ما استعرضته "ايهانغ" الصينية من سيارة طائرة لنقل الركاب في مركز المؤتمرات في لوس انجليس، لا يعدو كونه "درونة" كبيرة مسيرة عن بعد. لكن الإنسان يحلم منذ عقود بسيارة يقودها عموديًا بلا مراوح، وتتسع له ولعائلته.

ماجد الخطيب: في فيلم الخيال العلمي "العنصر السادس"، من إخراج لوك بيسون، يطير بائع السندويتش الياباني بسفينته الشراعية إلى الطابق الثلاثين كي يبيع "سوشي" لبطل الفيلم بروس ويليس. ثم يتورط الأخير، وهو في سيارة أجرة طائرة، في شوارع عمودية افتراضية، في مطاردة مذهلة مع سيارات الشرطة الطائرة. وواقع الحال أن البشر والعلم ينتظران سيارة نفاثة تشبه "نفاثة" بروس ويليس في الفيلم، وليس غير ذلك.

يرى الباحث الألماني هاينريش بولهوف، من معهد ماكس بلانك الألماني لعلوم الحركة والضغط في توبنغن(جنوب)، أن نماذج السيارات الطائرة التي انتجت حتى الآن، ونال بعضها إجازة في الولايات المتحدة، هي طائرات صغيرة وليست سيارات طائرة، مزودة بأجنحة قابلة للطي، أو هيليكوبترات بمراوح مصغرة، إلا انه لم يتم حتى الآن بناء سيارة طائرة حقيقية. فالسيارة الطائرة الحقيقية يجب أن تنطلق إلى السماء شاقوليًا من دون الحاجة إلى مدرج أو مسافة إحماء، وإن كانت مسافة صغيرة.

يؤيده في ذلك العالم الاميركي بول موللر، استاذ هندسة الايروداينميك، الذي تعدى السبعين الآن، ويعمل على مثل هذا المشروع منذ أكثر من ثلاثين عامًا. ويقول موللر إنه انفق 100 مليون دولار حتى الآن على بناء النماذج الأولى من السيارات الطائرة "سكاي كار"، وعلى رسم التصاميم المتقدمة لمثل هذه السيارة، إلا انه لم يوفق حتى الآن في رفع سيارته الطائرة شاقوليًا عن الأرض أكثر من 3 إلى 4 أمتار.

"ماي كوبتر" أول سيارة طائرة

الفرق بين الباحث الألماني بولهوف وزميله الاميركي موللر أن الأول لا يسعى لبناء السيارة الطائرة الأولى في العالم فحسب، وإنما إلى تهيئة كامل الشروط الزمكانية اللازمة لاستعمالها. بمعنى تقديم المقترحات حول شكل الشوارع "المعلقة"، ومسارات الطيران وأنظمة المرور....إلخ، لأن الهدف من مشروعه الأوروبي تمكين كل فرد في المجتمع من الطيران بسلامة، ومن دون أضرار على البيئة، في شوارع معلقة في كافة الاتجاهات أيضًا.

ماي كوبتر

&

وحلم إنتاج السيارة الطائرة الأولى يراود اليوم مشروعا أوروبيا يحمل اسم "ماي كوبتر" وخصص له الاتحاد الأوروبي مبلغ 4,3 ملايين يورو لإجراء البحوث اللازمة حول إنتاج الأنموذج الأول منها فقط. إلى جانب معهد ماكس بلانك الألماني، تشارك في المشروع جامعة ليفربول البريطانية، والجامعة البولتيكنيكية في لوزان، وجامعة زيروخ في سويسرا، ومركز الأبحاث الفضائية الألماني.

بدأ العامل في المشروع في عام 2012، ويفترض أن يقدم بولهوف وزملاؤه إلى المفوضية العلمية في الاتحاد الأوروبي نتائج أبحاثهم حول سيارة المستقبل الطائرة، وكافة ما يتصل بها من مواضيع أخرى مثل الشوارع والمحطات وأنظمة السلامة...إلخ في يوم ما من عام 2016. يقول بولهوف إن هناك العديد من النماذج الأولية الجديدة المقترحة، بيد أن ليس بينها ما يفي بالغرض كسيارة المستقبل. لهذا، البحث سيتركز في المشروع على إنتاج جهاز محاكاة كامل، هو الأنموذج الأول من سيارات المستقبل الطائرة، ويجرى تدريب المتطوعين عليه.

الهدف الاول من التجارب على "السيميولاتور" سيكون ضمان أن السيارة الطائرة سترتفع عموديًا إلى الهواء من دون الحاجة إلى مدرج. وسيتم على هذا الأساس تزويدها بقائد إلكتروني وملاح إلكتروني وأجهزة استشعار للبعد عن الأرض وعن الأبنية والأجسام الاخرى. ومن المهم هنا أن تكون قيادة "السيارة الطائرة" سهلة بمقدار سهولة قيادة السيارة التقليدية.

