مروان شلالا من بيروت: في الأيام القليلة الماضية، وخلافًا لكل التوقعات، سيطر تنظيم (داعش) على مدينة الرمادي، مسطرًا أكبر انتصار له منذ دخوله الموصل في حزيران (يونيو) الماضي. وقبل أيام، اعتمد التنظيم على موجة من الانتحاريين ليخترق المجمع الحكومي في الرمادي، ويحكم قبضته عليها، وأعدم جنود الجيش العراقي والمقاتلين القبليين الذين قاتلوه.
هذه هي الرواية التي تداولها الجميع، بينما روت "فورين بوليسي" الأميركية في تقرير لها رواية رجلين من الأنبار، تقدّم لمحة معمقة لسبب فشل بغداد وقف تقدم داعش في الرمادي، ولرد فعل القادة السُنة تجاه تدفق ميليشيات شيعية مدعومة من إيران، تؤلف ما يعرف بالحشد الشعبي، نحو الرمادي.
أحد الرجلين هو الشيخ خميس الفهداوي، زعيم قبيلة البوفهد السُنية التي تقاوم، والثاني "أبو قاسم" متمرد سابق حارب الأميركيين وحكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، وكان متحالفًا مع داعش قبل أن ينشق عنه منذ أربعة أشهر.
خسائر كبيرة
يقول تقرير فورين بوليسي: "في شباط (فبراير) الماضي، كان الشيخ الفهداوي في منزله في عمّان، يرتدي جلبابًا أبيض مزركشًا بخطوط ذهبية، وأوضح أنّ قبيلته، التي يصل عددها إلى ما يقرب من 160 ألف شخص، كانت تقاتل ضد داعش في الرمادي، على امتداد نحو 20 ميلًا في شرق المدينة، حتى القاعدة العسكرية في الحبانية".
نجح مقاتلو "البو فهد" في إبقاء داعش بعيدًا 13 ميلًا عن عقر دارها، ودفعت نحو 100 قتيل ثمنًا لذلك. واليوم، خسرت القبيلة 500 شخص قُتلوا في الرمادي دفاعًا عن المدينة.
قال الفهداوي: "عندما دخل داعش الأنبار، كانت القبيلة من بين أولى القبائل التي حاربته، وفي 2006 و2007، عندما كان يسيطر تنظيم القاعدة على الأنبار، قالوا إننا هنا لمحاربة الأميركيين، لكنهم بدأوا يقتلون العراقيين".
بحسب فورين بوليسي، تلقت قبيلة البوفهد في منتصف الألفية الثالثة دعمًا عسكريًا كبيرًا من الولايات المتحدة، إذ كانت جزءًا من "صحوة" الأنبار، التي جمعت القوات الأميركية والعشائر السُنية لإخراج القاعدة من غرب العراق. وتشغل الرمادي حيزًا كبيرًا في الذاكرة الأميركية إذ خاض مشاة البحرية وحلفاؤهم المحليون معركة ضارية للسيطرة على المدينة، أدت إلى مقتل نحو 100 جندي أميركي، لكنها في النهاية نجحت في تقليل الهجمات.
نريد سلاحًا
في هذه المرة، يقول الفهداوي، لم تقدم الولايات المتحدة ولا الحكومة العراقية الدعم لمقاتلي القبيلة. ورغم وعد بغداد بتعزيز قدرات عشائر الأنبار العسكرية، ليكونوا خط الدفاع الأول بوجه داعش، إلّا أنّ توريد الأسلحة لا يزال ضعيفًا. وتقول الصحيفة إن مراسلها زار معسكر تدريب قرب الفلوجة فوجد مجندين هناك يتدربون على استعمال أسلحة قديمة.
قال الفهداوي: "يبدو أن حكومة بغداد الاتحادية تخاف أن تمدّنا بالسلاح، ويزعمون دائمًا أن عشائر الأنبار ستبيع السلاح لداعش، لكن هذا مستحيل، فهذه القبائل تقاتل الآن، وتحتاج إلى أسلحة".
إلا أن التعزيزات في طريقها إلى الفهداوي، وهي الميليشيات الشيعية التي تكوّن الحشد الشعبي، والذي ساهم بصورة فعالة في طرد داعش من مناطق أخرى في البلاد. وبحسب مجلس محافظة الأنبار، وصل 3 آلاف متطوع شيعي إلى الأنبار، وآخرون في الطريق.
نقبل بالشيعة
تقول الصحيفة الأميركية إن مجلس محافظة الأنبار صوت لصالح انتشار الجنود، لكن الاعتماد على ميليشيات شيعية موالية لإيران في محافظة تقطنها غالبية سُنية يثير الجدل، إلا أن الفهداوي يميل إلى قبول المساعدة الشيعية، التي يرى فيها سلاحًا ذا حدين.
قال الفهداوي لفورين بوليسي: "نخشى من أن تضرّ هذه الجماعات بشعبنا، ومن أن تقتلنا، لكنّ هؤلاء الذين يقاتلون داعش منذ أكثر من عام لم يحصلوا على أي دعم، ويشعرون أنهم يغرقون".
ورغم أن رجال قبيلة الفهداوي يقاتلون داعش منذ البداية، فإن زعماء قبائل سنية آخرين انضموا إلى هذا التنظيم، وكانوا حلفاء له ضد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ثم انشقوا عن التنظيم عندما بدأ الجهاديون يضيقون الخناق على جماعات أخرى معارضة للحكومة الاتحادية في الأنبار.
