التطورات الميدانية وشن القوات الكردية هجومًا على المناطق المحررة وسيطرتها على بلدات قريبة من الحدود، من أهمها تل رفعت ومطار منغ العسكري، في الأسابيع الماضية، فتحت الباب من جديد للحديث عن منطقة عازلة مزمع إنشاؤها من قبل أنقرة في شمال سوريا.

&
علي الإبراهيم: لم يكن الريف الشمالي لمدينة حلب سابقًا بحيرة سلام. فقد كانت محاولات تنظيم داعش ومن قبله قوات الأسد تسمّم أيامه. وكانت تقصفها أيضًا بالغارات الجوية. لكن رغم ذلك بقي ريف حلب الشمالي من أكثر المناطق التي كلفت داعش والأسد خسارة في العدة والعتاد، لكنها اليوم باتت تحت نيران القوات الكردية التي اعتبرها قادة ميدانيون في الجيش الحر ضربة في ظهر الثورة السورية، حيث تشن تلك القوات هجومًا على المناطق المحررة في محاولة للسيطرة على بلدات ومدن، دفع أهلها عشرات الآلاف من القتلى لتحريرها.
&
سيناريو محتمل
اليوم أخذت تداعيات تلك المنطقة أبعادًا جديدة مع تسارع المعارك على الأرض، ووصول الخطر إلى العاصمة التركية بعد تفجير استهدف مقار ورتلًا عسكريًا في العاصمة التركية منذ أيام، حيث نقلت تقارير صحافية معلومات تفيد باتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا على إنشاء منطقة عند الحدود السورية، وذلك كخيار مثالي بالنسبة إلى أمن تركيا ولدعم مقاتلي المعارضة المسلحة.
&
بدوره توعد رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو بعمليات عسكرية مشددة، بعدما تم تحديد المسؤول عن تفجيرات العاصمة التركية أنقرة يوم أول من&أمس والتي راح ضحيتها أكثر من 28 شخصًا مدنيًا وعسكريًا، بحسب إحصائيات حكومية.
&
وكشف أوغلو أن منفذ التفجيرات سوري الجنسية، واسمه صالح نجار، من مواليد مدينة عامودا في محافظة الحسكة، ويتبع لميليشيات وحدات الحماية الكردية. وأضاف قائلًا: "أؤكد أنه بعد تحديد المسؤوليات سنحدد الوقت والظروف التي سنبدأ بها عملياتنا العسكرية المشددة الجديدة، وسنحتفظ بالوقت من دون الإعلان عنه".
&
واعتبر الصحافي أيمن سلامة المهتم بالشأن التركي أن مقترح المنطقة العازلة "أصبح اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى في ظل الانتهاكات المستمرة لنظام الأسد وروسيا وقصفها للمناطق القريبة من الشريط الحدودي، إضافة إلى المناطق المحررة، أضف إلى ذلك توسع الميليشيات الكردية الإرهابية".&
&
وأكد سلامة بالقول: "السيناريوهات كثيرة، لكن التحرك سيكون مرتبطًا بردود الفعل والمواقف الإقليمية والدولية. أنقرة تريدها عملية تتم بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي، الذي تنتمي إليه، لكن العقبة هي أميركية، لأن واشنطن لها حساباتها التي هي مختلفة كما يبدو. حسابات تضعها أنقرة أمام أعينها: رد فعل الشارع الكردي في تركيا حيال تحرك من هذا النوع، وطبيعة العملية ومداها ومدتها عسكريًا وسياسيًا، ومدى استعداد المعارضة السورية المعتدلة لأن تكون قوة أساسية في حسم الموقف العسكري لمصلحتها بعد انتهاء المهمة التي تضعها تركيا لنفسها هناك" كما يقول.
&
وكانت أبرز الفصائل السورية، أدانت التفجيرات التي وقعت في العاصمة التركية أنقرة، وأودت بحياة عشرات الأشخاص. جاء ذلك في بيان تلقت "إيلاف" نسخة عنه قالت فيه: "تلقينا ببالغ الأسى والحزن نبأ التفجيرات الإرهابية التي ضربت مدينة أنقرة"، مؤكدين وقوفهم مع الشعب التركي ضد "الإرهاب" الذي يستهدفه. وأضاف البيان: "وإننا إذ ندين هذا التفجير الإرهابي، فإننا نعلن دعمنا لتركيا في اتخاذ الإجراء المناسب للرد على الإرهاب، والمتمثل في نظام الأسد وأذرعه pkk، pyd في أي مكان".
