إيلاف من الرياض: قال محللون سياسيون إن الحملات الاعلامية التي يتعرض لها السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان تندرج ضمن محاولات لشيطنة الدور السعودي وتشويه سمعته، بهدف قطع أي محاولات لإعادة العراق الى حضنه العربي، مشيرين في حديثهم لـ "إيلاف" الى أن منظمي هذه الحملات التحريضية لا يريدون نشاطاً سعودياً ولا حضوراً سعودياً في العراق، لأن هذا الحضور سوف يذكَر العراقيين بماضيهم العربي، وهو ما لا تريده الجهات لأنه سيفشل مشروعهم الاستراتيجي.

ومنذ أن تمت تسمية ثامر السبهان سفيرًا للسعودية في العراق في اغسطس 2015، أي قبل عام كامل، ما انفكت الحملات الاعلامية تتوالى ضده من جهات عراقية، والتي وصلت حد التحريض والمطالبة بإغلاق السفارة السعودية في بغداد، هذا وكان السفير السبهان قد وصل إلى بغداد في &ديسمبر 2015 ليباشر مهامه الرسمية في السفارة بعد 25 عاماً من إغلاقها، وكانت السفارة العراقية قد افتتحت بالرياض عام 2007، فيما لم تتمكن السعودية من القيام بخطوة مماثلة بسبب الوضع الأمني في العراق.

القوة الناعمة

الدكتور محمد السلمي، رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، اوضح ان وجود سفارة سعودية في العراق يمثل خطرًا على اصحاب المشروع الايراني، مشيرًا في حديثه لـ"إيلاف" الى أن هناك اطماعاً ايرانية للسيطرة على العراق، بحيث يكون محافظة ايرانية، وبالتالي أي محاولة لإعادة العراق للحضن العربي، لا بد أن تتم مواجهتها بطرق كثيرة، منها تشويه السمعة وشيطنة الجانب السعودي ممثلة في السفير، واضاف السلمي: "السعودية تعمل في النهار وبوضوح وبطرق دبلوماسية وسياسية&وانسانية، وهذه الادوات الناعمة التي تحاول انتشال العراق من المخلب الفارسي ستضر بمصالحهم &وتهدد وجودهم"، مشيرًا الى أن وجود طرف آخر في العراق يعمل على اقناع الرأي العام العراقي بمن هو الصديق ومن هو العدو، لا شك انه افضل من استئثار جانب واحد يقدم صورة "ما اريكم الا ما أرى".

وحول اتهامات السفارة السعودية بأنها تعمل على تأجيج الطائفية بالعراق، اكد السلمي ان السعودية &تعتبر العمق الاستراتيجي للعالم الاسلامي ومواقفها في ما يتعلق بالمذاهب واضحة ولم تتغيّر، مشيرًا&&الى أن هناك تعايشًا بين السنة والشيعة ولم تكن بينهم أية اشكالات قبل عام &1979، حيث جاءت ايران بأطماع فارسية تسعى للتمدد والتوسع في المنطقة عن طريق المليشيات وتأجيج الطائفية، وهو ما يمثل خطرًا على العالم الاسلامي، ولذا وقفت السعودية ضدها بحسم وحزم، وهو وقوف ليس لأطماع سياسية أو توسعية بقدر ما هو &لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والتعايش السلمي وضمان استقلال الدول، وقال السلمي: إن من يتهم السعودية بأنها تؤجج الطائفية في العراق عليه أن ينظر الى مواقف السعودية مع الشيعة والسنة في كل مكان، وحتى في العراق، وينظر الى مواقف ايران التي جاءت بأجندة طائفية يقره دستورها في المادة 12، الذي يؤكد على طائفية الدولة الاثني عشرية، وبالتالي كل هذه المزاعم مجرد محاولة شيطنة للمواقف السعودية التي تتصدى بحزم لما يعرف بتصدير الثورة، والذي يعتبر العراق محورًا اساسيًا فيها.&

