يكشف الباحث العراقي هشام الهاشمي المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة عن تفاصيل الحرب التي تخوضها القوات الامنية العراقية ضد تنظيم داعش، ويقول لـ"إيلاف" إنّ هذا التنظيم تمكّن من اختراق الاجهزة الأمنية العراقية.


عبد الجبار العتابي من بغداد: قال الخبير المتخصص في شؤون الحركات والجماعات المتطرّفة هشام الهاشمي إن شبكات تنظيم داعش تمكنت من اختراق الاجهزة الامنية والاستخبارات العراقية.

وأضاف، خلال حوار مع "إيلاف"، أن تحرير العراق من داعش عسكريا ممكن خلال سنة واحدة مع توفر جملة شروط منها إرادة صادقة من الحكومة العراقية بتسليح وتدريب واحتواء العرب السنة وإسنادهم بالقوات النظامية وبإشراف التحالف الدولي.

وأوضح أنّ قيادة العمليات المشتركة عجزت عن تجاوز فخ الاستنزاف بسبب تكتيك داعش باستعمال العمليات الانتحارية والخلايا النائمة والسيطرة على طرق الإمدادات، وأشار الى ان الإعلام المحلي أحد اسباب التراجع الذي حصل في بعض المناطق المحررة.

ويعدّ هشام الهاشمي أبرز الخبراء العراقيين في بنية وتحركات التنظيمات الارهابية وخاصة تنظيم داعش، حيث أمضى وقتاً قريباً من قادة هذه التنظيمات في السجن قبل تحررها من سطوتها من خلال مراجعات فكرية قام بها نتج منها عدة مقالات جمعها في كتاب (عالم داعش) وهو اليوم باحث في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية وفي مركز أكد للدراسات والابحاث الاستراتيجية، وهو مستشار أمني لمرصد الحريات الصحافية العراقي. ويواظب على تقديم النصائح الامنية والعسكرية عبر صفحته على فايسبوك

وإلى نص الحوار كاملا:

القوات الأجنبية

الحشد الشعبي جدد رفضه دخول قوات اميركية او اجنبية (عربية) العراق لمحاربة داعش. هل ترى امكانية ان ينتصر الجيش العراقي والحشد الشعبي على داعش دون مشاركة قوات اجنبية اكثر خبرة وتسليحا؟

القوات العراقية ومن يساندها اكثر تفوقا على داعش من حيث العدة والعدد، لكن أين الخلل؟

القوات العراقية تقاتل بطريقة الحرب المباشرة وهي حرب كلاسيكية تجعل الجيوش تعتمد على المعدات الثقيلة والحركات البطيئة، ولكن داعش تخوض حرب الإنهاك والمراوغة التي لم تدرب عليها غالبية القوات العراقية.

المهم عند القوات العراقية تحرير المدن ومركزها والمباني الحكومية، تدمير جنود داعش من غير اعتبار للكلفة العسكرية والاقتصادية والحرب الإعلامية، داعش يعتمد على الاعلام ليهزم جيشًا أو يهزم مدينة فأهم شيء عنده هزيمة معنويات القادة، وليست العبرة عند هذا التنظيم كم قتل من الجنود ولا كم دمر من المباني؛ ولكن هل استطاع أن يهزم معنويات القائد؟ وهذا ما تعمل عليه داعش وانصارها في الإعلام هزيمة القادة معنويا بتشويه السمعة والتخوين ويساعدهم في ذلك الإعلام المتخادم مع وجودهم في المنطقة.

الأصل في حرب المُدن هي القوة الحاضنة؛ والقوات العراقية ليس لها قوة حاضنة على أرض الواقع فليست متفاعلة معها وليست مؤثرة بها والثقة معدومة بينهما، وكلام الحكومة العراقية مجرد وعود، ولكن عندما يكون عندك قوة حاضنة مثل داعش يصبح كلامك له وزن بحسب قوتك وبحسب خوف العدو من استخدامك لهذه القوة.

