حلب: تعمل قوات النظام وحلفاؤها على تضييق الخناق على شرق حلب عبر شن هجمات على محاور عدة لتقليص مساحة سيطرة الفصائل المعارضة، وتكرارها دعوة المقاتلين الى السماح بخروج المدنيين الراغبين في ذلك.

وفي انتقاد لادائه، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرورف مبعوث الامم المتحدة الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا بـ"تقويض" محادثات السلام حول سوريا، على خلفية عرضه اقتراحا رفضته دمشق الاحد يقضي باقامة "ادارة ذاتية" للفصائل المعارضة في شرق حلب بعد انسحاب المقاتلين الجهاديين منها.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس ان "قوات النظام وبدعم من حلفائها الروس والايرانيين وحزب الله اللبناني تخوض الثلاثاء معارك على جبهات عدة في حلب، خصوصا في حي مساكن هنانو الواقع شمال شرق المدينة".

واشار الى انها تقدمت ايضا داخل حي الشيخ سعيد في جنوب المدينة، مشيرا الى مقتل ثمانية مقاتلين معارضين على الاقل بينهم قيادي، نعته حركة احرار الشام في وقت لاحق معرفة عنه بـ"قائد قطاع مدينة حلب".

وقال عبد الرحمن الثلاثاء ان قوات النظام باتت تسيطر على ثلث حي مساكن هنانو حيث تدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

وادرجت صحيفة "الوطن" السورية القريبة من دمشق الثلاثاء تقدم الجيش في مساكن هنانو في اطار "عملية عسكرية ترمي إلى تضييق الخناق على المسلحين من الجهة الشرقية للمدينة".

وتمكنت قوات النظام ليل الاحد من اقتحام الحي الذي يحظى باهمية "رمزية" باعتباره اول حي سيطرت عليه الفصائل صيف العام 2012، في تقدم هو "الاول من نوعه لقوات النظام داخل الاحياء الشرقية منذ سيطرة الفصائل عليها" وفق المرصد.

فرار المدنيين

ودفعت المعارك من تبقى من سكان الحي الذين نزحت اعداد كبيرة منهم مع بداية النزاع في حلب، الى الفرار خوفا من اشتداد المواجهات. 

وقال عضو المجلس المحلي لمساكن هنانو ميلاد شهابي لفرانس برس ليلا إن "المدنيين بدأوا بالفرار من الحي هربا من الاشتباكات العنيفة" باتجاه الأحياء الجنوبية. وأضاف "نبحث لهم عن بيوت خالية ليبقوا فيها".

وتزامنت المعارك في مساكن هنانو مع قصف جوي ومدفعي على مواقع الفصائل وأحياء اخرى في شرق المدينة، وفق المرصد. 

وافاد المرصد بحالات اختناق اصيب بها العديد من المواطنين في حيي القاطرجي وضهرة عواد اثر قصف باربعة براميل متفجرة صدرت عنها روائح كريهة. ونقل عن مصادر طبية ترجيحها ان الاختناق ناتج من غاز الكلور.

وقتل منذ اسبوع 143 مدنيا على الاقل، بينهم 18 طفلا جراء قصف قوات النظام الذي استؤنف بعد فترة من الهدوء. وافاد المرصد ان 27 شخصا منهم قتلوا منذ الاثنين.

وترد الفصائل المعارضة باستهداف الاحياء الغربية بالقذائف التي اودت ب 16 مدنيا بينهم عشرة اطفال في الفترة نفسها.

وفي اطار ممارسة مزيد من الضغط على الفصائل، دعت قيادة الجيش السوري في بيان الثلاثاء المقاتلين الى السماح بخروج المدنيين والجرحى والمرضى الراغبين بذلك من الاحياء الشرقية، مطالبة بعدم اتخاذهم "كرهائن ودروع بشرية".

وطالبت الأهالي بـ"تجنب الخروج الى الشوارع الا عند الضرورة الملحة"، مؤكدة انها "تمتلك المعلومات الكاملة والدقيقة عن أماكن وجود المسلحين ومستودعاتهم ومقراتهم وترصد جميع تحركاتهم".