عروبة العراق

جمال خاشقجي، الكاتب والمحلل السياسي، قال انه يجب اولاً تحديد من هو الحاكم في العراق، مشيرًا في حديثه لـ"إيلاف" الى أن القوة الحاكمة في العراق هي حزب اصولي شيعي متطرف، اساسه &حزب الدعوة، يسمى الآن ائتلاف دولة القانون، واضاف: "هؤلاء يحملون مشروعًا طائفيًا في العراق ومن مصلحتهم ان يستفردوا بالعراق، ولا يريدون للسفير السعودي أو السعودية أي وجود أو نشاط، لان هذا الحضور سوف يذكر العراقيين بماضيهم العربي"، وتابع: "الطبقة الحاكمة متمكنة بشيء من التنمر حتى على مكونها الشيعي، وعندما حضرت السعودية للعراق لم يرحب بها فقط السنة، وانما رحب بها الكثير من الشيعة في الجنوب، لأن الشيعة العرب شعروا بأنهم في حاجة الى هذا التوازن، فهم ينتمون الي تاريخهم العربي، ويرون هذه الهجمة الفارسية الايرانية الاصولية غريبة عنهم، ولكن ما بيدهم حيلة، ولما شعروا بحضور سعودي بدأ صوتهم يرتفع، وبالتالي تريد ايران تقويض دور السفير السبهان والحكومة السعودية حتى لا تخرب مشروعهم الاستراتيجي.

وحول الاتهامات بأن الدول العربية والسعودية كانت تقف موقف المراقب أكثر مما هو موقف المتفاعل مع &ما جرى في العراق منذ 2003، قال خاشقجي إن الدول العربية والخليجية بما فيها السعودية وجدت حرجًا في أن تنشط في العراق مع الاحتلال الاميركي، لاسيما أن العلاقات السعودية الاميركية لم تكن ممتازة بعد سبتمبر، وهذه مسألة مهمة، واضاف: "ثم مع صعود الطائفية في العراق، وجدت السعودية حرجًا ان تذهب وتتفاعل مع رئيس وزراء مثل نور المالكي، فالرجل كان غير صديق وغير صدوق"، وتابع: "المناخ&لا يزال غير مواتٍ، ولكن يجب ان نقبل التحدي وان لا نترك العراق للإيرانيين&فهذه خطيئة، دور السعودية سيكون صعباً، نعم، لكن يجب أن نستمر ... السفير السبهان بمدته القصيرة احدث فرقاً، فكيف لو مضت السعودية بنشاط اكبر في العراق، قطعًا النتائج ستكون افضل".

التوازن المفقود

الى ذلك، قال الاكاديمي والباحث الدكتور سلطان المهدي، إن هناك طيفًا شيعيًا في العراق يعتقد بأن النظام السياسي بعد &2003 &بُني على أساس منتصر ومنهزم، وبالتالي أيّ عودة للعلاقات العربية ربما تعيد صياغة هذه العلاقة، مشيرًا في حديثه لـ"إيلاف" الى أن هذه الاطراف لا تريد إعادة هيكلة النظام السياسي العراقي بما يضمن التوازن المفقود، لأن أيّ عودة للعلاقات العربية العراقية ستؤثر على طبيعة العلاقة الاستراتيجية القائمة بين العراق وإيران، وهذه الاطراف غير مستعدة لمثل هذه العلاقات، واضاف المهدي: "السعودية تقوم الآن بترتيب الصف العربي والعراق أحد أركان العمل العربي الأساسية، ولا يمكن أبدًا أن يعمل المجتمع العربي من غير الرئة، ورئة العرب هي العراق، وهناك اطراف كثيرة داخل الدولة العراقية، بما فيها بعض الأطراف العقلانية الشيعية تحاول أن تعيد سياق مثل هذه العلاقة".

وحول تصرف العراق الرسمي ضد هذا التحريض المستمر، لاسيما أن الرأي العام العراقي بات يصدق هذه الإشاعات ويتعامل معها على أنها حقائق، قال سلطان المهدي إنه ليس هناك رأي موحَّد للحكومة العراقية، فهناك ثلاث رئاسات، مجلس الوزراء، مجلس النواب، رئاسة الجمهورية، وهي جهات تعتريها مواقف متناقضة حيال أي قضية إشكالية تعترض العراق، لذا لابد من اتفاقها لرؤية موحدة للعلاقات الخارجية العراقية، واضاف: "العراق اليوم في إشكال سياسي وأمني واقتصادي، وهو في أمسّ الحاجة لتكوين صداقات بدلًا من العداءات، والسعودية هي مفتاح العراق للدول الخليجية والمحيط العربي، والعاهل السعودي الملك سلمان سبق وأن وجَّه دعوة رسمية لرئيس الوزراء حيدر العبادي لزيارة المملكة، لفتح كافة الملفات، للتناقش في جميع الأمور، لتوحيد الرؤى، و لبناء استراتيجيات سعودية عراقية على أسس عربية متينة، ونأمل أن تتم هذه الزيارة في القريب العاجل، لأن من شأن هذا التواصل إلغاء كل احتقان موجود على الساحة العراقية".&
&