الثقة بالحاضنة هي من تصنع النصر في حرب المُدن، ففهمك للحاضنة وفهمك للمسائل التي تكسب الناس والأمور التي فعلًا هي حاصلة، وليست القضية (بروبجاندا) أنك تكذب على الناس بالوعود، بل على الحكومة أن تعطيهم ثقة، وتعطيهم فرصة لتحرير مدنهم!!

أميركا لا تزج بقواتها إلى الخطوط الأمامية في الحرب، والأعداد الموجودة في عين الأسد والحبانية رمزية!

تكتيك داعش

اذا كانت اعداد تنظيم داعش قليلة مقارنة بعديد الجيش والحشد الشعبي، فما هي التكتيكات التي يستخدمها داعش في صموده؟

قيادة العمليات المشتركة ومن في معيتهم اتخذوا كل الإجراءات اللازمة لإنجاح التحرير وأهمها الاختفاء الإعلامي ومحاكاة أساليب داعش القتالية، لكنهم عجزوا عن تجاوز فخ الاستنزاف بسبب تكتيك داعش باستعمال العمليات الانتحارية والخلايا النائمة والسيطرة على طرق الامدادات. وإن ما دفع داعش إلى التقدم مجدداً في مناطق متعددة هو فشل القوات المشتركة في السيطرة على طرق الامدادات وإكمال تطهير الاحياء المحررة.

ولولا قوات مكافحة الإرهاب ومددها وخبراتها العسكرية العالية لسقطت مناطق جديدة بيد داعش بشكل كامل. وأن القوات المشتركة وقعت بخطأ بالغ حين لم يجهزوا على داعش في كل محافظة صلاح الدين وتركوا داعش تعيد قواتها ونفسها في الصينية والزاب والحويجة والشرقاط، وذهبوا الى الأنبار على عجل ودونما تنسيق أو تخطيط.

والآن كيف نتعامل مع الواقع الراهن بكل تفصيلاته وتعقيداته من دون تنكّر لجهود التحالف الدولي ولا للتضحيات الكبيرة للقوات المشتركة، ومن دون التشكيك بمقاصد القادة هذا هو الإطار الذي ينبغي للدكتور العبادي، أن يعمل فيه دون إهمال بعض عناوين الحشد الشعبي وبدون تخوين مطلق للعشائر السنيّة.

وكلنا نعلم أن العبادي جاء إلى رئاسة الوزراء ولديه هدفان: الخروج من ورطة إرث المالكي، والتوازن في العلاقات الاقليمية والدولية، وهو يعيش الآن مرحلة الاقتراب من تحقيق تلك الأهداف.

هل هذا يعني ان معارك صلاح الدين غير واضحة او مكتملة ؟

نعم.. لم تكن معارك صلاح الدين بُعيد دخول القوات الإتحادية الى بيجي والسيطرة الكاملة على المصفى وحصار تكريت واضحة تماما لدى الكثير من القادة والمقاتلين على الأرض، وهذا الكلام من الواقع وليس رأيا، وبتتبع بسيط لاعلام قناة العراقية في تلك الفترة، يعطي إنطباعا واضحا حول التصور المتبني لديهم آنذاك ...فالدخول السلس لبعض الأحياء، والسرعة القياسية في السيطرة على بيجي، جعل بشائر النصر تزف سريعا لكل مريد لها، لكن تبين خلال الأسبوع الماضي أن الأمر ليس كذلك، وأن فرصة لمراجعة الحسابات الميدانية كانت قد فاتت القادة المتحمسين يومها زيادة عما يلزم.

القوات الإتحادية في بيجي، ادمنت الحديث عن التحرير وتركت وسائل التطهير ومسك الأرض، وهذا حال القيادة العسكرية هناك تركت الاسباب الحقيقية وتوجهت للتحرير والمزيد من النصر!

لم نجد من المؤسسة العسكرية المصارحة والمكاشفة عن اسباب التراجع في جبهة صلاح الدين وخاصة الأحياء المهمة في بيجي والطريق العام، ولم نجد مناقشة للوضع اللوجستي للقوات هناك وأسباب محدودية ضربات التحالف الدولي واسباب التراجع في مسك الأرض والانجازات!

