"الكذب" هو القاسم المشترك بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، هذا ما خلص إليه الكاتب الأميركي في مقالته، مشيرًا إلى مجموعة كبيرة من التناقضات التي تعزز هذه الفرضية، لا سيما في مقاربة العديد من الملفات الداخلية والخارجية.

إعداد عبد الإله مجيد: قارب الكاتب الأميركي إيفلين فاركاس أوجه الشبه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، معتبرًا أن الكذب هو ما يجمع الخطاب السياسي للرجلين، لا سيّما تجاه عدد كبير من المفات الداخلية والخارجية.&

فاركاس أشار إلى أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يؤكد باستمرار خلال حملته الانتخابية انه إذا وصل الى البيت الأبيض سيعيد الولايات المتحدة الى أمجادها السابقة ويجعلها "عظيمة" من جديد، فيما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يعيد روسيا الى يوم كانت قوة كبرى ويجعلها "عظيمة" من جديد.

واعتبر في المقابل، أن الروس يتخذون موقف اللامبالاة أو الانكار من حقيقة الوضع القائم، بحيث أن بوتين، وبدلا من النظام الذي وعدهم به في عام 2000، جلب لهم الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنديد الدولي والعقوبات والعزلة الدبلوماسية الى حد ما، وان استعراض عضلاته جيوسياسيًا بالتدخل في سوريا لم يغير من هذا الواقع شيئًا. &&

تصريحات متناقضة

واستشهد بما يقوله الصحافي الروسي بيتر بوميرانتسيف في كتابه "لا شيء صحيح وكل شيء ممكن"، معتبرًا أن الاعلام في روسيا يقدم مشهدًا مسليًا للجمهور وينقل رسائل من الكرملين تتغير حسب الجمهور والوقت، فهي رسائل محافظة/دينية تارة، وقومية اثنية تارة اخرى، وتحديثية ليبرالية تارة ثالثة، "كأنك تُشجَّع على امتلاك هوية في لحظة، وامتلاك هوية نقيضة لها في اللحظة التالية"، بحسب تعبير بوميرانتسيف.

كما ويعتبر أن هذا كله يخدم غرض بوتين في فرض الحقيقة التي يحلو له ان يفرضها، وتلاحظ مجلة بوليتيكو الاميركية ان بوتين اطلق خلال العامين الماضيين وحدهما سيلًا من التصريحات المناقضة للحقيقة، بحيث يمكن ان ينافس بها ترامب، مشيرة الى ان بوتين اصر على ان القوات التي اجتاحت شبه جزيرة القرم وضمتها الى روسيا في آذار (مارس) عام 2014 كانت "ميليشيا محلية". ولكنه اعترف في الشهر التالي بأن قوات روسية غزت القرم، وفي حزيران (يونيو) من ذلك العام، صرّح بوتين بأن روسيا لم تتدخل عسكريا في اوكرانيا، ولكنه في كانون الأول (ديسمبر) اعترف بوجود عسكريين روس هناك، وفي ايلول (سبتمبر) 2015 اعلن بوتين ارسال قوات الى سوريا لمقاتلة تنظيم داعش، ولكنه ركز بدلا من ذلك على انقاذ بشار الأسد، وحين اعلن انسحاب قواته قال إن روسيا حققت اهدافها من التدخل، رغم ان داعش تلقى نصيبًا ضئيلا من الضربات الجوية الروسية، ولا&يزال تهديده قائمًا. &

باطلة ولا مسؤولة

وعلى الجبهة الداخلية، سلطت صحيفة ميدوزا بطبعتها الالكترونية الضوء على ما قالت انها ست اكذوبات اطلقها بوتين خلال مؤتمره الصحافي اواخر 2015، حول مواضيع داخلية مختلفة من رسوم الطريق على السيارات والشاحنات الى تبني الأجانب للأطفال الروس.&

وقال بوميرانتسيف: "إن هذه ليست حرب معلومات بل حرب على المعلومات"، مضيفا ان الروس "عاجلا أم&آجلا سيكفون عن محاولة ان يفهموا ما يجري أو حتى ان يكلفوا أنفسهم الاستماع". ويوضح هذا الرأي الخطر الأعمق الذي يشكله ترامب على الديمقراطية في اميركا اليوم، بحسب مجلة بوليتيكو. &فان ترامب، بطريقته الخاصة، يريد تحويل الولايات المتحدة الى مجتمع مماثل لروسيا بوتين اليوم، وهو يطلق ادعاءات كاذبة ويتمادى فيها حين يواجه من يطعن بها، ولا يكترث بافلام الفيديو أو غيرها من الادلة الوثائقية التي تثبت خطأ ما يقوله. ولا يزال ترامب يكرر ان اميركا "تخسر" وانه يستطيع ان يجعلها "تربح" ، دون سند يؤكد خسارتها أو ربحها الآتي. في حين ان وسائل الاعلام تتحداه على ما يقوله فانها تغطي كل ما يقوله تغطية تصل الى حد الاشباع ولا يبدو انها قادرة على مواكبة الهذر الذي يتفوه به.

