جوناثان ماركوس مراسل دبلوماسي رغم الأزمة الكبيرة التي تعاني منها العلاقات الدبلوماسية التركية الأمريكية إلا أنها تبقى ذات أهمية مصيرية لكلا البلدين. ومن النادر أن تصل علاقات الولايات المتحدة إلى هذا المستوى من السوء مع أحد الحلفاء الرئيسيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مثلما هو الحال الآن بين واشنطن وأنقرة. وربما سيكون أمرا سطحيا إذا وصفنا أن "الحد من الأضرار" سيكون أحد الأهداف الأساسية لزيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الولايات المتحدة الأسبوع الجاري. لقد أصبح جليا بشكل متزايد انطباع كلا الرئيسين، الأمريكي باراك أوباما والتركي أردوغان، عن بعضهما البعض. ولخص الصحفي الأمريكي جيفري غولدبرغ رؤية أوباما لأردوغان بمصطلح "أحبط التوقعات"، وذلك في دراسته عن السياسة الخارجية للرئيس أوباما، من خلال عدة لقاءات مع الرئيس الأمريكي، ونشرتها مجلة أتلانتك. وأوضح غولدبرغ أن أوباما اعتبر أردوغان في البداية "رئيسا معتدلا يمكن أن يشكل جسرا بين الشرق والغرب"، لكنه الآن "فشل واستبد بالحكم، ويرفض استخدام جيشه الضخم لتحقيق الاستقرار في سوريا." وأيا كانت أفكار أوباما عن نظيره التركي التي لا يكشف عنها علنا، فقد أعلن أردوغان عن أفكاره بصورة علنية. ومجرد مثال على هذا، ما حدث مطلع الشهر الحالي من إدانة أردوغان لدعم إدارة أوباما للمقاتلين الأكراد في سوريا، وإصراره على أن عجز واشنطن عن فهم طبيعة الأكراد الحقيقية حولت المنطقة إلى "بحر من الدماء". هناك اختلافات عديدة بين واشنطن وأنقرة، ليس أقلها ما عكس خيبة الأمل الأمريكية من إنحراف الأوضاع الداخلية بتركيا مؤخرا. ولكن هناك أيضا الأزمة السورية، وبصورة خاصة دور المليشيات الكردية في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم داعش، وهو الأمر الذي بلور التوتر التركي الأمريكي. ويعكس عدم الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة حول سوريا اختلافات جوهرية في الاستراتيجيات والأهداف، بداية من دعم تركيا لجماعات مسلحة متمردة تحارب نظام بشار الأسد. وفي الواقع أصبحت إزاحة الأسد عن الحكم ضرورة استراتيجية للحكومة التركية، التي ترى أنها السبيل الوحيد لجلب الاستقرار لسوريا مرة أخرى. وتضررت تركيا بشكل مباشر من الأزمة، ليس فقط من خلال انتشار الإرهاب عبر حدودها، ولكنها أيضا مضطرة للتعامل مع موجة ضخمة من اللاجئين السوريين. وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت الأتراك لدعم إنشاء "منطقة آمنة" داخل الأراضي السورية، على أن تتولى القوات الجوية الأمريكية وحلفاؤها حمايتها بالإضافة لوجود قوات برية أيضا،وهي الفكرة التي تعارضها بقوة إدارة الرئيس أوباما. ولا ترتبط الولايات المتحدة بأي علاقة مع الرئيس الأسد لكن تركيزها ينصب على شيء أخر، قتال تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق. وفي الوقت الذي لا توجد فيه أية ترتيبات تمثل بديلا واضحا لنظام الحكم في سوريا، تبقى العراق أولوية للولايات المتحدة، بينما ساعدت الجماعات المتمردة المسلحة في سوريا ولكن جهودها لم تصنع فارقا كبيرا. وتمثل تركيا أهمية استراتيجية كبيرة لحملة واشنطن