دور الإعلام

هل تنظر الى دور سلبي للاعلام ؟

الإعلام الوطني أحد اسباب التراجع وأظن أن هناك الكثير ممن تكلم عن عدم كفاءة إعلام الوطن، نحن بحاجة لاعلام الوطن في حربنا مع داعش وليس اعلاما مرتبطا بالسلطة!

وكذلك فمن أسباب التراجع أو التأخر في الإنجاز لدى القوات الإتحادية ومن يساندها، الإنغماس الزائد بالتسليح بالأسلحة الثقيلة والمدرعة بشتى انواعها مع ما يصاحبها من ناقلات وعجلات بطيئة الحركة، والإنشغال بإرسال سلسلة من الأرتال العسكرية المحكوم بحرقها مسبقا وخاصة الدروع، في مناطق لم تطهر من العبوات والكمائن، وكل ذلك لسنا بحاجة إليه في حرب الشوارع والمدن مع داعش.. هناك حاجة الى أسلحة متوسطة وقاذفات ومروحيات.

تغيير ديمغرافي

يجري الحديث، همسا، الان عن تغييرات ديموغرافية حسب الطائفة أي تبادل سكان؛ كأن ينتقل سكان تلعفر الى منطقة باغلبية شيعية تضم جيبا سنيا ينتقل سكانه تلعفر. هل تسريبات كهذه من داعش أم هي تكهنات اعلامية أم خارجية؟

عمليات تغيير ديموغرافي حصلت في شمال شرق المقدادية في ديالى وفي مناطق الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من نينوى تم تجريف قرى عربية سنية بحسب تقرير منظمات حقوقية وانسانية دولية، ولكن هذه تعتبر عمليات صغيرة جدا ليست بحجم نقل قضاء او مدينة من طيف معين من مكان الى اخر أو استبداله بنقيضه من الطائفة الاخرى.

لا تزال العمليات خفية وهي في الأطراف البعيدة عن رصد الاعلام والمختصين وخاصة للقرى التي تكون بمحاذاة طرق الحركات والتنقل العسكري والتجاري فقط.

الخلاص من داعش

أميركا تقول ان التخلص من داعش سيطول سنوات وكان وزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل قدر فترة التخلص من داعش بعشر سنوات. بحسب خبرتك كم عاما يستغرق التخلص من داعش من العراق على الاقل؟

يمكن تحرير العراق من داعش عسكريا خلال سنة اذا توفرت إرادة صادقة من الحكومة العراقية بتسليح وتدريب واحتواء العرب السنة وإسنادهم بالقوات النظامية وبإشراف التحالف الدولي، اما اذا بقيت الحكومة تماطل ولا تثق بالعرب السنة ولا تنجز لهم مشروع الحرس الوطني فان تحرير العراق عسكريا يحتاج لسنتين او ثلاث وتطهيره من مخلفات داعش يحتاج الى سنوات اخرى.

كيف يتعامل داعش مع سكان المناطق السنية، خاصة في الانبار ونينوى الذين يعيشون من أشهر تحت سيطرته؟ وهل تنتهي مرحلة التوحش بسقوط مدينة ما باكملها تحت سيطرة التنظيم كما حصل في الموصل والفلوجة ومناطق اخرى؟

داعش برزت كقوة على الأرض في نيسان/ ابريل ٢٠١٣، وكأحد الاشكال الجديدة للتنظيمات المسلحة التي تستخدم السلفية الجهادية منهاجا لها في تطبيقها على الأرض، لكنها في آب / اغسطس ٢٠١٤ فقدت القدرة على الاستقطاب والجاذبية التي تتأتى من الجاذبية الدينية أو السياسية أو القيم. وبالتالي اضطرت لاستخدام الإرهاب للتأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج المرجوة، فالإرهاب والتخويف لهما اهمية بالغة في العلاقات المجتمعية وفي المناطق التي تسيطر عليها داعش، حيث ان مكانة داعش وسمعتها ودورها الذي تلعبه يتوقف على مدى امتلاكها القوة واستخدامها لها لإرهاب الآخرين، داعش تلعب على التناقضات والخلافات في المجتمع، وتخدع بها شبابا يفتقر للعمق الفكري.

