فيما تتصاعد الاتهامات العراقية والأميركية للقوات العراقية في الرمادي بالهروب أمام تقدم مقاتلي تنظيم "داعش"، الامر الذي سهل عليهم السيطرة على عاصمة محافظة الأنبار الغربية، فإن عدم الافصاح عن أسباب هذه الانتكاسة واسماء المسؤولين عنها وغياب أي قرار بالمحاسبة يثيران مخاوف لدى العراقيين بإمكانية تكرار الانتكاسات في مناطق أخرى، وهو ما يحصل حاليًا، حيث احتل التنظيم اليوم منفذ الوليد الحدودي مع سوريا.
لندن: أكد رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي أن انسحاب القوات الأمنية من مدينة الرمادي جرى من دون صدور أوامر عسكرية، وهو مخالف للتعليمات الصادرة بمسك الأرض، كاشفًا عن فتح تحقيق لمحاسبة المقصرين لكن أي اجراء بهذا الصدد لم يصدر لحد الآن رغم مرور حوالي عشرة ايام على احتلال "داعش" للمدينة.
وادعى العبادي، في تصريح على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "داعش" لم ولن يحقق نصرًا استراتيجيًا وكل ما حققه هو ثغرة حصلت في الرمادي لأسباب يجرى التحقيق بها ومحاسبة المقصرين وتكريم المقاتلين الشجعان المتميزين، "لأن ما حصل كان انسحابًا من غير أوامر، وخلافاً لأوامرنا بمسك الأرض".
لكنّ اجراء واحدًا اتخذ عقب ذلك بإعفاء قائد شرطة الأنبار اللواء الركن كاظم الفهداوي من منصبه وتكليف اللواء هادي رزيج بمهام قيادة الشرطة في المحافظة.
وعلى الرغم من أن مصادر عراقية غير رسمية أشارت إلى أنّ العبادي يعتزم إجراء هيكلة شاملة للقوات العراقية من خلال استحداثه هيئة لتقييم القيادات الأمنية الا أن العراقيين مازالوا ينتظرون خطوات عملية غائبة لحد الآن على هذه الطريق. واوضحت المصادر أن هذه الهيئة ستتولى اجراء التقييم المهني للقيادات العسكرية في الجيش والشرطة على مستوى العراق وتكليف الكفاءات العسكرية بإدارة المناصب في الوحدات العسكرية.
معروف أن احداث الرمادي أعادت إلى اذهان العراقيين سيناريو العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، الذي شهدته مدينة الموصل الشمالية بهروب الجيش من مواقعه دون مقاومة.
وزير الدفاع: انسحاب الجيش من الرمادي لا مبرر له
واليوم، أكد وزير الدفاع خالد العبيدي أن انسحاب القطعات العسكرية والامنية من مدينة الرمادي لم يكن له ما يبرره من موجبات. وشدد الوزير خلال لقاء اليوم مع مجموعة من مسؤولي القنوات الفضائية ووكالات الانباء والصحف المحلية، والتي نشرت تفاصيله على أن كل من تهاون وانسحب من ارض معركة مدينة الرمادي ستتم محاسبته واحالته إلى المحاكم العسكرية،& وتوضيح الخطوات التي ستتخذ في هذا المجال.
لكنه أشار إلى أنّ العبادي امر بتشكيل لجنة عليا لمحاسبة كل من يثبت التحقيق تقصيره من القادة والامرين، الذين امروا بالانسحاب من ارض المعركة وستعلن نتائج هذا التحقيق بوسائل الاعلام ليطلع عامة المواطنين عليها.
وأقرالعبيدي بان ما حدث في الرمادي هو التقاطع في الاوامر بين القيادات وعدم الانسجام بوضع القطعات في مكانها الصحيح وفقدان السيطرة على القطعات وحركتها رغم أن ذلك لا يبرر الانسحاب بأي شكل من الاشكال. وأكد اهمية الدور الذي يضطلع به الاعلام في مسار العمليات العسكرية كون الحرب اصبحت اليوم ليس فقط في استخدام السلاح، وانما إلى جانب ذلك الحرب النفسية التي يتولاها الاعلام من خلال حشد الطاقات واستنهاض الهمم دفاعاً عن ارض العراق.
