20% في حين أن هناك اعدادا مسجلة ومقدمة للمسؤولين على هذه القوات منذ عدة اشهر"، منوها الى ان "نسبة تسليح المناطق الغربية ضعيفة جدا مقارنة بتشكيلات الحشد الاخرى".

وأشار النائب عن محافظة صلاح الدين الى تلكؤ استيعاب اعداد المتطوعين السنة وتسليحهم، داعيا إلى أن "يكون حشدا وطنيا تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة ويرفع علماً واحداً من اجل تفويت الفرصة على الاشخاص الذين يحاولون الاساءة للاجهزة الامنية بجميع اصنافها".

الحشد الوطني

يذكر أن محافظ نينوى أثيل النجيفي أسس مع ساسة من ذات المحافظة قوات باسم الحشد الوطني تتجمع وتتدرب في إقليم كردستان العراق من أجل تحرير محافظة نينوى التي يسيطر عليها داعش منذ عام. ويتعرض النجيفي لانتقادات سياسية متهمينه بتضييع الاموال دون طائل على تدريب وإطعام مقاتلين لن يقاتلوا، حسب وصفهم.

ويرفض النجيفي وبعض ساسة محافظته بشكل قاطع مشاركة الحشد الشعبي في تحرير نينوى من داعش بسبب تكوينها الطائفي، حسب قوله.

وكشف السامرائي عن ان "الاجتماعات مع الحشد ناقشت الخروقات في صلاح الدين لا سيما وجود 1000 مفقود"، مبينا أن "قيادات الحشد الشعبي تبدي تعاونا واستجابة ومرونة كبيرتين في التعامل مع هذه الملفات لكن المشكلة في التطبيق".

وكان البرلمان العراقي سيلتقي مع قادة الحشد الشعبي امس الاثنين لكن سفر رئيس البرلمان سليم الجبوري الى البحرين حال دون ذلك وفق ما ذكره نواب مشيرين الى ان قادة الحشد سيجرى استضافتهم في البرلمان، لمناقشة دورهم في معارك الانبار، وان ذلك قد يخضع لتصويت النواب.

وقال مصدر أمني في محافظة الأنبار، إن ثلاثة أفواج من الحشد الشعبي وصلت إلى مقر المزرعة، شرق الفلوجة، لتعزيز القطعات الموجودة فيها للتصدي لتنظيم (داعش)، بانتظار استكمال وصول تعزيزات مدرعة من بغداد للقيام بهجوم مضاد.

وأكد عضو تحالف نينوى الوطني أن "اللقاءات بين الحشد الشعبي والاجهزة الامنية والقيادات السياسية ما زالت مستمرة من أجل بلورة الافكار والرؤى قبل بدء عمليات تحرير الانبار المرتقبة".

لا ضمانات

ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ويرتبط بعلاقات جيدة مع قادة الحشد الشعبي نفى أن تكون قيادة الحشد الشعبي قد اعطت أية ضمانات لحكومة الانبار مقابل دخولها المحافظة، مؤكدة أن هذه القوات تعمل تحت قيادة رئيس مجلس الوزراء وان تحركاتها قانونية ودستورية.

فقد أكد عضو الائتلاف هشام السهيل، في تصريح صحافي، أن "الكتل السنية تريد أن يكون الحشد خاضعاً لقيادة القائد العام للقوات المسلحة برغم وجود هذا الامر بالاصل"، متسائلا "كيف تطلب الضمانات من العراقيين لمقاتلة الارهاب؟".

وكان مقاتلون في الحشد الشعبي تحدثوا لـ "إيلاف" في وقت سابق عن قيادتهم للمعارك ضد تنظيم داعش وأن قوات الجيش والشرطة يعتمدون على مقاتلي الحشد في أي معركة.

ويرى متابعون عراقيون أن الروح القتالية والعقائدية لدى مقاتلي الحشد الشعبي شبيهة بتلك التي لدى مقاتلي داعش، فكان ذلك سبباً في اعتماد الحكومة والجيش والشرطة والعشائر وقوات التحالف الدولي، حتى، عليهم في هزيمة داعش في العراق. لكن المشكلة الأكبر ستبرز بعد الانتهاء من طرد داعش من العراق حيث ستطالب قوى الحشد الشعبي بنصيبها في السلطة السياسية ولا يستبعد هؤلاء المتابعون& اللجوء&الى&انتخابات مبكرة في العراق ستغير نتيجتها الخريطة السياسية، وربما الجغرافية، في العراق بشكل واضح.

يذكر أن الحشد الشعبي أصبح هيئة تابعة للحكومة العراقية من حيث التمويل وتم تخصيص مبلغ 50 مليون دولار لها من ميزانية العام 2015.وتتكون من مقاتلي تنظيمات شيعية يرتبط قادتها بعلاقات عميقة مع إيران وأبرزها منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وكتائب الامام علي وحركة النجباء وسرايا السلام، والتحق معهم متطوعون استجابة لفتوى الجهاد الكفائي ضد داعش حيث يفضل هؤلاء المتطوعون الالتحاق بالحشد الشعبي عن الجيش العراقي بسبب عدم صرف الجيش رواتب لهم وتسليمهم أسلحة وعتادًا قليلا على العكس من الحشد الشعبي الذي يمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة ويصرف لكل متطوع راتب 750 الف دينار. ويصل عدد مقاتلي الحشد الى 60 الف مقاتل وفق تقديرات غير رسمية.