دور العشائر

الى ماذا سيؤدي ضعف الروابط بين الحكومة والعشائر في الأنبار برأيك ؟

سيؤدي تلقائيًا إلى اقتراب العشائر من طرف آخر، وهذا ما تريده أميركا بلا خجل، وما تبتز به الدول الإقليمية حكومة العبادي، وستواجه الحكومة مشكلة كبيرة جدًا في حال وصول فئة عشائرية غير مهتمة& بمعيّة من تكون لكي تعيش، وابتعاد الحكومة عن العشائر يعني تقرّب قوى أخرى وربما تكون داعش هي اختيار البعض.

هذه القضايا هي بكل تأكيد لا تصل إلى مستوى التدهور النهائي بين العشائر والحكومة، ولكنها ستؤثر في مشاعر العشائر الموالية للحكومة والتي تقاتل داعش منذ ثمانية عشر شهرا تجاه الحكومة التي خذلتها، وهناك مستفيد.

لكن هناك نازحون ومهجرون ساءت احوالهم ؟

خيبات الأمل التي أصيب بها أبناء المناطق المحتلة من داعش يجب ألاّ تحكم سلوكهم السياسي وتجعل منه سلوكًا سالبًا يرى النصف الفارغ من الكوب. ما يبعث القلق لدى النازح والمهجر هو ضياع حقوقهم وخصوصياتهم بين تعسف وعنجهية النخب السياسية والثقافية التي تتصدر العمل السياسي والاجتماعي، وبين من يستسلم بنوع من البراغماتية للواقع السياسي القائم، ويستجدي حقه من الآخرين، خاصة وأن واقعنا السياسي معقد وسيئ، ويزداد سوءًا يومًا بعد آخر، في ظل عجز القوى السياسية العراقية بمجملها، والتنظيمات التي تمثل هذا المجتمع على وجه التحديد. وهذا العجز ينسحب أيضًا على منظمات المجتمع المدني التي يفترض فيها أن تقوم بالتعبئة لصالح حقوق النازح والمهجر ومكافحة إرهاب داعش.

فروقات عقائدية

هناك من يقارن بين تنظيم القاعدة، جبهة النصرة على سبيل المثال، وداعش حيث يجري وصف النصرة- القاعدة بالاكثر رحمة من داعش؛ أليسا من رحم واحد يقدم القتل للمخالف؟

ليس هناك فروق عقائدية أو فقهية أو أخلاقية بين داعش وجبهة النصرة، هناك بعض التمايز في التطبيقات المنهجيّة، والتوقيتات في إنفاذ بعض الأفعال؛ فداعش ترى ضرورة اعلان الخلافة وتوحيد الرايات الجهادية تحت بيعة الخلافة وما يترتب على ذلك من مسك الأرض وقهر العدو بالسيف والبدء بالعدو القريب، وجبهة النصرة تجاه هذه النقاط تعترض على التوقيتات وليس على جوهر المسألة.

اختراق الأجهزة الأمنية

الى أي مدى تمكنت داعش من اختراق قوات الامن والجيش العراقي؟

ليست هناك الكثير من الادلة تثبت اختراق داعش الاجهزة المعلوماتية والأمنية والعسكرية العراقية، ولكن ثمة بعض الاعترافات عن اختراق داعش لبعض القيادات الوسطى والميدانية من خلال الرشوة وذلك بتقديم بعض الدعم اللوجستي لهم وتسريب بعض المعلومات مثل أوقات الهجوم وطرق الحركات وتزوير الوثائق الرسمية والقليل جداً ما يثبت الانضمام إلى داعش كتنظيم.