وتزامن بيان الجيش مع القاء المروحيات مناشير مذيلة بتوقيع "طريق الخلاص"، عليها صورة لحافلة ركاب خضراء، تستخدم عادة في اجلاء المقاتلين والمدنيين من المناطق المحاصرة، مع تعليق جاء فيه "الى من تورط بحمل السلاح يدنا ممدوة اليك احجز مكانك قبل فوات الاوان".

“تقويض" محادثات السلام 

ويثير التصعيد العسكري في حلب قلقا دوليا حيال مصير المدنيين المحاصرين في الاحياء الشرقية والبالغ عددهم اكثر من 250 الف شخص يعيشون ظروفا مأسوية، خصوصا بعد تعذر ادخال اي مساعدات اليهم منذ تموز/يوليو الماضي.

وحذر دي ميستورا الذي أجرى أخيرا محادثات في دمشق من "كارثة انسانية" في نهاية العام في شرق حلب بسبب "تكثف العمليات العسكرية". واقترح اقامة "ادارة ذاتية" لمقاتلي المعارضة فيها بعد انسحاب جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) منها.

وبعد رفض دمشق القاطع لهذا الاقتراح، اعتبر وزير الخارجية الروسي الثلاثاء ان "الامم المتحدة بشخص مبعوثها ستافان دي ميستورا تقوض منذ اكثر من ستة اشهر قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254 الذي يطلب تنظيم محادثات سلام شاملة بين الاطراف السورية بدون شروط مسبقة".

واضاف من مينسك "ليس على الارجح امام المعارضين الوطنيين والحكومة السورية من خيار سوى أخذ زمام المبادرة بانفسهم وتنظيم حوار سوري-سوري".

واستعادت قوات النظام المبادرة على جبهات واسعة في سوريا بينها حلب، بفضل الدعم الروسي الجوي الفعال الذي بدأ في سبتمبر 2015.

وأثنى الرئيس السوري بشار الاسد الثلاثاء خلال استقباله وفدا روسيا برئاسة نائب رئيس الحكومة ديمتري روغوزين، على "أهمية الدعم الروسي لسوريا في مختلف المجالات، خصوصاً في الجانب الاقتصادي لأنه ساهم بشكل ملموس في التخفيف من معاناة الشعب السوري بسبب الحرب الإرهابية التي يتعرّض لها والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ سنوات".

وتعد روسيا وكذلك ايران ابرز حليفين لدمشق، وتقدمان منذ بدء النزاع دعما دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا.

واعلن رئيس مؤسسة الشهداء وقدامى المحاربين في ايران محمد علي شهيدي محلاتي الثلاثاء ان "عدد شهداء بلادنا" الذين سقطوا في سوريا "تجاوز الف" مقاتل، بحسب ما نقلت عنه وكالة الانباء "تسنيم".

من جهة اخرى، اصدرت السلطات التركية الثلاثاء مذكرة توقيف بحق صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي، ممثل الاكراد الابرز في سوريا، للاشتباه بعلاقته باعتداء ارتكب في انقرة في فبراير الماضي، وفق ما اوردت وكالة انباء الاناضول الحكومية.

حوار مباشر مع داعمي النظام

من جهته أخرى دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الثلاثاء الى "حوار صريح ومباشر مع داعمي النظام" السوري، معتبرا انه لا يمكن لزوم الصمت حيال حصار شرق حلب.

وقال هولاند للصحافيين في حضور نظيره السلوفاكي اندريه كيسكا بعدما استقبله في الاليزيه "ينبغي عدم لزوم الصمت وفرنسا تدلي بمواقف وتحذر المجتمع الدولي وستواصل القيام بذلك".

واضاف "ولكن ينبغي ايضا اجراء حوار صريح ومباشر مع داعمي النظام لنتمكن من ايجاد حل سياسي" من دون ان يسمي روسيا.

واعتبر هولاند انه يجب "عدم الاعتقاد ان سحق المعارضين الذين ينبغي تمييزهم عن الارهابيين سيكون حلا لسوريا".

وقال ايضا "علينا ايضا ان ننظر مباشرة الى ما يحصل في سوريا، وخصوصا في الوقت الذي اتحدث فيه، هناك مليون شخص محاصرون في ظروف مريعة مع (تعرضهم) للقصف".

واكد ان فرنسا تتحمل "مسؤولياتها" في مكافحة الارهاب، وخصوصا في العراق.