فيما وصف بأنه تصعيد للخلافات بين الأزهر ووزارة الأوقاف في مصر، قررت هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بالإجماع، رفض خطبة الجمعة المكتوبة التي بدأت وزارة الأوقاف تطبيقها في المساجد، في اطار خطتها لتطوير الخطاب الديني، بينما اعتبر الأزهر أنها "تجميد للخطاب".

إيلاف من القاهرة: رفضت هيئة كبار العلماء في الأزهر، بالاجماع، قرار وزير الأوقاف مختار جمعة، تطبيق خطبة الجمعة المكتوبة في مختلف مساجد مصر، وعقدت الهيئة، وهي أرفع جهة علمية في مصر تختص بشؤون الإسلام، اجتماعاً لبحث الخطبة المكتوبة، لاسيما بعد أن أثارت جدلاً واسعاً.

وقالت الهيئة التي يترأسها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، في بيان، إن "الأئمة يحتاجون إلى تدريبٍ جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات؛ حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذَّة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتَّكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها؛ مما سيُؤدِّي بعد فترةٍ ليست كبيرة إلى تسطيح فكرِه وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتَّخذ الدِّين سِتارًا لها".

وثمنت الهيئة "الدور الذي يقوم به الأزهر في العمل على تعميق الثقافة الفكرية الإسلامية لدى وعَّاظه، وذلك بعقد دورات دورية مستمرة ومكثفة في كافة المجالات الشرعية، وإمداد الوعاظ بمجموعات كبيرة من الكتب التي تعمق ثقافتهم وتوسع مداركهم"، على حد تعبيرها.

وأشادت الهيئة بالدور الذي يقوم به مركز الرصد العالمي بالأزهر، ووافقت على تبعيته العلمية لهيئة كبار العلماء، وذلك دعمًا له وتفعيلًا لدوره في رصد وتفنيد كل ما يتعلق بالأفكار المغلوطة والفتاوى الشاذة بكافة اللغات الحية في العالم، وإعداد ردود شرعية مناسبة لها باللغات التي كتبت ونُشِرت بها تلك الأفكار".

خلافات حادة

&وقرر وزير الأوقاف مختار جمعة، تطبيق الخطبة المكتوبة على المساجد، غير أن نسبة 40% فقط من الأئمة والخطباء هم من التزموا بها فقط، حسب إحصائيات الوزارة.

وأثار القرار الكثير من الخلاف مع الأزهر وعلمائه، وشهد الاجتماع المغلق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة وزير الأوقاف، خلافات حادة بين العلماء والوزير، واتهمه بعض العلماء بالإساءة للإسلام، وتجميد الخطاب الديني وليس تطويره.

وزارة الأوقاف المصرية ملزمة بتنفيذ قرار هيئة كبار العلماء بالأزهر بوقف الخطبة المكتوبة، لاسيما أن الدستور يضع الأزهر على رأس المؤسسة الدينية، ويعتبره الجهة الوحيدة المخولة بعملية تطوير الخطاب الديني، والبت في أي مسألة تخص الإسلام.

وقال وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، إن وزارة الأوقاف ملزمة بتنفيذ قرار هيئة كبار العلماء برفض الخطبة المكتوبة، وفقًا لنص الدستور المصري، الذي أعطى الحق للأزهر بإدارة شؤون الدعوة الإسلامية في مصر.

وأضاف لـ"إيلاف"، أن هيئة كبار العلماء ناقشت الخطبة المكتوبة من الناحية الشرعية والعملية، مشيراً إلى أن العلماء أجمعوا أن هذه الخطوة لا تفيد تطوير الخطاب الديني، بل تعمل على تجميده.

ولفت إلى أن الخطبة المكتوبة لا تصب في صالح الأئمة، ولا تمنحهم القدرة على مواجهة الأفكار المتشددة ودحضها بالأدلة والبراهين والعقل والنقل، معتبراً أنها تمثل "إساءة &لتاريخ الأزهر الشريف وتاريخه".

وأشار إلى أن تطوير الخطاب الديني يكون عن طريق ثقل العلماء والوعاظ، لافتاً إلى أن وعاظ الأزهر تم تزويدهم بمكتبة تجمع أمهات الكتب لثقل معارفهم، فضلًا عن التدقيق في اختيارهم وامتلاك غالبيتهم لخبرات طويلة في مجال الدعوة في الداخل والخارج، وحتى يكون خطابهم في مجالسهم والوزارات والمؤسسات التي يتعاونون معها، مناسبًا لسامعيهم على اختلاف مواقعهم الجغرافية وتباين ثقافاتهم وتقاليدهم وعاداتهم".

تقتل الابداع

وقال الدكتور أحمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء، إن الخطبة المكتوبة تمثل حجراً على إبداع العلماء والخطباء. وأضاف لـ"إيلاف"، أن الارتجال بناء على تأهيل جيد للخطيب يوسع مداركه ويفتح أمامه مجالاً للإبداع.

وأوضح أن الخطبة المكتوبة ليست مستحبة، لأنها لا تراعي مختلف البيئات والمجتمعات في مصر، فالناس في القرى يحتاجون إلى طريقة في الحديث والوعظ تختلف عن المقيمين في المدن. وأهل سيناء يحتاجون حديثاً أو موضوعاً أو طريقة في الإلقاء غير أهل الاسكندرية.

ولفت إلى أن الخطبة المكتوبة لا تجعل الإمام سيد الموقف، وتقتل الإبداع لديه، كما أنها تجعل أنه لا حاجة لكليات أصول الدعوة والشريعة والقانون، وغيرها من الكليات الشرعية التي تخرج الدعاة والعلماء.

وعلى الجانب الآخر، رغم الرفض الأزهري، أعلنت وزارة الأوقاف الخطبة المكتوبة ليوم الجمعة المقبل، على موقعها الإلكتروني، وحملت عنوان "النظافة سلوك إنساني متحضر"، وطالبت الأئمة بطباعتها والقراءة منها على المنابر، والتي تستغرق ما بين 15 و20 دقيقة، وهي المدة التي حددتها الوزارة.

قال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني، إن وزارة الأوقاف ستستعين بالتفتيش العام والدعوة، في متابعة المساجد للوقوف على أداء الأئمة ومدى التزامهم بالخطبة الموحدة المكتوبة.

وأضاف في تصريحات صحافية، أن الخطبة المكتوبة ليست فيها مخالفة شرعية على الإطلاق، والهدف منها ليس سياسيًا، وإنما صياغة الفكر والفهم المستنير وفق آلية تسهم في تصحيح الفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وحرصًا على عدم الخروج عن وحدة الموضوع.

&بينما قال الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، لـ"إيلاف"، إن المتعارف عليه منذ بداية عهد النبي محمد أن الخطبة ارتجالية وليست مكتوبة. وأوضح أن تاريخ الدعوة الإسلامية يؤكد أن خطبة الجمعة والعيدين لم تكن مكتوبة في أي عصر من العصور، مشيراً إلى أن التحضير الجيد وتزويد الخطباء بالكتب والمراجع الموثقة، يسهمان في تأهيل الخطباء وتخريج أجيال منهم مبدعة وقادرة على مواجهة الأفكار المنحرفة والمتطرفة بالحجج والعقل والنقل.
&