وهكذا يعمل كذب ترامب، كما في روسيا، على اشاعة لامبالاة بالحقيقة وتغذيتها، وقد شهد الاسبوع الماضي وحده تصريحات باطلة ولا مسؤولة اطلقها ترامب عن اتفاقيات جنيف وحظر الانتشار النووي وحلف الأطلسي ومساهمة حلفاء اميركا الآسيويين في الأمن، وفي فترة اقرب اعلن ان الاقتصاد الاميركي سائر نحو "ركود هائل جدًا"، على حد وصف الكاتب.

ويضيف الكاتب، أنه وبرغم محاولات الصحافيين التوثق من الحقائق وتحدي ترامب بشأنها، فإنهم على ما يبدو لا يستطيعون مواجهة "اسلحة الإنكار الشامل" للحقيقة التي يستخدمها ترامب على نطاق واسع. فهناك الكثير من الأكاذيب التي يتعين تفنيدها بحيث تبدو المهمة متعذرة، وسواء أكانت اقوال ترامب مقصودة أو غير مقصودة، فإن كذبه لا يُفضَح بدرجة كافية. وكما في حالة بوتين في روسيا، فإن أباطيل ترامب الكثيرة تشيع اللامبالاة بالحقيقة في اميركا وتغذيتها.&

عظمة روسيا

كما ويعتبر أنه في حالة بوتين، فإن اللامبالاة بالحقيقة اتاحت له الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها وادارة روسيا كدولة رأسمالية اوتوقراطية على طريقة المافيا وانتهاج سياسة خارجية امبريالية جديدة وتمكين اصدقائه من جمع ثروات طائلة يمكن ان يجني منها فوائد تحت العباءة.&

ويشير إلى تهليل الكرملين لتدخلات روسيا العسكرية الأخيرة في &اوكرانيا وسوريا (لا يأتي ذكر تدخلاتها في جورجيا ومولدوفا وارمينيا وطاجكستان وغيرها إلا قليلا) على انه دليل يؤكد ان روسيا عادت عظيمة مرة اخرى. ففي عام 2010 اعلن الكرملين رصد 700 مليار دولار لتحديث القوات المسلحة الروسية على امتداد عشر سنوات، وقد استُثنيت الميزانية العسكرية من اجراءات التقشف وشد الأحزمة، على حد تعبيره. &

ولكن "عظمة" روسيا تتراجع كل عام، بحسب الكاتب، مشيرًا إلى توقع صندوق النقد الدولي ان ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 1 في المئة أخرى عام 2016، بعد انكماشه بنسبة 3.7 في المئة العام الماضي. ويزيد معدل التضخم على 6 في المئة المعلنة رسميًا، فيما هبطت قيمة الروبل بحدة مقابل الدولار. وحرمت العقوبات بنوك روسيا من المال، كما لا يزال الاقتصاد الروسي احاديا يعتمد على قطاع الطاقة دون تنوع في مصادر الدخل. &

كما وأشار إلى فشل الحكومة في تشجيع التجديد أو حتى البناء على الانجازات العلمية السوفياتية، ونتيجة لذلك وجه هبوط اسعار النفط ضربة ساحقة للميزانية الروسية، كما وفشلت في الحد من المستويات العالية للادمان على الكحول والمخدرات ومرض الأيدز، فيما اتهم بوتين الغرب وعقوباته بالمسؤولية، وليس سياساته الفاشلة، وحجبه الحقيقة عن الشعب الروسي.&

أفكار هزيلة

في المقابل، أكد أن ترامب يشجع اللامبالاة بالحقيقة ويوظفها في خدمة الخوف والكراهية وخليط من الافكار الهزيلة في مجال السياسة الخارجية والداخلية، بما في ذلك التنكر لحلفاء اميركا في اوروبا وآسيا، مفككًا عشرات السنين من العلاقات التجارية الحرة، ويحاول ترامب اجبار المكسيك على تغطية تكاليف بناء نسخة اميركية من جدار برلين ستكون على الأرجح عديمة الجدوى.

وتقول مجلة بوليتيكو إن الولايات المتحدة شجعت النقاش والسجال من خلال الاعلام المستقل وسعت الى توظيف الحقيقة بأفضل صورها في خدمة الديمقراطية، وان هذا البحث عن الحقيقة من خلال الاعلام وهوليود والتلفزيون والمثقفين هو ما جعل اميركا عظيمة، وهو الطريقة الوحيدة لإبقائها عظيمة. &فكيف إذًا "ننحدر الى وضع نكون فيه أشبه بروسيا في عهد بوتين؟". &