داعش في سوريا

يجري الحديث عن حل سياسي في سوريا لا يشترط رحيل الاسد، هل سيقوي أم يضعف داعش في العراق؟

ميدان العراق يحتاج الى ثلاث مراحل للتحرير العسكري؛ الاولى مرحلة صناعة الأطواق النظيفة لمحافظات الإقليم وكركوك وصلاح الدين وبغداد وديالى وبابل وكربلاء، وهذه المرحلة لم تكتمل منذ سنة، والمرحلة الثانية قتال داعش في عمقه الاستراتيجي نينوى والأنبار، وهذه المرحلة لم تبدأ الى الآن، والمرحلة الثالثة هي مرحلة مسك الحدود بين العراق وسورية، وبالتالي فان هزيمة داعش في سورية سوف تكون مهمة ونافعة للعراق في المرحلة الثالثة ام المرحلة الحالية فالعراق لن ينتفع كثيرا من هزيمته في سورية، كما لم ينتفع من هزيمته في كوباني والمنطقة الكردية السورية حيث في الفترة& نفسها استطاع داعش احتلال مناطق مهمة في الانبار.

الخليفة !

أين يتواجد أبو بكر البغدادي حسب متابعتك كخبير لهذا التنظيم؟

ولاية الفرات وولاية الجزيرة وهي ما تعرف بولاية الحدود سابقا بالنسبة لداعش هي بؤرة الثقل لأنها عقدة التواصل والمدد والمعسكرات والمخازن الأكثر أمناً، وخسارتها تعني حصار داعش في العراق وتحجيمها في سوريا.

من أجل ذلك تشير كل التقارير عن وجود البغدادي وقياداته هناك، وهم في قرى هذه المنطقة ذات المناخ المعتدل والجغرافية المتعددة والعشائر المبايعة لهم.

وكلما كان الضوء مسلّطاً على معارك نينوى والرقة والانبار والحسكة فإن ولاية الفرات سوف تبقى آمنة وهي الأشد، بعيدة عن الاستهداف.

*وهل تم اختراق التنظيم من قبل مخابرات دول غربية أو عربية؟

لا يخفى على المراقب لشأن شبكات داعش في العراق، ان الاجهزة الامنية العراقية والأجنبية، فشلت في السيطرة من الداخل على توجهات تلك الشبكات، فضلا عن اختراق هذه الشبكات، واصبح كالمسلّمة القول إن بعضا من شبكات داعش قد اخترق الأجهزة الامنية والاستخبارية!

ومن العجيب ان تعلن الأجهزة الامنية والاستخبارية العراقية وبمعدل أسبوعي، ومن خلال متحدثها الناطق الرسمي لها، عن اعتقال شبكة من مجاميع داعش ووضع اليد على ما بحيازتهم من اسلحة وعجلات واجهزة كمبيوتر واموال .. الخ، وعرض شيء من اعترافاتهم والكشف عن خططهم الإرهابية، المتعلقة بشنّ هجمات على شخصيات سياسية وامنية وإعلامية واقتصادية داخل العراق، ومعظم هذه الاعترافات سطحية وبعيدة عن الحقيقة.. ويمكن وصفها بالمسرحية والخيالية، وأكثر ما يدل على انها فارغة من محتواها الأمني.. ان القضاء ينهي رحلة تلك الممارسات الامنية والاستخبارية والتحقيقات القضائية بإعلان براءة المتهمين لعدم وجود صحة لاخبارات المخبر السري ولعدم كفاية الأدلة والقرائن، والقليل من تلك التحقيقات المختصة بمتابعة وتفكيك شبكات داعش، هي التي تقف على الحقيقة، وبياناتها وان كانت قليلة لكنها صواب، مثل ما تعلنه خلية الصقور الاستخبارية او ما تعلنه استخبارات الشرطة الاتحادية او ما تعلنه عمليات جهاز المخابرات العراقي.

وكيف ترى واقع شبكات داعش في اختراقاتها المحافظات العراقية؟

المراقب لشبكات داعش في العراق يجد ان& لها امتدادات وتواصلا مع جميع خلاياها في محافظات العراق، و يكاد يكون بشكل يومي في ولايات داعش الساخنة وخاصة الموصل وصلاح الدين وبغداد وديالى وكركوك وربما بشكل شهري في ولاية الجنوب التي تعتبر الأهم& في ولايات العراق، ولهذه الشبكات ارتباطات في سورية وبشكل يومي عبر بريد الولاية ومن ثم منسق الولايات وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر وبرسائل مشفرة وبحسابات مضللة لا تجلب الانتباه، وهي متصلة مع بعضها البعض أول بأول، والحقيقة ان هذه الشبكات تكون دائماً متقدمة بخطوات على الأجهزة الامنية العراقية، وهي صاحبة المبادرة.