&
أبرز الفصائل الموقِّعة على البيان: جيش الإسلام، الجبهة الشامية، جيش النصر، جيش اليرموك، الفرقة الأولى والثانية الساحلية، كتائب الصفوة الإسلامية، جيش الشام، حركة نور الدين الزنكي، وغيرها.
&&
إقامة كيان كردي
منذ أسابيع شاعت تكهنات بشأن عملية برية تركية ـ سعودية محتملة في شمال سوريا، بعد تصريحات متزامنة من مسؤولي البلدين، بمن فيهم شاويش أوغلو نفسه، عن نيتهما التوغل بقوات برية لمحاربة داعش، إضافة إلى الأخبار التي تواترت عن وصول طائرات سعودية إلى قاعدة إنجرليك الجوية قرب مدينة أضنة. في ما بعد اتضح أن الأمر كله يتعلق بمناقشات تمت بين البلدين لمحاربة تنظيم داعش.&
&
لكن التطورات الجديدة، وبالتحديد على جبهات الريف الشمالي لمدينة حلب، حيث تقدمت قوات وحدات حماية الشعب الكردي وجيش الثوار المتحالفان في إطار ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، بغطاء جوي روسي كثيف، لقضم المزيد من المواقع على حساب الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا.
&
بحيث باتت تلك الفصائل بين فكي كماشة قوات النظام من الجنوب، وقوات سوريا الديمقراطية من الغرب والشمال، في حين تحتل داعش الأراضي الواقعة شرقًا من مدينة الباب وصولًا إلى حدود مارع.
&
وقال القائد الميداني في غرفة عمليات جيش الفتح-حلب يوسف أحمد إن المعارك التي تشنها القوات الكردية هدفها خدمة النظام وداعش للسيطرة على المناطق المحررة وقطع طرق الإمداد عن الثوار بتغطية جوية روسية ما بات واضحًا للجميع، لكن الأيام المقبلة ستشهد تطورات لمصلحة الثوار" على حد تعبيره.
&
تلك المعطيات بالنسبة إلى تركيا، تجعلها مهتمة بالقضية السورية لاعتبارات عدة، أهمها وأخطرها في الوقت الحالي هو المشروع السياسي الكردي على حدودها الجنوبية؛ حيث تحاول قوات حماية الشعب - تحت لافتة قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل هي معظمها - ربط المناطق التي تسيطر عليها في الشرق، مركزها عين العرب - كوباني بتلك الموجودة في الغرب، مركزها عفرين، ثم مد هذا الممر حتى البحر المتوسط، ليكون نواة لدولة كردية في الشمال السوري، وهذا هو المشروع الذي تعمل عليه روسيا حاليًّا دعمًا وتسليحًا، لمعاقبة تركيا وتحجيم دورها، من خلال عزلها عن المعارضة في حلب وريفها بالقوات الكردية، وبضوء أخضر أميركي يعلو وينخفض تكتيكيًّا حسب الظروف، لكنه ثابت ومستمر في إطاره العام.
&
هذه الوقائع أكدها القائد العسكري في ريف حلب الشمالي محمد عزيزي في تصريح لـ"إيلاف"، إذ قال إن الميليشيات الكردية اليوم باحتلالها مناطق جديدة هدفها إقامة كيان كردي، تحاول قطع خطوط الإمداد عن الثوار ومحاصرة حلب، لكن تركيا لن تسمح بذلك، وأعتقد أن التصريحات السابقة ستتحول لوقائع في الأيام المقبلة" على حد تعبيره.
&
ضغط النازحين
وتزايدت أعداد النازحين السوريين من قرى وبلدات ريف حلب الشمالي بسبب الغارات الروسية المكثفة وتقدم قوات النظام والميليشيات الأجنبية والوحدات الكردية لتبلغ سبعين ألف شخص، وينتظر هؤلاء، وغالبيتهم من النساء والأطفال، في العراء والبرد من أجل دخول تركيا.
&
وبحسب المصادر الرسمية التركية، فإن عدد الموجودين في معبر باب السلامة الحدودي يتجاوز عشرين ألف شخص، وفي منطقة إكدة على الحدود السورية التركية هناك نحو ثلاثين ألف نازح. أما في محافظة هاتاي التركية قبالة محافظة إدلب السورية فدخل أكثر من 12 ألف سوري من منطقة خربة الجوز في ريف إدلب، وأقامت السلطات التركية لهم مخيمًا جديدًا في بلدة جواتشي، يتسع لثمانية آلاف شخص، وهو ما يمكن أن يدفع بأنقرة إلى التحرك نحو إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا لتخفيف الضغط عنها.
&

&