القاهرة: اخذ شيخ الازهر احمد الطيب، الذي قام الاثنين بزيارة تاريخية للفاتيكان حيث التقى البابا فرنسيس، على عاتقه مهمة تحديث الفكر الديني لمواجهة الايديولوجيات الجهادية مع دفاعه في الوقت نفسه عن التراث الاسلامي التقليدي.

عين الطيب، البالغ من العمر 70 عاما، شيخا للازهر في العام 2010 بقرار من الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك وكان ينظر اليه، بسبب عضويته في الحزب الوطني الديموقراطي الذي كان مبارك يترأسه، كاحد رجال الدين الموالين للسلطة، ولكن تبين ان الرجل، وهو استاذ العقيدة والفلسفة الاسلامية، واسع الثقافة وسياسي محنك، اغتنم فرصة الثورة التي اطاحت مبارك مطلع 2011 للحصول على بعض الاستقلالية للازهر الذي ينظر اليه كأهم مؤسسة تعليمية للاسلام السني في العالم.

وادت جهوده الى حصول الازهر، بعد الثورة، على الحق في انتخاب رئيسه بعد ان ظل لعقود طويلة يعين بقرار من رئيس الجمهورية، ومنذ ان اطاح عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع، الرئيس الاسلامي محمد مرسي، فان شيخ الازهر يبدو كمن يسير على خيط رفيع للحفاظ على دور مستقل لمؤسسته.

(تمردا جهاديا)

وتواجه مصر منذ ذلك الوقت (تمردا جهاديا) فيما دعا الرئيس السيسي الازهر اكثر من مرة ل"تحديث الخطاب الديني" وهي دعوة مثيرة للجدل تأتي من عسكري سابق لا دراية له بالعلوم الدينية ووصل الى السلطة عبر القضاء على حركات الاسلام السياسي، وايد الطيب مثل بابا الكنيسة الارثوذكسية تواضروس الثاني وكل قادة المعارضة، اطاحة مرسي التي قادت الى حملة دموية ضد انصاره اسفرت عن مقتل المئات من المتظاهرين.

ويقول المحلل اتش اى هيلر الخبير في مركز اتلانتك كاونسيل ان هناك "توترا بين سلطة تنفيذية تريد القيام بثورة دينية وبين الازهر الذي لا يرى بالضرورة ان الدولة مؤهلة حتى للخوض في مثل هذه الموضوعات".

الفكر الديني والتواؤم مع العصر

ويضيف هيلر "انهم (في الازهر) لا يرحبون بان يطلب منهم اي شخص يعتبرونه من خارج المؤسسة الدينية ان يسيروا في هذا الاتجاه"، الشيخ الطيب نفسه دعا اكثر من مرة الى تواؤم الفكر الديني مع القرن الحادي والعشرين وشدد خصوصا على اهمية هذا التواؤم بالنسبة للمسلمين المقيمين في الدول الغربية ورفض في الوقت نفسه الفكر السلفي شديد المحافظة الذي يتبناه الجهاديون.

ودان شيخ الازهر تنظيم الدولة الاسلامية والمجموعات الجهادية الاخرى واصفا اياها ب "الارهابية" واعتبر انه على اقل تقدير فان فهمهم للاسلام خاطئ، ولكن استاذ الفلسفة الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس شدد على ان اي تجديد يجب ان يكون نابعا من اصول الفقه الاسلامي.

حرب مذاهب

ويقول محمد مهنا مستشار شيخ الازهر ان الطيب "يجمع في فكره بين العراقة والتراث من جهة وبين المدنية والتنوير من جهة اخرى"، ويضيف "لقد درس في فرنسا وهو منفتح على العالم بصورة لا يستطيع احد ان ينكرها"، وعندما كان رئيسا لجامعة الازهر قبل ان يصبح مسؤولا عن المؤسسة كلها، كان الطيب يطلب بهدوء من طلابه اعراب الحروف الاخيرة عندما يقرأون نصا من التراث لحرصه على تعليمهم اصول لغة القران، الا انه كان في الوقت ذاته يقول ان عليهم ان يحتفظوا بعقول منفتحة اثناء دراستهم للفلسفة الاسلامية.

وتحدث الشيخ الطيب ذات مرة الى طلابه عن المعتزلة، الذين يكفرهم العديد من الفقهاء السنة، فقال "هؤلاء الناس خدموا الاسلام والخلاف لا يخرج شخصا من الاسلام، هذه حرب مذاهب فقط وحرب المذاهب يجب ان تظل محصورة في قاعات الدرس"، ويقول محمد مهنا ان الطيب "يبحث عن الحكمة اينما كانت".