كان ماريو سواريش، الذي ينظر اليه باعتباره والد الديمقراطية المعاصرة في بلده البرتغال، شخصية كبيرة هيمنت على الحياة السياسية في البلاد وكان قائد عملية انضمام البرتغال الى الاتحاد الاوروبي. قضى سواريش، مؤسس الحزب الاشتراكي البرتغالي الذي توفي السبت عن عمر ناهز 92 عاما، عدة عقود من حياته في المجال السياسي، وتولى مناصب رفيعة منها وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية. كما انتخب نائبا في البرلمان الاوروبي. كان سواريش قارئا نهما ومحبا للحياة المترفة، وكانت المعارضة اليمينية تتهكم عليه وتلقبه "صاحب الخدود السمينة." وكان دمث الاخلاق وانسانيا اشتهر "بعواطفه الجياشة وتلقائيته ودفء معشره." سواريش الذي كان يعترف بأنه ملحد، كان يقول إنه يؤمن "بالانسانية وقدرتها على التطور والتحسن"، وكان يصف نفسه بأنه مدفوع "برغبة جامحة في الحياة وبفضول عظيم." وقال في مقابلة صحفية اجريت معه في شباط / فبراير 2015 "انا رجل فقير كان محظوظا بأنه اتخذ مواقف معينة ثبتت صحتها فيما بعد." مرض سواريش في اواسط كانون الاول / ديسمبر الماضي بعد اسبوع من احتفاله بعيد ميلاده الـ 92، ونقل الى مستشفى الصليب الاحمر في العاصمة لشبونة حيث ادخل في ردهة العناية المركزة. وتدهورت حالته الصحية في ليلة عيد الميلاد، إذ قال المستشفى إنه دخل في غيبوبة ووصف حالته "بالحرجة." ولم يتماثل سواريش من وعكته قط. ولد ماريو سواريش في لشبونة في السابع من كانون الاول / ديسمبر 1924، وترعرع في اسرة عرفت بمعارضتها لنظام انطونيو سالازار الديكتاتوري. وكان والده جواو سواريش رجل الدين المعزول، مناضلا واجه النظام الديكتاتوري لعدة عقود وعانى نتيجة ذلك فترات طويلة من السجن والتنكيل. وسار ماريو على خطى ابيه، وانخرط في الحركة الطلابية في جامعة لشبونة الكلاسيكية. تعرض ماريو للاعتقال مرات عديدة، ولكن بالرغم من ذلك تمكن من انهاء دراسته في الفلسفة والقانون في عام 1957. بعد ذلك، فتح مكتبا للمحاماة تولى الدفاع من خلاله عن ناشطي المعارضة. القت شرطة النظام السياسية القبض عليه مجددا في عام 1968، ونفي الى ارخبيل ساو تومي وبرنسيب الواقع قبالة سواحل غربي افريقيا التي كانت مستعمرة برتغالية آنذاك ومنع من العودة الى بلاده. استقر المقام بسواريش في فرنسا، حيث درس في عدد من جامعاتها، وقام، مع مجموعة من اصدقائه، بتأسيس الحزب الاشتراكي عام 1973 في اجتماع عقد في المانيا وانتخب امينا عاما للحزب الجديد. وعندما اطيح بالنظام الديكتاتوري في البرتغال في انقلاب عسكري في الـ 25 من نيسان / ابريل 1974، ركب سواريش اول قطار متوجه الى لشبونه حيث كان الآلاف باستقباله. عين وزيرا للخارجية في الحكومة الانتقالية التي كان يسيطر عليها الجيش والتي تولت زمام الامور في البرتغال بعد الانقلاب، واشرف على منح المستعمرات الافريقية استقلالها. وتمكنت فئة عسكرية معتدلة يساندها سواريش من دحر محاولة انقلابية يدعمها الشيوعيون في عام 1975، ودعا الى اجراء انتخابات في العام التالي فاز فيها الاشتراكيون واصبح سواريش اول رئيس حكومة منتخب. تولى سواريش المنصب حتى عام 1978، ثم ترأس الحكومة ثانية بين عامي 1983 و1985. وكان انجازه الاكبر اثناء ترؤسه الحكومة انضمام البرتغال الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية (التي تحولت فيما بعد الى الاتحاد الاوروبي) في عام 1986. وانتخب سواريش رئيسا للجمهورية - وهو منصب رمزي استشاري الى حد بعيد - في وقت لاحق من عام 1986، كما اعيد انتخابه للمنصب لفترة ثانية امدها 5 سنوات في عام 1991 حيث حصل على 70 بالمئة من اصوات الناخبين. وانتخب نائبا في البرلمان الاوروبي في عام 1991، قبل ان يترشح لفترة رئاسية ثالثة في عام 2006. ولكنه مني بهزيمة ساحقة في تلك الانتخابات، إذ حل ثالثا ولم يتمكن من حصد اكثر من 14 بالمئة من الاصوات. وفاز بالانتخابات رئيس الحكومة المحافظ السابق انيبال كافاكو سيلفا وحل المرشح الاشتراكي مانويل اليغري ثانيا. واعتزل سواريش الحياة العامة لعدة شهور بعد تلك الانتخابات، ولكنه عاد للظهور من خلال وسائل الاعلام للتعليق على الوضع السياسي. تزوج سواريش من واحدة من اشهر الممثلات البرتغاليات ماريا باروسو في عام 1949 في سجن الجوبي في لشبونة، في خطوة نظر اليها بوصفها تحديا لنظام سالازار. توفيت ماريا في عام 2015، واعتكف سواريش بعد وفاتها. رزق الزوجان بطفلين، بنت اسمها ايزابيل وولد اسمه جواو تولى لفترة منصب رئيس بلدية العاصمة البرتغالية.
- آخر تحديث :
التعليقات