تدفع أجواء العمل القياسية، مثل درجة الحرارة والرطوبة والتهوية... إلخ، الموظفين إلى خلع جاكيتاتهم والعمل بالقميص، في حين تلجأ الموظفات إلى بطانيات يدفئن بها أنفسهن. عالمان هولنديان درسا أسباب هذه الظاهرة.
ماجد الخطيب: وضعت معايير العمل في درجة حرارة الغرفة ضمن شروط العمل في الستينات كي تناسب الجميع، بغض النظر عن العمر والجنس ومؤشر الكتلة-الجسد...إلخ من الاختلافات المعروفة بين البشر.
ووضع الباحثون آنذاك، ومع بدء عصر الكومبيوتر، هذه الشروط للمكاتب كي تناسب رجلًا عمره 40 سنة ووزنه 70 كغم، متناسين وجود نساء يشكلن نصف المجتمع، وبدأت مشاركتهن في الوظائف والأعمال، منذ تلك السنين، تتزايد باطراد.
نظام جديد
المشكلة هي أن هذه الشروط لا تناسب النساء، وخصوصًا نشاطات أجسادهن الحيوية، كما تتجاهل اختلاف معدلات الوزن والأطوال والحالة الصحية العامة. ولا شك في أن رجلًا عمره 40 سنة ووزنه لا يتجاوز 70 كغم عملة نادرة بين رجل مجتمع اليوم المبتلي بالبدانة وعواقبها المرضية مثل داء السكري وأمراض القلب والدورة الدموية والجلطات القلبية والدماغية.
آن الأوان اذن، بعد مرور خمسين سنة على نظام "درجة حرارة الغرفة"، للبحث عن نظام جديد يراعي الفوارق الجنسية والجسدية للمجتمع، ويراعي أيضًا التغييرات العظيمة التي طرأت على الطقس بفعل التغيرات البيئية العظيمة التي حصلت خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة. وهو ما دعا إليه عالمان هولنديان أجريا دراسة على ظاهرة شعور النساء بالبرد في المكاتب، إذ توصل الباحثان إلى أن شروط العمل الحالية تضطهد المرأة باستمرار من أكثر من نصف قرن.
تراجع الاستقلاب
توصل بوريس كنغما وزميله فوتر فان ماركن ليشتنبيلد، من جامعة ماشترخت، إلى أن شروط العمل في المكاتب اليوم وضعت من دون مراعاة اختلاف عمليتي الاستقلاب بين المرأة والرجل. وذكر كنغما أن هذا الفرق يجعل النساء يشربن السوائل الحارة لتدفئة أنفسهن في مكاتبهن في الصيف أيضًا، إذ تحتاج المرأة إلى درجة حرارة أعلى كي تحافظ على عملية الاستقلاب في داخل جسدها ضمن المعدل الطبيعي.
أجرى الباحثان تجاربهما على 16 طالبة جامعة في سن العشرين عملن في مكاتب نموذجية من ناحية شروط العمل المحسوبة منذ الستينات. وحرص العالمان على قياس نسبة الأوكسجين، ثاني أوكسيد الكربون في المكاتب، كما قاسا درجة حرارة بشرة الفتيات باستمرار، ودرجة حرارة أجسادهن أيضًا. وكانت النتيجة هي أن معدل الاستقلاب في أجساد الطالبات في شروط العمل الموضوعة في الستينات يقل بنسبة 20 إلى 30 في المئة عن المستوى الطبيعي.
تغيرات مناخية
وكتب الباحثان في مجلة" التغير المناخي الطبيعي"، التي تعنى بالتغيرات الناخية، أن رجلًا من عمر 40 سنة ووزن 70 كغم يبث الطاقة من بشرته بمعدل 60 واط لكل متر مربع، لكن هذه الطاقة ترتفع إلى 70 واط لكل متر مربع حينما يقوم بانزال الملفات عن رف ما. لكن المرأة لا تطلق أكثر من 48 واط لكل متر مربع، وهذا يقل بنسبة الثلث عن الرجل.
ويمكن للفرق بين اطلاق الحرارة من بشرتي الجنسين أن يزداد كلما قل وزن المرأة وقل حجم جسدها، وكلما زاد وزن الرجل وزاد حجم جسده. وجسم المرأة يكتنز شحمًا أكثر مما يكتنزه جسد الرجل، وهو مصدر طاقة، لكنه في هذه الحالة يعمل عازلًا حراريًا يقلل وصول حرارة الجسم إلى بشرة المرأة.
والمشكلة تتعلق بالملابس طبعًا، لأن معظم الموظفات يرتدين التنانير أو البدلات الخفيفة، وطبيعي أن يشعرن بالبرد قياسًا بالرجال، لكن المشكلة الحقيقية تتعلق بعملية الاستقلاب. وذكر الباحث جوست فون هوف، الذي ساهم في الدراسة، أن الرجال يعتقدون أن النساء في المكاتب يحاولن "تسلق السلم الوظيفي" بهذه الطريقة، لكن الحقيقة انهن لا يستطعن فعل شيء ضد ذلك، لأنه يتعلق بوظائفهن الحيوية.
الحرارة المناسبة
وقد تتفاقم المشكلة إذا كانت المرأة تلتزم حمية قوية بهدف تقليل وزنها لأنها لا تتلقى مصادر كافية من الطاقة، وتنخفض بذلك قدرة جسمها على بث الحرارة اللازمة للعمل. ومعروف أن النساء ميالات إلى الرشاقة واللياقة المدنية أكثر من الرجال، كما أن ظاهرة تجويع النفس تنتشر بينهن أكثر.
تم تعديل التعليمات حول شروط العمل في الغرفة في ألمانيا بحيث تتراوح درجة الحرارة المناسبة بين 26-20 درجة مئوية، لكن هذا التعديل لم يوقف النساء عن اللجوء أحيانًا إلى البطانيات، بينما يهرع الرجال إلى فتح النوافذ بغية تقليل درجة الحرارة. فدرجة الحرارة المناسبة للرجال في العمل هي 22& درجة، لكنها 25 درجة لدى النساء، بحسب استنتاجات كنغما وزميله فان ماركن ليشتنبيلد.
عمومًا، يمكن للمرأة أن تكون في كامل طاقة عملها وانتاجيتها عندما تكون درجة حرارة الغرفة تزيد بثلاث درجات عن المعدل الذي رسم في الستينات من القرن الماضي. ودرجة حرارة الغرفة لا تشكل وحدها ما يسمى"أجواء العمل"، ولابد اذن من مراعاة نسبة الأوكسجين، ونسبة الرطوبة، ودورة الهواء النقي في الغرفة.
ويصل الباحثان الهولنديان إلى نتيجة مهمة أخرى مفادها أن تنظيم درجة حرارة الغرفة، وأجواءها عمومًا، بحسب نسبة الرجال والنساء فيها، يقلل استهلاك الطاقة المستخدمة في التبريد والتدفئة، ويقلل نسبة إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون.
التعليقات