لماذا؟

تعاني الأجهزة الاستخبارية من قلة العمليات الاستباقية ضد تلك الشبكات داخل العراق، دائما تكون الاجهزة الامنية العراقية بوضع الدفاع او الصدمة، وشبكات داعش هي صاحبة المبادرة والاستباق في إنجاز العمليات الإرهابية، قبل ان تتمكن هذه الأجهزة من توقع او استشراف ما هو التالي& لهذه المخططات التدميرية داخل العراق.

وأظن ان السبب الرئيس وراء ذلك التفوق الامني لداعش، هو ركون الأجهزة الامنية في العمل الى موازين وطرق كلاسيكية قديمة تسمح بكل بساطة لاختراقها من قبل شبكات داعش، ومحاكاة ردود أفعالها والتنبؤ بما تخطط له تلك الأجهزة. وفي الواقع ان هناك غفلة وجهلا لدى الأجهزة الامنية تجاه فهم ودراسة شبكات داعش وتطورها التقني والإعلامي، ونمو عقليتها الإرهابية وتعزيز قدراتهم الفنية بخبرات عسكرية من ضابط ومقاتلي الجيش والأجهزة الامنية السابقة.

عالم داعش

فككت تنظيم داعش وفضحت الاسماء والهيكل التنظيمي بشكل خطير في كتابك "عالم داعش"، هل تعرضت للتهديد من قبل التنظيم؟ ويأخذ عليك البعض أنك أهملت الجانب التأريخي في التوثيق وأن الكتاب يحتاج الى تنقيح ومراجعة ليكون أكثر رصانة خاصة لجهة التدقيق وتدوين التواريخ؟

من يخوض في مثل هذه الأبحاث والدراسات قطعا سوف يكون مستهدفا من داعش وأخواتها وأنصارهم، عشرات الرسائل التي تصل على البريد الخاص واُخرى على الماسنجر للفايسبوك وتويتر فيها شتائم وسوء خلق واُخرى فيها تهديد بالتصفية الجسدية.

كتاب (عالم داعش) هو سلسلة مقالات نشرت في صحيفة الصباح الجديد حيث تم جمعها ولم أراع فيه التدوين التاريخي الذي يعتمد على تسلسل الأحداث، وهناك طبعة ثانية له منقحة ومدققة.

كان المقصود من الكتاب هو جمع تلك المقالات المتناثرة والتي تضم قاعدة بيانات مهمة لكل مهتم بدراسة هذا التنظيم المتطرّف.

هل تعتقد ان مطالبة الجماهير بالاصلاحات لها تأثيرات سلبية ام ايجابية على المعركة ضد داعش؟

ملف الفساد الحكومي مهم جدا محاربته بالإصلاح لكنه ليس باهمية الحرب بالضد من داعش، وهما معقدان ومتداخلان يقوي بعضهما البعض بصورة طردية وعلاج ملف الفساد يحتاج نفس الحزم القانوني الذي تحارب به داعش، لكن هذا الملف يُتهم به قوة مسلحة نافذة ولها دور في قتال داعش وعمق كبير داخل الملف الحكومي العسكري والامني فبالتالي يجب الحذر والتدرج في علاجه حتى لا ينعكس بالسلب على ما بقي من الامن الداخلي.

تحديات أمام العبادي

كيف يمكن قراءة واقع الوضع السياسي العراقي الحالي ؟

لا يزال الوضع السياسي، ضبابيا في الأحداث، تسارع في التطورات، صراعات بين القوى الشيعية الكُبرى، وكل ما كانت ترغب فيه الجماهير منع الفساد وتحسين الخدمات وانقاذ ما بقي من العراق!