كما يعمل العلماء على رسم خرائط افتراضية للشوارع الشاقولية والمطارات وحركة السيارات وأنظمة المرور، وسيتم إدخال كل هذه المعلومات في جهاز المحاكاة بغية توفير كافة مستلزمات التجربة.

حلم آخر

يسعى بولوف وفريق عمله إلى إنتاح سيارة طائرة لا يحتاج الإنسان إلى استحصال إجازة من السلطات كي يقودها. يقول الباحث الألماني إن القليل من التمرين في البيت على "سيميولاتور"، مع الأب أو مع الأم سيكفي لتزويد الإبن بما يكفي من الخبرة لقيادة السيارة الطائرة بسرعة كبيرة وفي شوارع عمودية وأفقية.

لن تتعرض السيارة الطائرة إلى الحوادث بسهولة بحكم الفضاء الواسع للشوارع الهوائية قياسًا بشوارع المدن الضيقة. كما هي مزودة بنظام أمني كامل لتجنب الارتطام بالأبنية والحواجز والسيارات الاخرى، وتصميمها للتحرك في كافة الاتجاهات والزوايا لا تمكن مقارنته بتصميم الشوارع الأرضية، حيث تنحصر حركة السيارة بالاتجاهات الأربعة فقط تقريبًا.

هذا يعني أن السيارة الطائرة بسائق الكتروني وملاح إلكتروني وأجهزة استشعار أمنية تتيح للانسان قيادتها بسهولة وأمان. وعلى هذا الأساس، سينتزع الطيار الآلي المبادرة من يد الإنسان في حال حصول حادث استثنائي قد يعرض حياة البشر، وأمن الشوارع إلى الخطر. وسيزود العلماء السيارة الطائرة بمقود يتيح للإنسان التمتع يدويًا بقيادة السيارة الطائرة، لكنه لا يستجيب له عند حصول طارئ.

يبقى على الخبراء أيضا أن يتغلبوا على مشاكل ضجيج محركات السيارات الطائرة، إذ ينبغي أن تكون "هامسة" قياسًا بضجيج السيارات التقليدية وصوت احتكاك العجلات بالأرض. يضيف بولهوف: "حل مشاكل النقل والزحام وتلوث البيئة لا يتم ببناء المزيد من الشوارع، أو تحويل التنقل إلى سطوح الأبنية العالية، لأن عدد السيارات يزداد، وعدد الشوارع يزداد، وتتقلص معهما المساحات الخضراء في المدن وحولها. الحل هو سيارات طائرة، رئيفة بالبيئة، وسهلة القيادة تحت تصرف كل مواطن".

ويقع على المشروع الأوروبي التغلب على مشكلة السعر أيضًا. وكمثل فان بعض نماذج "السيارات الطائرة" (ذات الأجنحة القابلة للطي) في الولايات المتحدة تباع بسعر ربع مليون دولار بسبب إنتاجها الفردي. الانتاج بكميات كبيرة كفيل بخفض سعر السيارة الطائرة إلى 50-70 الف يورو في المرحلة الاولى، بحسب تقدير بولهوف.

"فولوكوبتر" لنقل البشر

لا يمكن التغافل عن التقنية المتقدمة التي حققتها الصين في إنتاج "ايهانغ 184"، لأنها تعمل بالطاقة الكهربائية، وذات مدى يبلغ ساعتين، وتصل حمولتها إلى 100 كلغ، وتستطيع التحليق 23 دقيقة فوق مستوى البحر. والسيارة الصينية الطائرة قادرة على قطع 300 - 500 متر، على ارتفاع أقصاه 3.5 كلم، وبسرعة قصوى تبلغ 100 كلم في الساعة.

ويمكن لسيارة طائرة مثل ايهانغ 184 أن تصبح "تاكسي المستقبل" في المدن الكبيرة، لكن مخترعين ألمانيين أنتجا في العام 2006 أنموذجًا أوليًا من طائرة هيليكوبتر مصغرة، تعمل بالكهرباء، وقادرة على نقل البشر من مكان إلى آخر، ومن دون طيار.

فولوكوبتر

&

ذكر المخترع البرليني توماس زينكل حينها أن طائرة "فولوكوبتر" ستثوِّر عالم النقل الجوي، ليس لأنها بيئية فقط، وإنما لأنها ستدخل الخدمة في المجال المدني أيضًا، وخصوصًا في نقل الجرحى، والمعزولين بسبب الحوادث في الجبال، وما إلى ذلك. ويضيف زينكل، وهو حلم يراوده، أن هذه الطائرة سهلة الاستعمال، ورخيصة، وهذا يعني أن بامكان كل انسان أن يقتنيها، وأن يستخدمها، ربما دون الحاجة إلى اجازة قيادة.

