القاهرة: من على سريره في مستشفى الحسينية في محافظة الشرقية بدلتا النيل، اكد امام مسجد قرية الروضة، حيث قتل 305 مصلين قبل يومين، انه على استعداد للعودة الجمعة المقبل الى هذه القرية لاستكمال الخطبة، التي كان بدأها قبل ان ينهمر الرصاص على المصلين في المسجد.

"بعد نحو دقيقتين على بدء خطبة الجمعة سمعت صوت انفجارين خارج المسجد، ثم وجدت المصلين يجرون خوفًا وهلعًا، قبل ان يدخل اشخاص المسجد، وهم يطلقون النار على كل ما يتحرك امامهم"، هكذا روى الإمام الشاب محمد عبد الفتاح (26 عامًا) اللحظات الاولى للهجوم، الذي يندر حدوثه داخل مسجد، والذي اعتبر من اكثر الاعتداءات دموية في العالم منذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001.

تابع الإمام، الذي طلب من اهالي قرية الروضة نقله الى بلدته بعد الاعتداء، "سقطت خلف المنبر، ولم اشعر بشيء سوى بشخصين او ثلاثة يسقطون فوقي وهم ينزفون".

لم يصب الشيخ عبد الفتاح سوى بكدمات في انحاء متفرقة من جسده، لكن حالته العامة جيدة. ويؤكد ان "منبر المسجد شكل حماية" له، موضحًا ان المنبر المرتفع نحو مترين عن الأرض مشيّد من الطوب والأسمنت، وليس من الخشب، كما هي العادة في المساجد القديمة. ويبدو ان الاعتداء الدامي لم يضعف من عزيمة الشيخ عبد الفتاح.

وقال بحماسة: "لو ربنا شفاني سأذهب يوم الجمعة المقبل (الى مسجد قرية الروضة) لالقي خطبتي، وسوف استأذن وزير الاوقاف (الذي يتبع اليه المسجد) بأن اكمل موضوع الخطبة الذي بدأته في الاسبوع الماضي، وكان عن +محمد نبي الانسانية+".

لم يشأ الشيخ عبد الفتاح تقديم اجابة واضحة عن السؤال: "هل انت صوفي؟"، واكتفى بالرد "انا من اتباع الله ورسوله". وكان استقبل السبت في غرفته بالمستشفى وفدًا رفيع المستوى من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أهداه لوحة مزينة بآية قرآنية.

يتحدر الشيخ من قرية سعود التابعة لمركز الحسينية (150 كلم شمال شرق القاهرة) حيث ضريح الشيخ عيد ابو جرير مؤسس الطريقة الجريرية الاحمدية، التي يتبعها الكثير من اهالي قرية الروضة في شمال سيناء. وبحسب الرواية المنتشرة وسط اهالي قرية سعود، فان الشيخ عيد ابو جرير ينتمي اصلا الى شمال سيناء، ولكنه فر منها في الستينات، بسبب ملاحقة القوات الاسرائيلية فلجأ الى قرية سعود، حيث استقر حتى وافته المنية.

وقال الشيخ عبد الفتاح ان توقيت الهجوم "ربما يكون مرتبطًا باقتراب موعد مولد النبي (محمد) الجمعة المقبل". وتابع "سمعنا من نحو سنة من اشخاص في قرية الروضة كلامًا عن تهديدات (من جهاديين) لوقف احتفالات مولد النبي". 

واشار الى ان المسجد الذي تعرّض للهجوم هو الاكبر في القرية، ويضم ساحة وزاوية، وهي اماكن يستخدمها الصوفيون عادة لاقامة احتفالاتهم وحلقات الذكر. كما ان مؤذن المسجد فتحي اسماعيل (62 عاما) الذي قتل في الهجوم من قرية سعود أيضًا، لكنه يقيم في شمال سيناء منذ عقود. 

واكد شقيقه محمد (65 عاما) أن المسجد تعرّض "لتهديدات بعدم فتح مكبر الصوت إلا في وقت الاذان فقط وعدم تلاوة التواشيح" الإسلامية، وهي أحد المظاهر الصوفية المهمة، كما أشار الى منع صلوات غير مفروضة مثل "صلاة التهجد".

ويرجح الخبراء ان يكون تنظيم داعش وراء الهجوم الدامي، ويشيرون الى ان التنظيم سبق ان هدد واستهدف صوفيين في شمال سيناء باعتبارهم خارجين عن الاسلام. كما يشيرون الى ان هذا التنظيم سبق ان تجنب في السابق تبني هجمات نفذها، كما يتأخر احيانا في تبنيها. 

وتبنى تنظيم داعش مسؤولية هجوم السبت استهدف جرافة للجيش وناقلة جنود مدرعة قرب الحدود مع قطاع غزة، وذلك من دون أي إشارة الى الهجوم الدامي على المسجد.

ورد المجلس الاعلى للطرق الصوفية على اتهامات تنظيم داعش، مؤكدا في بيان الاحد ان "التصوف ليس دخيلًا على الاسلام، بل هو الاسلام بعينه في عباداته الكاملة وفي تطبيق ما دعا اليه الكتاب والسنة، وانه يمثل الاحسان، الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك".

وقرر المجلس ابقاء الاحتفالات التي يقيمها داخل مسجد الحسين في القاهرة وفي المساجد الاخرى بمناسبة ذكرى المولد النبوي الجمعة رغم اعتداء الروضة. لكن المجلس قرر الغاء الموكب الصوفي الذي ينظمه سنويا في ذكرى مولد النبي محمد في القاهرة حدادا على ضحايا الهجوم.