“جذر الأزمة” ان الدكتور العبادي لم يلتزم ببرنامجه الحكومي الذي أعلنه قبل سنة، ثم تريث كثيرا في تنفيذ خطة عمل لصد توغل الفاسدين داخل جسد الحكومة، وأهمل الدعم الذي قدمته له قوى المنطقة المؤثرة وأهمها إيران وتركيا والسعودية.

بعد هذه السنة، يئست القوى منه، وبدأت تبحث عن تغيير اللاعبين، وما زال القوس متأزماً، في السابق كان مصدر التأزيم في العراق هو الصراع السياسي القومي والطائفي، واليوم تحول الصراع الجيوسياسي شيعيا شيعيا، وكانت الأيدولوجية التي تغذي الصراعات هي الطائفية مقابل التعايش ووحدة العراق، وبالأخير انحسر مبدأ التعايش والعراق الواحد كما هو الحال في سورية.

أما مصدر التأزيم المرافق للتظاهرات فقد أريد له أن يكون صراعاً عِلمانياً دينياً. العراق& منذ عام ٢٠٠٥ ينهج كما ينهج لبنان؛ انتخابات ديمقراطية يتم استغلال الطوائف والقوميات والأقليات بها وكل من يمثله لا من كفاءته أو مؤهلاته أو خبرته السياسية إذا كان من خارج هذه الأسماء.

ما التحديات التي تواجه العبادي حاليا، وكيف يمكنه التغلب عليها ان شاء ذلك ؟

يواجه العبادي ثلاثة تحديات رئيسة ،أولها التأكيد على استقالته من حزبه السياسي في حادثة هي الأولى من نوعها اذا حدثت في تاريخ عراق ما بعد ٢٠٠٣. والتحدي الثاني هو تحديد تحالفات سياسية جديدة وقوية ضمن حدود خطاب المرجعية ومطالب الجماهير.والتحدي الثالث هو بناء مؤسسات الدولة بعيدا عن المحاصصة الحزبية والقومية والطائفية،ولكن هل يستطيع العبادي الذي يعيش داخل حكومة بيروقراطية صعبة مواكبة طموحات الجماهير ونصائح المرجعية مع ميله إلى البقاء داخل منظومته الحزبية في جميع إجراءاته الإصلاحية.

أضف إلى ذلك أنه في إمكان العبادي الفوز بثقة العرب السنة بتناول مسألة اجتثاث حزب البعث بموضوعية وقانون الحرس الوطني وقانون العفو.ومن أجل الفوز بثقة الأكراد، يمكن أن يقدم العبادي دعما لقضاياهم وتحت جناح الدستور، وهي تحديدا دور أكبر للمناطق والأقاليم في تنمية موارد النفط والغاز، وتوزيع أكثر عدلا لأرباح الطاقة، وسيادة على المناطق المتنازع عليها..وفي هذا الصدد من الممكن أن تحل النزاعات المزمنة والمزعزعة للاستقرار بين أربيل وبغداد حول عقود الطاقة ومخصصات الميزانية. ولازلنا نحلل الحدث بناء على حسن الظن بالقرارات التي اتخذها الدكتور العبادي.

ماتقييمك لسير الوضع العراقي؟

بالتأكيد ستسير الأمور لصالح من يدعمه المرشد الإيراني والأجنحة والفصائل المسلحة المرتبطة به في العراق. وإهمال العبادي هذا الإحتمال أفسد عليه الكثير من الحسابات، وعليه بدأ يتريث في تنفيذ بعض القرارات.

فقد كادت الأمور تسير لصالح العبادي لو أنه تحالف مع بعض القوى الفاعلة في الساحة العراقية ولتحقق هدفه بسرعة كبيرة، وتصريحات المالكي من طهران فيها رسالة واضحة لرفضه قرارات البرلمان والحكومة، والآن صار العبادي أمام خيار الإستجابة للمحور الإيراني في العراق أو الإستقالة لعدم القدرة على الاستمرار والمواجهة وربما الصدام الدموي وهذا بعيد.