إيلاف من بيروت: ملأ منير أبو حيدر الدنيا هديرًا، لكنه رحل بصمت. إنه مؤسس شركة عبر المتوسط (TMA) أول شركة طيران عربية لنقل البضائع، ابن حمانا اللبنانية الذي آثر أن تكون مدينة ملبروك في نيويورك مثواه الأخير.
بهدوء، وعن عمر يناهز 87 عامًا، رحل منير أبو حيدر تاركاً وراءه حكاية صخب ملأ بها الأجواء العربية وقصة نجاح ضجّ بها ميدان الشحن الجوي، لكن القدر ما أراد لها أن تستمر طويلًا، حيث أنهاها الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حيث قصف مطار بيروت الدولي الذي أدى الى رزوح الشركة تحت ديون وصلت إلى 50 مليون دولار، فاضطر إلى بيعها بالكامل، بأصولها وموجوداتها بدولار واحد فقط لا غير.
تخرج أبو حيدر من الجامعة الأميركية في بيروت في عام 1948، واشتغل في بداية مسيرته المهنية في شركة "تابلاين" التي كانت تتولى تشغيل خط النفط من السعودية إلى الأردن فالجولان في سوريا والزهراني في لبنان، ثم في شركة أرامكو حيث ترقى سريعًا وأصبح مدير النقل فيها.
أدرك أبو حيدر سريعًا أن أرامكو تحتاج إلى استيراد المنتجات الطازجة وحتى الطبية بواسطة النقل الجوي اختصارًا للزمن، فقصد العاصمة البريطانية لندن، وأقنع السلطات البريطانية ببيعه طائرتين تجاريتين من طراز "يورك"، تستطيع كل منهما نقل 12 طنًا، وعاد الى السعودية عارضًا تسخير الطائرتين لتلبية حاجات أرامكو. فكان له ما أراد، وولدت "تي أم آي" لتساعد في ذلك. وتولى أبو حيدر مهمة تسليم المنتوجات الطازجة لمنسوبي أرامكو.
خط يلف العالم
كانت البداية متواضعة قليلًا، إلا أن أبو حيدر طوّر شركته لتكون إحدى أكبر شركات الشحن الجوي في الشرق الأوسط.&
وفي أوائل سبعينات القرن الماضي، اشترى طائرتين عملاقتين من طراز "بوينغ جمبو 747"، حمولة كل منهما توازي أربعة أضعاف حمولة طائرة "بوينغ 707"، وأضافهما إلى أسطول شركته من طائرات "بوينغ 707"، وفكّر في تشغيل خط يلف العالم ويساهم في نقل المنتجات الالكترونية من اليابان عبر انكو راج في آلاسكا الى أسوج وبريطانيا وفرنسا وسويسرا. وكان له أن حقق هذا الانجاز، في عام 1974، بلغ دخل شركته نحو 270 مليون دولار، منها 27 مليونًا أرباحًا.
في عام 1975، العام الذي وسمته بداية الحرب الأهلية اللبنانية، كانت "تي أم آي" إحدى أكبر شركات الشحن الجوي في العالم، تتعدد وجهاتها بين الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وتميزت بتنفيذها مهمات شحن استثنائية، كشحن أسد إلى حديقة حيوانات لندن، وأدوية لصالح المنظمة الدولية للصليب الأحمر وغيرها.&
سابق عصره
في لبنان، كانت "تي أم آي" ثاني أكبر مؤمن فرص عمل، إذ وصل عدد منسوبيها إلى نحو خمسة آلاف موظف، وكان أبو حيدر سابقًا عصره في كل خطوة، حتى في تعامله مع موظفيه، إذ كان أول من قدّم لهم التأمين الصحي الكامل، والإعانات المدرسية لأولادهم، كما كان حريصًا دائمًا على تمكين المرأة وتوظيفها في شركته، من خلال دورات تدريبية دائمة ومتخصصة.
واثناء الحرب الأهلية اللبنانية، حاول أبو حيدر أن يحافظ على شركته، لكن ذلك كان مستحيلًا. فباعها وانتقل إلى ميلبروك الأميركية.
وفي مقره الجديد، كان ناشطًا جدًا طوال ثلاثة عقود، من خلال مشاركته في الأنشطة الرياضية إذ كان يهوى الرماية وكرة المضرب والغولف والفروسية والتزلج والصيد، وكان له دور اجتماعي لافت في دعم المؤسسات الانسانية، وخصوصًا المدارس المحلية.
ومن آثاره الباقية مساهمته السخية في إنشاء معهد أبو حيدر لعلوم الأعصاب في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت.
التعليقات