تتهم تقارير جديدة روسيا بتشجيع الانفصاليين في كاتالونيا وايطاليا، وهو ما يتم من خلال اتصالات غير مباشرة وهجمات إعلامية منظمة.

منذ اعلان الادارة الاميركية السابقة عن "تدخل" الكرملين في الانتخابات الرئاسية، ونجاحه في التأثير على مسار التصويت لصالح دونالد ترمب، والحديث لا ينقطع حول ما يقوم به "مبعوثو موسكو وعملاء الكرملين" من أدوار لتنفيذ ما تصفه دوائر غربية كثيرة بـ"دسائس" روسيا الرامية إلى بسط هيمنتها ونفوذها في العديد من البلدان الاوروبية، وتغذية الميول الانفصالية في بعض هذه البلدان. 

ويذكر المراقبون الضجة التي صاحبت الانتخابات الفرنسية، وما قيل آنذاك حول وقوف الكرملين الى جانب مرشحة اليمين الفرنسي مارين لوبان، ودوره في نجاح عدد من المحسوبين عليه وذوي الميول القريبة من روسيا في الانتخابات الرئاسية التي جرت في عدد من بلدان أوروبا الشرقية. 

وها نحن نقف امام اتهامات جديدة تقول بوقوف الكرملين وراء تأجيج الميول الانفصالية لممثلي الاقليات في اسبانيا وإيطاليا سواء من خلال تكثيف "الهجمات الإعلامية" لبعض القنوات التلفزيونية والوكالات التي وقف الكرملين وراء تأسيسها مثل "روسيا اليوم" و"سبوتنيك"، أو موفديه الذين ينتشرون تحت مختلف التسميات والمناصب. 

وكانت المصادر الغربية تلقفت خبراً نشرته وكالة أنباء "سبوتنيك" حول افتتاح ممثلية لجمهورية اوسيتيا الجنوبية التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن جورجيا منذ ما يزيد عن ربع قرن، في برشلونة بمشاركة دميتري ميدويف وزير خارجية اوسيتيا الجنوبية. 

وقالت الوكالة ان ميدويف المحسوب عملياً ايضا على الكرملين، قام بزيارة عمل قصيرة الى كتالونيا والتقى في برشلونة مع الكثيرين من أبناء اوسيتيا الجنوبية الموجودين في المهجر، وأشار في حديثه معهم الى الاهتمام المتزايد بما يجري في كاتالونيا بين صفوف أبناء اوسيتيا الجنوبية.

 وأضافت المصادر ان ميدويف أعلن ايضا ان افتتاح ممثلية لبلاده في برشلونة، يستهدف ارساء أواصر العلاقات والاتصالات الثنائية وخاصة في المجالات الثقافية والانسانية . 

وأبرزت وكالة "ريا نوفوستي" ما قاله وزير خارجية اوسيتيا الجنوبية حول ان بلاده كانت كابدت منذ 26 عامًا ذات المصاعب المصيرية لاقامة كيانها الخاص، في اشارة الى ما تعيشه كاتالونيا اليوم من احداث وخطوات تستهدف الانفصال عن اسبانيا واعلان دولتها المستقلة. 

وفي هذا الصدد، نتوقف بالكثير من الاهتمام امام ما نقلته المصادر الروسية عن صحيفة "البايس" الاسبانية حول الدور الذي قالت ان ميدويف "القريب من بوتين" على حد تعبيرها، "يلعب دورًا مهمًا في تنفيذ الاستراتيجية الروسية التي تستهدف ضم اراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة" .

وأضافت "ان زيارة المبعوث الاوسيتي الجنوبي تستهدف الربط بين "فلك الكرملين" وكاتالونيا المحتمل انفصالها عن اسبانيا". 

وكانت السلطات الرسمية في أوسيتيا الجنوبية اعلنت في 25 سبتمبر الماضي عن ضرورة "احترام حق سكان كاتالونيا في تقرير المصير والسيادة، فيما حذرت من مغبة المعايير المزدوجة وممارسات الاضطهاد التي قالت انهما "غير مقبولين". 

ومن ذات المنظور، اشارت مصادر اعلامية روسية الى زيارة وزير خارجية اوسيتيا الجنوبية الى ايطاليا وتحديداً الى اقليمي لومباردو وفينيتو، ولقاءاته مع ممثلي السلطات المحلية في الاقليمين، اللذين أعلنا عن الاستفتاء الشعبي حول حقهما في تقرير المصير.
ونشر موقع "صدى القوقاز" الالكتروني ان زيارة ميدويف لفلورنسا حظيت باهتمام إعلامي واسع النطاق على النقيض من زيارته لبرشلونة.

وقالت ان جولييت كييزا، الصحافي اليساري الايطالي المعروف بميوله القريبة من روسيا، نظم مع آخرين مؤتمراً صحفيًا لوزير خارجية اوسيتيا الجنوبية اوجز خلاله رؤيته لما يجري من احداث، فيما اشارت وزارة خاجية اوسيتيا الجنوبية الى ان ميدويف التقى في معرض زيارته لفينيتو مع عدد من ممثلي حزب "عصبة الشمال" ذي النفوذ الأكبر في الاقليم. 

وبعيدًا عن تفاصيل كل هذه الزيارات واللقاءات التي لم تلقَ اهتمامًا يُذكر من جانب ممثلي السلطات الرسمية في أي من موسكو أو روما أو مدريد، يمكن الاشارة الى ان العاصمة الروسية تبدي حرصاً متزايدًا على عدم التورط في أي موقف يمكن ان يُفهم منه، وقوفها الى جانب أي من الحركات الانفصالية في أي من البلدان الأجنبية، وهي التي سبق وعاشت ويلات انفجار الحركات الانفصالية في شمال القوقاز في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. 

ورغماً عن ذلك، فإن متابعة ما تبثه القنوات التلفزيونية الخاضعة في معظمها الى سيطرة الكرملين، تشير الى قدر من "الارتياح المكتوم" تجاه انفجار مثل هذه الحركات والتحركات، على نحو يقترب مما تعلن عنه السلطات الرسمية لدى تناولها للخلافات التي تندلع من آن لاخر بين بلدان الاتحاد الاوروبي، ولا سيما على خلفية معارضة عدد من هذه البلدان لما اتخذه الاتحاد الاوروبي تحت ضغط من جانب الولايات المتحدة، من عقوبات اقتصادية ضد روسيا في اعقاب اندلاع الازمة الاوكرانية عام 2014. 

وكان الرئيس فلاديمير بوتين وفي معرض تعليقه غير المباشر على ما يجري من احداث "انفصالية الطابع" اعاد الى الاذهان ما سبق وكاله من انتقادات ضد انحياز واشنطن والبلدان الغربية الى الاعتراف بانفصال كوسوفو في عام 2008، وهو ما قال انه يقف في صدارة اسباب انفجار التحركات الانفصالية سواء في اسبانيا او ايطاليا، وإن كان هناك في اسبانيا من يقول إن مدريد لم تعترف حتى الان بانفصال كوسوفو، وهو ما يفسره البعض بخشيتها من تفاقم مشكلة الباسك في الشمال وغيرها من الحركات القومية الاخرى.