روبن هود السنة
أبو قاسم ضابط أربعيني سابق، عاش الظلم طوال حياته، وتحدث للصحيفة الأميركية بمرارة عن تسليم الزعماء العراقيين الشيعة الذين جاؤوا بعد سقوط نظام صدام حسين البلاد إلى إيران، وإخضاع السُّنة. لذا، يرى نفسه جنديًا في ثورة سنية ضد "الصفويين"، كما يسمي الشيعة، وهو مصطلح تحقيري يساويهم بالإمبراطورية الإيرانية القديمة. قال: "أردت أن أكون روبن هود السنة".
أيًا كانت رومانسية أبي قاسم، مهدت أفعاله الطريق لاستيلاء داعش على مدينته، إذ انضم إلى التمرد ضد الأميركيين بعد غزوهم العراق، وقاد 150 مقاتلًا ضدهم خلال معركة الفلوجة الأولى في ربيع 2004. حينها، قال بفخر إن جماعته أكبر من جماعة التوحيد والجهاد، الجماعة الجهادية التي قادها أبو مصعب الزرقاوي، وتحولت في ما بعد إلى تنظيم القاعدة في العراق، ثم إلى داعش.
حاولت جماعته التعايش مع الزرقاوي، وتشكيل جبهة مشتركة ضد أميركا، لكن الزرقاوي طردها إذ بدأت القاعدة قتل أو احتواء غيرها من الجماعات الجهادية. وقال أبو قاسم: "كان للزرقاوي أجندته الخاصة، فهو استخدمنا لأننا كنا سذّجًا. وقعنا في الفخ".
اتفاق ورصاص في الهواء
في ربيع 2014، وفي ظل تحضر حكومة المالكي وسنة الأنبار للمواجهة، تسلّح أبو قاسم استعدادًا للثورة القادمة. قال: "عقدنا اتفاقًا مع الضباط العراقيين لنشن هجومًا وهميًا عليهم، فأطلقنا الرصاص في الهواء، يُقدم الضباط تقريرًا إلى قائدهم يذكرون فيه أنهم خسروا الأسلحة، لكن في الحقيقة باعوها لنا".
من هذه الأسلحة بنادق كلاشينكوف، وخمس قاذفات آر بي جي، وأزياء عسكرية.
في 9 كانون الثاني (يناير) 2014، قال أبو قاسم إن داعش دخل إلى الفلوجة للمرة الأولى، ووعدوا بالتعاون مع المقاتلين السنة وتجنب العنف، فوافق المتمردون السنة.
بحسب أبو قاسم، التحالف بين داعش والقوى القبلية استمر شهرًا قبل أن يبدأ داعش باستخدام موارده المتقدمة ليهزم منافسيه. روى أبو قاسم: "أعطيت 200 دولار للموظفين في مستشفى الفلوجة لكسب ولائهم، ثم جاء شخص من داعش وأعطى كل موظف ألف دولار، وهلل الجميع: الله أكبر".
ضربوا رؤوسهم بالجدار
بعد سقوط الموصل في حزيران (يونيو) الماضي، توقف داعش عن مطالبة الجماعات الجهادية الصغيرة بالانضمام إلى صفوفه، بل أصبح يأمرهم بذلك. قال أبو قاسم: "استعرضوا مقاتلي العشائر السنية في الشارع، وأخذوهم إلى مدرسة كبيرة، وأوقفوهم في صفين، ثم طلبوا منهم سحق رؤوسهم في الحائط. ولم يُطلق سراح أي شخص حتى رأوا الدم يسيل من رأسه".
كانت هذه هي طريقة داعش في تبيان عدم جدوى مقاومته، كان يقول إن محاربة داعش تماثل ضرب الرأس بالجدار. فهرب أبو قاسم إلى عمّان، وينتظر اليوم المجتمع الدولي لتزويده بالأسلحة والأموال كي يحارب داعش، يقول: "كانت مقاومتنا نبيلة، لكنها كانت سخيفة".
تقول الصحيفة الأميركية إن رجالًا من أمثال أبي قاسم سوف يشير إليهم بعض المسؤولين العراقيين الآن باعتبارهم السبب في عدم تسليح المقاتلين السُنة. لقد قاتل الفهداوي ضد تنظيم القاعدة وضد داعش، كما وقف ضد الحكومة. ومع المزيد من الأسلحة، يخشى مسؤولون في الحكومة أنّه قد يكرر ذلك.
قصة الجنديين
ثمة قواسم مشتركة بين أبو قاسم والفهداوي. تقول الصحيفة إن كلاهما يكره الحكومة العراقية إذ يحمّلانها مسؤولية تهميش السنة وتجاهل مطالبهم السياسية المشروعة، ويفضلان أن يدافع العراقيون بأنفسهم عن مدنهم ضد تهديد داعش، بدلًا من الاعتماد على الشيعة الذين لن يجلبوا إلى المحافظات السنية إلا الدمار.
لا ينتظر الفهداوي وأبو قاسم العون من بغداد أو من الحشد الشعبي، لكنهما بحاجة إلى المساعدة من الولايات المتحدة.
بحسب الصحيفة، روى الفهداوي للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، عندما التقاه في البيت الأبيض، قصة جنديين تواجها فأصاب أحدهما الآخر بجروح مميتة. ظن المنتصر أن قتل خصمه الجريح ليس أمرًا شريفًا، فغادر ميدان المعركة. لكن الجندي المصاب نادى عليه، وطلب منه أن يقتله أو أن يداويه.
وختم الفهداوي: "هذان الجنديان هما العراق والولايات المتحدة... العراق ينزف، ومن واجب أميركا أن تعالجه أو أن ترديه".
التعليقات