بعد خمسة أعوام على الربيع العربي، لا بد من الاعتراف بأن التحول الديمقراطي، الذي أحيت آماله الثورات العربية، متعثر، أو حتى متعسّر، بينما تهدّد العسكرة بالعودة إلى البلاط من الباب العريض... وليست مصر إلا نموذجًا.
&
القاهرة: مرت مصر بتجربة ديمقراطية بعد ثورة 25 يناير، أوصلت الإخوان المسلمين إلى السلطة، لكن سوء إدارتهم البلاد أعادها إلى قبضة العسكر، ورغم خروج الشعب بالملايين لانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا عقب ثورة 30 يونيو وسقوط الإخوان، على أمل عبور البلاد نحو بناء الدولة الثانية، فإن ذلك لم يحدث، ما ولّد شعورًا عامًا لدى الشعب بأن الفوارق بين صورة مصر ما قبل 25 يناير ومصر ما بعد 3 يوليو لم تتغير كثيرًا، خصوصًا في ملف الحريات والتحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية ومكافحة الفساد.
فشل ذريع
يقول الدكتور عبد السلام النويري، أستاذ العلوم السياسية، لـ "إيلاف" إن هناك مكاسب ونجاحات واكبت ثورة 25 يناير المجيدة، أبرزها كسر حاجز الخوف لدى الشعب بإسقاط نظام مبارك والإخوان، ومحاربة الفساد وتكريس سيادة القانون، "كما يحسب لثورة 25 يناير دخول مصر مرحلة جديدة من العمل السياسي، أتاحت مساحة واسعة من الحرية والممارسة الديمقراطية الحقيقية للأحزاب للتعبير عن نفسها بحرية كاملة، وأثبت الشعب المصري عبر جميع &المراحل الانتخابية، الرئاسية أو البرلمانية، أنه قادر على المضي قدمًا في بناء دولة ديمقراطية حقيقية، تعلو فيها كلمة القانون، فللمرة الأولى نجد إقبالًا غير مسبوق على التصويت في الانتخابات، بمعدلات قياسية لم تعرف مصر مثيلًا لها في تاريخها السياسي الحديث".
&
عن أبرز سلبيات ثورة 25 يناير، قال النويري: "إن الثورة فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافها المعلنة (عيش - حرية - كرامة إنسانية)، بل فشلت في إبقاء الوضع الاقتصادي والأمني والمعيشي على ما كان عليه، وكانت سببًا في رغبة الجميع في الاستحواذ على كل شيء؛ لذلك انتشرت ثقافة التخوين بعد الثورة مباشرة، ودخل المال السياسي في اللعبة السياسية المصرية للمرة الأولى منذ ثورة 23 يوليو".
&
أضاف: "السلبية الأبرز تتمثل في فشل الشعب في تحويل الثورة إلى دولة، ورغبة البعض في هدم المؤسسات من دون أن تكون له رؤية لبنائها وإصلاحها، فقد وقعت مصر بعد الثورة بين سندان الثوار ومطرقة المجلس العسكري، ثم بين سندان الإخوان ومطرقة القوى السياسية، ثم بين سندان الإخوان ومطرقة الجيش، وكل فريق يرى أنه الأجدر والأفضل للقيادة.. ويريد أن يسوق مصر كلها إلى فصيلته دون الآخرين" .
&
حجة غير مقنعة
في السياق عينه، قال الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ"إيلاف"، إنه حتى الآن لا فوارق واضحة بين ما قبل وما بعد ثورة 25 يناير، "فما زالت سياسات مبارك ومرسي سائدة، وهناك أزمات اقتصادية واجتماعية خارقة تمر بها البلاد، فشبكات المصالح التي نمت في عهد مبارك ما زالت موجودة، والشخصيات التي تدير الدولة الآن تؤمن بضرورة استمرار نهج الأنظمة السابقة، والفكر الذي يدير البلاد حاليًا تسبب في أزمات طاحنة لا يمكن أن تحل، على رأسها معاناة الاقتصاد المصري من أزمات متلاحقة في ظل انخفاض الاستثمارات الأجنبية وضعف الإقبال على السياحة".
&
ولفت عبد المجيد إلى أن الثورة لم تفلح في القضاء على الفساد الذي استشرى في عهد مبارك، إضافة إلى أن شعارات 25 ما زالت تنتظر تحقيقها. وأشار إلى "أن هناك أخطارًا واضحةً كفيلة بأن تجعل الثورة تعود إلى الخلف، بل والوطن أيضًا، ولعل أبرزها عودة رموز الفساد الذين يرون أن الفرصة سانحة للعودة إلى الساحة بأموالهم ونفوذهم، وظهرت قوتهم الحقيقية في الانتخابات البرلمانية الماضية، وهؤلاء يزيدون من أعداء الثورة خصوصًا بين القوى الثورية التي ثارت ضد الفساد في عهد مبارك، وهم يسعون إلى إعادة مصر إلى ما قبل 25 يناير، ومن المخاطر أيضًا القبضة الأمنية الشديدة التي تمارسها الداخلية على الشعب مثلما حدث في عهد مبارك، والشعب لن يقبل باستمرار هذا الوضع، فحجة التخويف من الإرهاب لم تعد مقنعة".
&
عدنا&الى البداية
ويرى الدكتور محمد حمزة، عضو ائتلاف ثورة يناير، أن الثورة لم تحقق الأهداف المنشودة كما كان يأمل الشعب المصري، فالإيجابيات محدودة للغاية لعل أبرزها دستور 2014 الذي أسس دولةً مدنيةً حقيقيةً، "كذلك القضاء على جماعة الإخوان وكل تيارات الإسلام السياسي، الذي كان يلقى ظهيرًا شعبيًا قبل ثورة 25 يناير، ومن ضمن إيجابيات الثورة نجاح السياسة الخارجية لمصر، وبناء علاقات دولية قائمة على التوازن والندية بعيدًا عن التابعية للولايات المتحدة الأميركية التي كانت موجودة في عهد مبارك".
&
وقال حمزة لـ"إيلاف": "نجمت عن الثورة جملة سلبيات أدت إلى حالة من الارتباك السياسي والاقتصادي، إذ أسفرت عن انتشار الفوضى وأعمال البلطجة على نطاق واسع، وهو ما كانت له عواقب اقتصادية حادة نتج منها عجز في الموازنة العامة للدولة وتراجع عناصر الدخل القومي، حيث أدى الانفلات الأمني إلى انخفاض عائد السياحة، فضلًا عن إحجام الاستثمارات المباشرة الجديدة عن التدفق على مصر، وخروج الأموال الأجنبية التي كانت تستثمر في البورصة، وهو ما أدى إلى حدوث ضعف مباشر في الاستثمارات، وتآكل الاحتياطي الأجنبي وصعود أزمة نقص الدولار حاليًا".
&
ونبه حمزة إلى فشل كل المراحل الانتقالية من بداية الثورة حتى الآن، نتيجة عدم اتخاذ السلطة الحاكمة قرارات ثورية فورية، وإصرار الرئيس على اتباع سياسات الأنظمة الحاكمة السابقة نفسها التي قامت عليها الثورة، "فعلى الرغم من انتخاب السيسي بغالبية ساحقة، فإنه لم يتخذ قرارات تحقق التقدم في ملف العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد، وعاد التضييق على الحريات ووسائل الإعلام المختلفة من جديد، بل أصبح أسوأ مما كان في عهد مبارك، كما عادت الشرطة إلى سابق عهدها بالتضييق الأمني على الشعب وانتشار الاعتقال العشوائي".
&
التعليقات