كما رقعة الشطرنج التي يبرع فيها الروس عالمياً، يحاول الرئيس الروسي بوتين نقل بيادقه بمهارة على الخارطة السورية في لعبة سياسية مع خصومه. فتخرج تصريحات دبلوماسية يراد منها جس نبض الخصوم أملا في مبادلة قد تكون سياسية أو حتى اقتصادية تخرج موسكو من دوامة الاختناق المالي.


الرياض: في الأمس، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى باقتراف رأس النظام السوري بشار الأسد أخطاء قد تكون "قاتلة"، مشيرا الى ان روسيا قد ستمنح الأخير حق اللجوء بحسب ما قال لصحيفة "بيلد" الألمانية. إلا أن بوتين قال في الشق الثاني من المقابلة مع الصحيفة الألمانية: "أعتقد أنه من السابق لأوانه بحث هذه المسألة".

وتابع: "منحنا اللجوء لسنودن، وكان الأمر أصعب من فرضية منحه للأسد"، في إشارة إلى إدوارد سنودن العميل الأميركي السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي الذي منح حق اللجوء في روسيا عام 2013.
وأضاف بوتين، بحسب الترجمة الروسية للمقابلة التي نشرها الكرملين: "أولاً يجب إعطاء الشعب السوري فرصة لتقرير مصيره بنفسه". وتابع: "أنا أؤكد لكم أنه إذا حصل هذا الأمر بطريقة ديمقراطية، قد لا يضطر للذهاب إلى أي مكان، سواء كان رئيساً أم لا".

وتسعى القوى الكبرى إلى تنظيم مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة في محاولة لإنهاء النزاع في سوريا، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 260 ألف شخص.وتنص خارطة الطريق التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي على إجراء محادثات بين مختلف أطراف النزاع في 25 يناير وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهراً.

ودافع بوتين الذي بدأت بلاده حملة ضربات جوية في سوريا في 30 سبتمبر دعماً للأسد، عن الرئيس السوري رغم أنه أقر بارتكابه "أخطاء عدة" منذ اندلاع النزاع في بلاده في 2011.ورأى بوتين أن العنف لم يكن ليتصاعد بهذه السرعة "لو لم يكن يغذى من الخارج منذ البداية - بكميات كبرى من المال والأسلحة والمقاتلين".

وخلص بوتين إلى القول: "نحن ندعم جيش الأسد والمعارضة المسلحة على حد سواء. وبعضهم أعلن عن ذلك وبعضهم يفضل أن يلزم الصمت، لكن العمل مستمر".

سيُشكر عليه بالتأكيد!
تصريحات بوتين قوبلت بتأييد كبير حتى من أشد المعارضين لرأس النظام السوري الأسد، منوهين إلى أن "سيناريو القتل وهروب السوريين إلى الدول الأخرى ما زال مستمراً، ولن ينتهى إلا إذا منحت روسيا الرئيس السوري بشارالأسد حق اللجوء، وضمنت له خروجاً إلى أراضيها".

وقال عدد منهم لـ"ايلاف": إن أقدمت روسيا على ذلك ستحل الأزمة السورية وسيشكر العالم بأسره "بوتين" على ذلك.إلا أن روسيا بعيدة عن مطالبة الأسد بالتنحي حاليا، خصوصا ان وضع القائد الروسي الذي يبرع في لعبة الشطرنج وضع نفسه في مركز أي جهود دولية لإنهاء الحرب الأهلية. وكان قد أنهى المطالب الغربية بالترحيل القسري لبشار الأسد. بعد أن نُفي من المجتمع الدبلوماسي المُهذب عقب غزو أوكرانيا، الشخصية المُتذمرة في الظل عادت فجأة إلى أعلى القائمة.

الاقتصاد الروسي سيكون في ورطة كبيرة حتى بدون العقوبات الأميركية والأوروبية، فالانخفاض في أسعار النفط والغاز كشف فشل بوتين في تحديث أو تنويع مصادر الإنتاج في البلاد. الاقتصاد يتقلّص ومستويات المعيشة تنخفض. هرب رأس المال يستنزف الاحتياطيات الأجنبية، والمستثمرون في الخارج يبقون بعيداً، وفي هذا السياق، يرى الكثير من المحللين ان تصريحات بوتين السياسية ستغطي على الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعيشه روسيا أملا في إعادة تحقيق تغيير ما سياسي مقابل انتعاش الاقتصاد الروسي على المدى القريب.