غزة: يرى محللون أن تسليم حركة حماس معابر قطاع غزة الى السلطة الفلسطينية خطوة أولى تؤكد على رغبتها بالمضي في المصالحة مع حركة فتح حتى النهاية، وإن كانت طريق هذه المصالحة لا تزال مزروعة بالتحديات.

وفككت حركة حماس الاربعاء منشآتها على المعابر التي تربط بين قطاع غزة وكل من مصر واسرائيل وانسحب موظفوها من هذه المعابر التي تسلمها موظفون من السلطة، ووقع ممثلون عن الحركتين في حفل رسمي على اتفاق التسلم والتسليم. وتشكل هذه الخطوة اختبارا لاتفاق المصالحة الفلسطينية الذي أبرم الشهر الماضي في القاهرة.

ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة الازهر مخيمر أبو سعدة إن حماس "أرادت ان توصل رسالة بأنها ستتنازل جديا عن الحكم وملتزمة باتفاق القاهرة مهما كانت النتائج. لن تسمح بإعطاء السلطة أي مبرر للتهرب من المصالحة، وهذا سيعفي الحركة من مسؤولياتها تجاه حل ازمات القطاع الكارثية".

ويعاني القطاع من أزمات حادة في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة والتلوث البيئي، الى جانب مشاكل البطالة التي تتجاوز ال40% والفقر المدقع الذي يطال شرائح واسعة من سكانه المليونين.

ويرى ابو سعدة ان تسليم المعابر خطوة أولى في اتجاه تحميل الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة برئاسة رامي الحمد الله مسؤولية العمل على حل هذه الازمات. ويضيف ان الناس في غزة "مستاؤون من أبو مازن لانه لم يلغ قراراته ضد غزة"، وهم ينتظرون بفارغ الصبر "فتح معبر رفح بشكل كامل منتصف الشهر الحالي"، كما وعد مسؤولون في السلطة الفلسطينية.

وتسيطر حركة حماس على القطاع منذ 2007 بعد ان طردت حركة فتح منه إثر اشتباكات دامية.

وتحاصر اسرائيل القطاع منذ عشر سنوات. وتقفل مصر معبر رفح، منفذه الوحيد الى الخارج، ما فاقم المشاكل الاجتماعية والمعيشية.

وخلال الاشهر الماضية، اتخذت السلطة الفلسطينية اجراءات عديدة ضد قطاع غزة للضغط على حماس، أبرزها خفض رواتب موظفي السلطة فيه، والتوقف عن دفع فاتورة الكهرباء التي تزود بها اسرائيل القطاع. 

ويرى محللون ان كل ذلك ساهم في ان تبدي حماس بعض "البراغماتية" في موضوع المصالحة.

وجاء تسليم المعابر ثمرة للقاءات بين فتح وحماس كان آخرها مساء الثلاثاء بحضور مسؤولين أمنيين كبيرين مصريين في غزة استمر حتى فجر الاربعاء.

ويقول مسؤول شارك في اللقاء ان "النقاشات كانت حادة ومعمقة، (...) وكادت ان تفشل لولا الدور المصري"، مبينا ان "خلافا هاما تركز حول الموظفين في المعابر، إذ أصرت حماس على بقاء موظفيها الى حين حل أزمة استيعاب الموظفين المدنيين والعسكريين بشكل عام (عدد الموظفين المعينين من حماس في منشآت عامة يتراوح بين 40 و45 الفا)، بينما أصرت السلطة على عدم التسلم بوجود موظفي حماس".

ويرى الاستاذ الجامعي في العلاقات الدولية جمال الفاضي ان مغادرة موظفي حماس المعابر "خطوة مهمة وجريئة تسجل لحماس وتعطي دلالة واضحة على أنها ماضية بالمصالحة بلا رجعة".

ويفترض ان تستكمل السلطة تسلم إدارة القطاع بحلول الاول من ديسمبر، ما يعني، بحسب ابو سعدة، أن الاوضاع "الماساوية" في القطاع اصبحت "مسؤولية الرئيس عباس".

ويوضح ان "إدراك حماس ان الحصار لم يعد اسرائيليا بل فلسطينيا وأنه مدعوم من دول عربية، لا سيما بالنسبة الى الاجراءات المتعلقة بتقاعد آلاف الموظفين وحسم رواتب موظفي السلطة في غزة والكهرباء، بالاضافة الى عدم قدرة قطر على مساعدة حماس بعد أزمتها الخليجية، وحرص الحركة على تحسين علاقتها مع مصر، كلها عوامل ضغطت على حماس لتسليم الحكم فعليا".

خطوات غير مسبوقة

ويرى الخبير في شؤون حماس حمزة ابو شنب ان هذه خطوات "غير مسبوقة" لحماس، و"تعكس جدية في السير حتى النهاية في إتمام المصالحة"، معتبرا ان "إنجاز الملفات الحكومية سيساهم في توفير جو ايجابي في حوار القاهرة القادم" الذي يعقد بمشاركة كل الفصائل الفلسطينية وبرعاية مصر في 21 الجاري.

ونص اتفاق المصالحة الذي وقع في 12 اكتوبر على تسلم السلطة ادارة القطاع، وعلى تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة وبدء التحضير لانتخابات، وترافق مع وعود بوقف التدابير العقابية تجاه غزة، لكنه لم يتطرق بوضوح الى الترسانة العسكرية الضخمة التي تملكها حماس والتي استخدمتها في ثلاث حروب خلال السنوات العشر الاخيرة، ضد اسرائيل.

ويرى ابو سعدة أن "حماس يمكن ان تبدي مرونة كبيرة في كافة القضايا باستثناء سلاح كتائب القسام (الجناح العسكري) الذي تعتبره خطا احمر وصمام امان لوجودها".

وقال رئيس حركة حماس اسماعيل هنية في كلمة له أخيرا إن "المقاومة وسلاحها وإمكاناتها ومكتسباتها وموروثها خط أحمر غير مسموح المساس به أو الاقتراب منه".

ويقول مسؤولو حماس ان "سلاح القسام والمقاومة لم يطرح للنقاش في حوارات القاهرة" الشهر الماضي.

واعلنت اسرائيل انها لن تعترف بأي حكومة يوجد فيها ممثلون لحماس ما لم تتخل هذه الاخيرة عن سلاحها وتعترف باسرائيل.

ويقول المحلل لمنطقة الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية عوفر سالزبرغ "اعتقد أن نتنياهو كان سيكون أكثر سعادة لو ظلت غزة والضفة الغربية منفصلتين تماما من حيث الحكومة".