استمد زينكل، وشريكه شتيفان فولف، فكرة الهيليكوبتر المعدنية، من الطائرات الصغيرة، بدون طيار، التي تنقل المواد الصغيرة إلى مناطق اللاجئين، ومن الطائرات الإلكترونية، بدون طيار، المستخدمة في التجسس والعمليات العسكرية. ونال الاثنان دعمًا من وزارة العلوم الاتحادية مقداره 2 مليون يورو، وأعلنا عام 2015 عن أول موعد لإنتاج النموذج الأول، بالحجم الحقيقي، من الفولوكوبتر.

بهاتف ذكي

أما ما يجعل الفولوكوبتر تتفوق على الهيليكوبتر التقليدية الصغيرة فهي قضية استخدام الأخيرة للمراوح الأربع. يقول فولف إن أي عطل في مراوح الهيليكوبتر التقليدية يعني هبوطها الاضطراري أو سقوطها وتحطمها. في حين تستخدم الفولوكوبتر 18 مروحة مصغرة في دائرة، يمكن تحريك هذه المراوح بسرعات مختلفة بهدف التحكم في الدوران والالتفاف في المنعطفات. هذا يعني أن المراوح على اليمين تقلل سرعتها، بينما تزيد المراوح على اليسار سرعتها، عن الانعطاف نحو اليمين. ثم هذا العدد من المراوح يضمن تقدم الطائرة إلى الأمام بسرعة تصل إلى 100 كيلومتر في الساعة، وهي سرعة تفوق سرعة الهيليكوبترات التقليدية.

وبحسب اليكس زوسل، المسؤول عن التسويق في شركة "إي-فولو"، الشركة المنتجة، فإن أهم ما يؤهل الانسان لقيادة فولوكوبتر بنجاح هو نظامها الالكتروني، ونظام التحكم عن بعد، ونظام الحركة عن طريق الاقمار الصناعية؛ إذ يمكن الإنسان التحكم بالطائرة بواسطة الكومبيوتر، أو بواسطة "جوي ستيك" أو وببساطة بواسطة هاتف ذكي.

تتمتع الفولوكوبتر بميزة وزنها الخفيف والمتين، وسيعمل المخترعان على رفع وزنها إلى 450 كلغ كي تكتسب الكثير من الثبات والاستقرار عند الطيران ضد التيارات الهوائية.

لا يعمل فولف وزينكل بمفردهما على تحويل حلمهما الطائر إلى هيليكوتبر مصغرة طائرة. إذ يعمل الآن 60 تقنيًا وعالمًا على تطوير نظام مراوح الطائرة، والنظام الكومبيوتري والمحرك الكهربائي الصغير، إلى فريق من الطيارين والملاحين الجويين والعمال، يعملون بجد للانتهاء من الأنموذج الأول في أقل من سنتين.

إنتاج "ترانزيشن"

دخلت شركة "تيراجوتا" الاميركية مرحلة الإنتاج للسوق في العام 2009، وفتحت باب الحجز على سيارة "ترانزيشن" الطائرة بعد سنوات من العمل على تطوير الأنموذج الأولي منها. ونقلت المجلة الإلكترونية لمعهد الاختراعات الألماني أن السيارة الطائرة تتمتع بمواصفات مناسبة تتيح لصاحبها السفر بواسطتها على الشارع إلى المطار، أو إلى أي حقل قريب، والطيران بها باتجاه أي مدينة أخرى بسرعة قصوى تبلغ 130 ميلًا أو 208 كيلومترات في الساعة. فجناحاها قابلان للطي على الجانبين وعرضها لا يختلف عن عرض أي سيارة عادية (مع الجناحين المطويين).

ترانزيشن

&

وتكون السيارة الطائرة بنسختها الحالية مخصصة للطيران بين المدن التي تفصل بينها مسافات تتراوح بين 160 و800 كيلومتر.

وزودت شركة تيرافوجيا سيارتها الطائرة بمحرك سقّاطHecmotor& تتولى فيه مروحة سقّاطةHecrotator&رفع الطيارة عن الأرض. ويتسع مخزن الوقود فيها إلى 20 غالونًا أو 70 ليترًا. طول الجناحين 9 أمتار، طول السيارة الأقصى 5,6 أمتار، ارتفاعها متران، والعرض بعد طي الجناحين متران.

على من يرغب في اقتناء "ترانزيشن" أن يحول إلى الشركة مبلغ 7400 دولار، أي ما يعادل 5 في المئة من سعر السيارة الطائرة الذي يرتفع إلى 148 ألف دولار.
&