وأشار إلى أنّ داعش لا يقاتل في ساحة المعركة وجهًا لوجه بقدر ما يستغل الظروف لزعزعة معنويات المقاتلين، وهو ما لمسناه في كل معاركه خلال الفترة الماضية، وآخرها ما حدث في الرمادي. وقال إن هناك استراتيجية جديدة لبناء الجيش وفق متطلبات معاركه الحالية ضد داعش ومستقبل هذا البناء كون الحرب ضد داعش ليست تقليدية، وانما تتطلب معرفة مستلزمات القتال في المدن، وهذا ما يجري عليه العمل في بناء القطعات العسكرية المتخصصة في هذا النوع من القتال.
وانتقد وزير الدفاع تصريحات بعض المسؤولين، الذين قال إنهم يقدمون خدمة للعدو دون قصد من خلال البوح بمعلومات عن تواجد القطعات وانتشارها وحركتها في جبهات القتال والادعاء بنقص السلاح والذخيرة والمعدات العسكرية للقطاعات أو من خلال تضخيم حجم قوة العدو وقدراته، ما يخلق نوعًا من احباط المعنويات لدى المقاتلين في جبهات القتال، على حد قوله.
أوباما ينتقد ويتنصل!
وعلى ذات الطريق في الاتهامات، فقد اوضح الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الرمادي لم تكن محمية منذ فترة طويلة "لأن قوات الأمن العراقية الموجودة هناك لم تكن من تلك القوات التي قمنا بتدريبها وتعزيزها"، بحسب قوله.
وقال أوباما في تصريحات صحافية حملت اتهامات للقوات العراقية، إن سقوط المدينة "لا شك أنه انتكاسة تكتيكية".. لكنه أشار إلى أنّ عدد مسلحي "داعش" الذين دخلوا الرمادي قليل مقارنة بعدد من دخلوا مدينة الموصل. وأضاف أن "عمليات تدريب قوات الأمن العراقية في الأنبار ولدى القطاعات السنية وتعزيزاتها لا تتم بشكل سريع بما فيه الكفاية".
وألقى الرئيس الأميركي باللوم على "قوات الجيش العراقي قليلة التدريب والتنظيم" في سقوط مدينة الرمادي. وقال إن عدم انخراط المقاتلين السنة في الحرب ضد داعش يعتبر "مصدر قلق".. قائلاً "علينا تكثيف التدريب والالتزام أيضًا ومن الأفضل لنا تفعيل دور السنة بصورة أكبر مما هو عليه في الوقت الحالي".
مطلوب اجراءات حاسمة
وفي وقت سيطر تنظيم "داعش" على معبر الوليد الحدودي مع سوريا بالكامل فجر اليوم، بعد معارك استمرت ساعات استخدم فيها التنظيم سيارات مفخخة جاءت من الأراضي السورية، فإن مخاوف حقيقية تنتشر بين العراقيين من امكانية تكرار سيناريو الرمادي في مناطق عراقية أخرى.
وبانسحاب جميع موظفي الأمن والجمارك من معبر الوليد يكون التنظيم قد سيطر على معبرين رئيسيين على الحدود العراقية السورية.
وبينما تستمر المعارك على الأرض شرق الرمادي، فإن مخاوف حقيقية تنتشر بين العراقيين من امكانية توسيع "داعش" لسيطرته على مدن استراتيجية أخرى تقربه من تحقيق هدفه الملح بالاقتراب من العاصمة العراقية، وتنفيذ تهديداته التي اطلقها قبل ايام بالسيطرة على بغداد وكربلاء والنجف في ظل تخبط عسكري وغياب خطط ناجعة لمواجهته.
ويؤكد العراقيون أن اجراءات حاسمة مطلوبة بالحاح الآن لإعادة هيكلة القوات، التي تواجه مقاتلي "داعش"، وتوحيد خطط قياداتها وتحويل الانتقادات الموجهة اليها من القيادات الرسمية والعسكرية العليا إلى معالجات ملموسة لتجنب تكرار الاخفاقات العسكرية السابقة وتحقيق انجازات مسلحة لإستعادة ما تم خسرانه على الارض.&
التعليقات