ضد تنظيم الدولة، نظرا لحدودها الطويلة الممتدة مع كل من سوريا والعراق. وضغطت الولايات المتحدة من أجل استخدام القواعد الجوية التركية، رغم أن الأتراك ظلوا مترددين في الموافقة على هذا لفترة طويلة. وعندما وافقوا مؤخرا على الطلب الأمريكي بدا الأمر للكثير من المراقبين كنوع من المقايضة، مقابل أن تغض الولايات المتحدة الطرف عن الضربات التركية على مواقع الأكراد. وتمثل محاربة الأكراد أولوية بالنسبة لأنقرة أكثر من محاربة تنظيم الدولة. ويعد المقاتلون الأكراد من أنجح القوات التي تقاتل تنظيم الدولة على الأرض. وتلقى الأكراد دعما ماديا هاما من واشنطن. وأثار هذا الأمر غضب تركيا، التي تخوض قتالا بالفعل ضد المتمردين الأكراد داخل الأراضي التركية، لأنها تخشى أن نجاح الأكراد ربما يشجع التطلعات القومية الكردية للانفصال وإعلان دولة. إذا فإن أنقرة وواشنطن حليفتان، ولكنهما في الوقت ذاته على خلاف بشأن سوريا. ومما لا شك فيه أن التدخل العسكري الروسي إلى جانب الرئيس بشار الأسد أضاف تعقيدا جديدا للمشهد. وكان هناك ردود فعل متباينة من جانب دول الناتو بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية اخترقت مجالها الجوي لفترة قصيرة، لكنهم أعلنوا دعمهم لتركيا. لكن في الغرف المغلقة أعرب العديد من تلك الدول عن قلقها لما اعتبروه سلوكا متهورا من جانب أنقرة. ونشرت الولايات طائراتها لتقوم بدوريات في المجال الجوي التركي لفترة قصيرة، لكنها سحبتها سريعا. وتمثل الاختلافات الاستراتيجية التركية الأمريكية حول سوريا شيئا واحدا، لكنهما بحاجة لإيجاد أرض مشتركة للتحرك قدما في الحملة. وقد يشجع التهديد الإرهابي المتنامي من تنظيم الدولة أنقرة على انتهاج بعض المرونة في التعامل مع الموقف. تركيا قد ترغب بشدة في تقليص المكاسب الكردية في سوريا لكنها تريد أشياء أخرى أيضا. فالموقف التركي ليس بالضرورة قويا كما يبدو عليه، فلا يوجد لديها الكثير من الأصدقاء والحلفاء في المنطقة حاليا. وانتهت إلى غير رجعة الأيام التي أعلن فيها رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، عندما كان وزيرا للخارجية أن سياسة تركيا الخارجية الجديدة هي "لا مشاكل" مع أي من جيرانها. الآن تعاني تركيا من مشكلات على جميع حدودها. فسياسة "العثمنة الجديدة" التي تنتهجها أنقرة، في محاولة لتأكيد دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، ربما تأخذ مجراها. فالأزمة السورية عززت مخاوف تركيا من فكرة حكم ذاتي للأقلية الكردية، مما دفعها لتجديد حملتها ضد المليشيات الكردية في داخل تركيا، وهي الآن تواجه تهديدا إرهابيا من تنظيم الدولة، وتعاني من الفوضى على حدودها مع العراق وسوريا. كما أن علاقتها مع واشنطن لم تعد سهلة، وعلاقتها بموسكو باتت مرعبة، كما أن هناك خلافات بينها وبين إسرائيل والتي تمثل لاعب رئيسي في المنطقة حاليا، بعد أن كانا مقربان للغاية. تحتاج تركيا لإعادة صياغة سياساتها الخارجية، وواشنطن يمكن أن تساعدها في هذا. لكن فيما يتعلق بسوريا ستظل خلافاتهما الأساسية قائمة، لذلك من الصعب رؤية كيف يمكن إنجاز أي تسوية.الأزمة السورية
أهمية استراتيجية
إعادة صياغة سياستها
- آخر تحديث :
التعليقات