ترى غالبية قراء إيلاف أن العراق لا يعيش اليوم صحوة ستؤدي إلى نبذ الطائفية، على الرغم من تواصل التظاهرات الداعية إلى الدولة المدنية ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين الذين يشكل الساسة الإسلاميون غالبيتهم.


عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: مع مواصلة التظاهرات الشعبية في مدن العراق الرئيسة والتجاوب الحكومي الخطابي معها من دون فعل واضح، يرجّح متابعون عراقيون أن تتخذ هذه التظاهرات وتيرة مغايرة من أجل إيصال رسالة واضحة إلى الحكومة العراقية بضرورة تحقيق مطالب المتظاهرين الرامية إلى محاربة الفساد وإحالة الفاسدين إلى القضاء وإصلاح البنى التحتية المتهالكة، خاصة في قطاع الكهرباء والطرق وتشغيل العاطلين.

انتقال الشرارة
وكانت شرارة هذه التظاهرات انطلقت من محافظة البصرة جنوبًا في نهاية الشهر الماضي حين انطلقت تظاهرة عفوية ضد تردي الكهرباء مع اشتداد موجة الحر إلى مستويات عالية فاقت الخمسين درجة مئوية، واشتبكت الشرطة العراقية مدعومة بميليشيا تابعة لحزب المحافظ، وراح ضحية الاشتباكات الشاب منتظر الحلفيو وعدد من الجرحى.

لكن التظاهرات اتخذت صفة المدنية ومحاربة الفساد بعد انتقالها إلى العاصمة بغداد في مطلع الشهر الجاري، حيث تشارك فيها أعداد كبيرة من المثقفين والعاطلين عن العمل وجموع غفيرة من المواطنين المكتوين بفساد الطبقة السياسية العراقية التي انتخبوها إثر وعود وردية متكررة.

حبر على ورق
وتيرة هذه التظاهرات تتجه إلى التصعيد والاعتصام، كما حصل في البصرة، وبعدها محافظة بابل، التي فرض عليها محافظها حظر التجوال ليل أمس الأحد بعد اشتداد الصدامات بين المتظاهرين ورجال الشرطة.

ومن المتوقع أن تشهد العاصمة بغداد التصعيد نفسه، خاصة مع مراوحة حزم الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي في الأيام الماضية، التي كان أبرزها إلغاء مناصب نواب رئيسي مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية الذين جاءت بهم المحاصصة الطائفية والحزبية وتقليل أعداد المستشارين للمناصب العليا وتخفيض أعداد افواج الحمايات للوزراء والنواب وتقليص والوزارات من 33 إلى 22 وزارة ترشيدًا للاستهلاك والإنفاق الحكومي، لكن لم يلمس المتظاهرون أي انعكاس حقيقي لهذه الإصلاحات التي يرون فيها حبرًا على الورق فقط، فمازال من ألغيت مناصبهم يتقاضون رواتبهم العالية، وقطاع الكهرباء لم يزل مترديًا، مع بقاء وزير الكهرباء في منصبه، رغم اتهامات المتظاهرين له ولسابقيه بالفساد.

تناقض مع الواقع
متابعون يرون صعوبة كبيرة وضغوط يتعرّض لها رئيس الوزراء حيدر العبادي في تحقيق حزم إصلاحاته التي أعلن عنها، وتلك التي سيعلنها بسبب رفض وزراء كانوا مرشحين للإقالة، ترك مناصبهم ويهددون باللجوء إلى أحزابهم التي لديها ميليشيات مسلحة في خلق الفوضى في الشارع العراقي، إضافة إلى ضغوط من حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، خاصة بعد إلغائه مناصب نواب الجمهورية، الذي كان يشغل أحدها رئيس حزبه نوري المالكي، مما تسبب بتأزم كبير داخل الحزب، قد يترك يجبر العبادي على تجميد عضويته في الحزب، مادام رئيسًا للوزراء، خاصة بعد تصريحه يوم أمس الأحد بأن على السياسي التخلي عن حزبه إذا شغل منصبًا حكوميًا.

مع تفاؤل عدد كبير بتمكن التظاهرات من تجاوز عقدة الطائفية التي يخوض في بركها العراقيون، حيث يشارك فيها الجميع من دون معرفة طائفة أو قومية دين من يتظاهر رافعين شعار محاربة الفساد والدعوة إلى الدولة المدنية، لكن هناك من يشكك في أن تكون هذه التظاهرات صحوة لنبذ الطائفية؛ فالكاتب محمد الدعمي يرى أن المتظاهرين المطالبين بإقالة الفاسدين، ومعظمهم من الأحزاب الدينية، ويهتفون ضدهم اليوم بشعار "باسم الدين سرقونا الحرامية" ينطوي على تناقض "فإذا كان هؤلاء قد سرقوكم وباسم الدين، لماذا إذًا، تم انتخابهم ثانية، وثالثة، وربما رابعة، قريبًا؟. وإذا كان هؤلاء المنتخبون هم سبب البلوى، نظرًا إلى استغفال الجمهور بالشعارات واللافتات الدينية المزيفة، فلماذا لم تستأنس كتل المحتجين بالحديث النبوي الشريف: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، وقد لدغ هؤلاء المؤمنون من الجحر عينه عددًا من المرات، وأظنهم سيلدغون مرات أخرى، إن لم يواجهوا فلا جدوى مما يفعلون، من دون واقعية وحسم حقيقي يضع الأمور على نصابها الصحيح، خاصة وأن ثلث مساحة العراق يقبع اليوم تحت سيطرة ما تسمى بـ"الدولة الإسلامية"، مع شديد الأسف.

الحل في التنفيذ
لكن الكاتب سلام خماط يبدو متفائلاً بحذر قائلًا: "إذا أردنا أن نحافظ على النظام الديمقراطي فعلى المسؤولين في الدولة العراقية أن يفوا بوعودهم للمواطن العراقي، وعلى المسؤول أن يبدأ بنفسه وحزبه قبل أن يبدأ بالآخرين، فعلى المسؤول أن ينتقل من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ، لاسيما أن معظم وعود المسؤولين التي سبقت التظاهرات إنما كانت حبرًا على ورق لكونها وعودًا غير محكومة بسقف زمني، لهذا لا تعتبر الوعود هي الحل، بل التنفيذ هو الحل".

أما قراء "إيلاف" فكان عدد المتشائمين أكبر من المتفائلين فقد وجد 60% (1018) من القراء أن العراق لا يعيش اليوم صحوة لنبذ الطائفية، ويخالفهم 40% (688) يؤكدون أن هذه التظاهرات مظهر لنبذ الطائفية التي أغرقت البلاد في الحرب الأهلية، ومكنت تنظيم داعش الإرهابي من احتلال نحو ثلث أراضي البلاد. وقد شارك بالإجابة عن سؤال استفتاء الأسبوع الماضي 1706 قارئ.
&