الاسكندرية: رغم توقيفهما من قبل قوات حرس الحدود المصرية وبقائهما 12 يومًا محتجزين في الأسكندرية، لم يتنازل محمد وشقيقته سعاد عن حلمهما بمغادرة مصر للوصول الى اوروبا عن طريق البحر ايًا كانت المخاطر.
سعاد، وهذا هو الاسم المستعار الذي اشترطت استخدامه، لكي تستطيع التحدث لوكالة فرانس برس، فتاة في الثامنة عشر من عمرها، تقيم منذ العام 2012 مع اسرتها في الاسكندرية. وتروي الفتاة التي كانت تتشح بالسواد كيف اصابتها "حالة رعب عندما تم توقيفنا، اذ اطلقوا اعيرة نارية، واصيب مصري"، ولكنها تضيف "بعد ذلك شعرت بانني اكثر قوة".
وكانت سعاد وشقيقها الاصغر محمد، الذي بلغ بالكاد السابعة عشر من عمره، ضمن مجموعة من 26 لاجئا تم توقيفهم في مطلع اب/اغسطس الماضي على شاطئ بلدة رشيد (شمال). وكانوا متجهين الى ايطاليا، المحطة الاولى لرحلة كانوا يأملون ان تنتهي في المانيا. وجرى احتجاز سعاد وشقيقها 12 يومًا في خيم منصوبة في باحة قسم شرطة في الاسكندرية قبل اخلاء سبيلهما.
تصر سعاد، التي لا تفارق الابتسامة وجهها، على اعادة المحاولة، وكذلك محمد، الذي يقول "هناك سأحظى بمعاملة انسانية، وساتمكن من استكمال الدراسة". وكان والدهما سدد 4 الاف دولار كتكلفة لهذه الرحلة، التي لم تتم ذلك ان وصول الفتاة والصبي الى المانيا، كان من شأنه ان يمكنه هو وامه الى جانب طفليه الاخرين من الاستفادة من لم الشمل واللحاق بهما.
ويقول ابو محمد في حجرة الاستقبال في منزله قليل الاثاث في حي رشدي في الاسكندرية ان الوصول الى اوروبا "الان اسهل مما سيكون عليه الوضع في المستقبل"، مشيرا خصوصا الى السور الذي تبنيه المجر على حدودها لوقف الهجرة غير الشرعية. وبالنسبة الى ابو محمد المتحدر من ريف دمشق، تعد المانيا الوجهة المثالية في الوقت الذي تتوقع فيه برلين وصول مليون مهاجر للحصول على حق اللجوء في العام 2015 وحده.
ويؤكد ابو محمد ان المهرّبين في مصر، سواء كانوا مصريين او سوريين، "معروفون لدى كل اللاجئين، فنحن نتبادل ارقام هواتفهم. يمكن ان تجدهم ايضا في المقهى". ومنذ كانون الثاني/يناير، عبر اكثر من 430 الف مهاجر ولاجئ البحر المتوسط، متجهين الى اوروبا، وقد فارق& 2750 منهم الحياة، او فقدوا اثناء الرحلة. وتعد مصر احد ابواب الهجرة الى اوروبا، بحسب محمد الكاشف الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية واحدة من ابرز المنظمات الحقوقية المحلية.
وسجل 130 الف لاجئ سورى انفسهم في مصر لدى مفوضية الامم المنحدة للاجئين، غير ان الحكومة تقول ان عدد اللاجئين السوريين غير المسجلين رسميا ربما يصل الى مئات الالاف. ويقول الكاشف "السوري في مصر يحاول ان يعمل كي يحصل على اكبر قدر من المال.. كي يهاجر الى اوروبا".& وفي مركز احتجاز تابع للشرطة في الاسكندرية، مازال 56 مهاجرا من سوريا والصومال والسودان محتجزين، رغم مرور عشرة ايام على توقيفهم.
يقول ابو عدي، وهو سوري في الخامسة والثلاثين، جاء مع اصدقاء له لجلب دجاج مشوي ومياه للمحتجزين، "كانوا يريدون الذهاب الى ايطاليا، وتم توقيفهم في رشيد في الباص الذي كان يفترض ان يقلهم الى المركب". ووضعت النساء المحتجزات، وكلهن محجبات، في باحة مغطاة ملاصقة لمركز الشرطة. وكانت جميعهن يفترشن الارض وبعضهن حوامل او يصطحبن اطفال في سن صغيرة.
وعلى بعد بضعة امتار من هذه الباحة توجد دورات مياه بدائية يتطلب الوصول اليها عبور كتلة من الوحل. وظلت صناديق تحوي وجبات غذائية ارسلتها منظمات غير حكومية دولية مغلقة من دون ان يمسها احد، اذ يؤكد اللاجئون انهم بدأوا اضرابًا عن الطعام احتجاجا على سوء نوعية هذه الوجبات. اما الرجال فتم احتجازهم في الطبقة الاخيرة من بناية تحت الانشاء مجاورة للقسم.
حاول ابو عدي نفسه القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر الى اوروبا في ايلول/سبتمبر 2013، وتم توقيفه من قبل حرس الحدود، واحتجازه 98 يوما. ومنذ ذلك الوقت قرر الرجل وهو اب لخمسة اطفال البقاء في الاسكندرية، حيث يقوم باعمال صغيرة عدة. ويؤكد ابو عدي انه "في العام 2013 كان اكبر مركب يقل 70 شخصا. اما الان فاصغر مركب يقل 400 او 500 شخص".
احمد، لاجئ سوري اخر في السابعة والثلاثين يريد عبور المتوسط، اذ لم يعد قادرا على سداد ايجار الشقة التي يقيم فيها في حي شعبي يعيش فيه الكثير من اللاجئين، ويفضل المخاطرة بحياته "والموت على ان يرى ابناءه الثلاثة في الشارع بلا مأوى". ويقول باحباط "هنا بلا مال لا استطيع ان اضمن لهم تعليما جيدا"، ويأمل ان يتمكن من الذهاب الى السويد، حيث يقيم اقارب له، يمكنه التقدم بطلب للم شمل الاسرة. الا انه لا يملك 2500 دولار لدفعها الى منظمي الرحلات غير الشرعية الى اوروبا.
ولذلك فهو يعتزم ان يؤمّن للمهرب الذي سيتولى ترتيب رحلته، 10 مهاجرين يمكنهم سداد ثمن السفر، وفي المقابل يحصل هو على مكان مجاني وهو امر رائج في اوساط& اللاجئين السوريين.
وفي انتظار عبور المتوسط اضطر احمد لبيع مصوغات زوجته ليتمكن من سداد الايجار الشهري الذي تبلغ قيمته قرابة 150 دولار. في بانياس، بلدته في سوريا، كان احمد يمتلك شركة تصدر الخضر الى تركيا ودول الخليج. وتقول خالته بأسى "اننا في سوريا نعيش في قصور"، وتتابع رافعة يديها الى السماء "اقسم بالله في قصور".
&
التعليقات