الرياض: سجل المهرجان الوطني للتراث والثقافة المقام في قرية الجنادرية رقماً قياسياً في عدد زواره، الذين تجاوزوا 900 ألف زائر وزائرة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المهرجان الذي انطلق قبل ثلاثة عقود.

ولبت العروض الشعبية والتراثية رغبات الزوار، الذين استقبلتهم بوابات القرية التراثية في الجنادرية في تاسع أيامه، وسط منظومة «متكاملة» من الخدمات. وعد قائد وحدة أمن وحراسة معسكر الجنادرية اللواء عبدالرحمن الزامل عدد الزوار أمس «الأكثر» منذ انطلاقة هذه الدورة، مؤكداً أن الإدارة والجهات الحكومية والأهلية المساندة «جاهزتان لتقديم خدماتهما بمثالية».

ووقف زوار بيت المدينة التراثية عند مدخل دكان القطان حامد الصيادي، لمتابعة تفاصيل هذه الحرفة التي تبدأ بتنظيف القطن وتفكيكه من التجمع والصلابة أو تغييره بآخر جديد، وهي حرفة ارتبطت في القطن تاريخياً، وتهدف إلى العناية بصحة الإنسان وراحته وبخاصة عند نومه.

وأفاد الصيادي بأن القطان يستخدم آلة الندف (الندافة)، وتتكون من الصندوق والوتر والقوس والكشتبان، ويمسك القطان الندافة ويدخلها وسط القطن ويضرب الوتر فيحرك المتجمع حتى يتفكك عن بعضه، فيقوم بجمع القطن داخل الوسادة.

حلقة وصل

واستعاد السوق الشعبي بالجنادرية توهجه، بعد أن عمدت إدارة المهرجان الوطني للتراث والثقافة ممثلةً في لجنة التراث إلى وضع استراتيجية جديدة، من شأنها تطويره والحد من هجرة الحرفين إلى القرى التراثية التي تمثّل مناطق المملكة.

رئيس لجنة التراث طلال المرشدي أوضح أن السوق الشعبي يمثل الانطلاقة الحقيقية لمهرجان «الجنادرية»، مع سباق الهجن، الذي دشن عام 1405هـ، في قلب القرية التراثية بالجنادرية، ولا يزال الموقع الأهم لزوارها.

ونوّه المرشدي&بدور التوسعة التي شهدتها القرية،&وافتتحت العام الفائت، في التمكّن من تنفيذ الاستراتيجية والخطة الجديدة المعنية باستعادة التوهج للسوق الشعبي، لأداء رسالته من خلال إبراز أهم وأبرز الحرف اليدوية من مختلف مناطق المملكة، وعرضها أمام الزوار بأسلوب مثالي ونموذجي، في أجواء تراثية تعكس جمالية هذه الحرف وإمكانية وموهبة الحرفيين، مؤكداً أن التوسعة الجديدة أتاحت الفرصة لعدد من أجنحة الجهات الحكومية التي كانت مقراتها ومعارضها داخل السوق الشعبي للتوسع والانتقال لمواقع أكبر في هذه التوسعة، مكنتها من إبراز نشطها بشكلٍ أكبر .

وبيّن أن السوق الشعبي يمثّل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، ويعرف الجيل الجديد بالموروث والتراث المادي لمختلف مناطق المملكة التي تجسد روح وأصالة الشعب السعودي الكريم، كما يمثل هذا السوق& مشروعاً حضارياً رائداً يحتفي بالموروث الثري والمتنوع، الذي يؤكد أصالة إنسان هذه الأرض وإبداعه الممتد منذ عقود، ويشهد له الماضي والحاضر بذلك، وتأكيداً لهوية أصيلة تضرب بجذورها في أعماق تاريخ هذا الوطن .

وجسّد معرض «صور من القصيم» المشارك للمرة الأولى في جناح القصيم بالمهرجان، ثقافة التصوير لدى أبناء المنطقة. وتضمن المعرض 40 صورة للقصيم، منها صور زيارات ملوك وأمراء للمنطقة، وحوى المعرض أيضاً صوراً جوية لبريدة ومحافظات المنطقة.

ويبرز المعرض ثقافة التصوير خلال 40 عاماً مضت من خلال عرض 20 كاميرا من أقدم الكاميرات المستخدمة في تلك الفترة، ومازالت صالحة للاستخدام.

وواصل جناح البحرين المشارك في فعاليات المهرجان استقبال الزوار برائحة القهوة العربية المنبعثة منه، ومجالسه التي تجسد تاريخ المجلس البحريني ماضياً وحاضراً. وتمثّل القهوة العربية طابع الكرم والضيافة في دول الخليج إلى جانب التمر، والحلوى البحرينية.

وتعكس قرية جازان في المهرجان قصة عشق أهالي المنطقة للنباتات العطرية، التي استمرت طوال عقود، جيلاً بعد جيل، وأصبح هذا العشق ثقافة يفاخرون بها في جميع مناسباتهم وبكل تظاهرة ثقافية أو اجتماعية وطنية. ولاقت ميزة النباتات العطرية إعجاب جماهير «الجنادرية».

ويأتي الفل على رأس قائمة النباتات العطرية في جازان، مميزاً برائحته العطرية الفواحة، وتعارف أبناء المنطقة على وضعه حلقة على الرأس (العصابة)، ومسابح في أحيانٍ أخرى (الكباشة)، في حين يفضّل بعضهم لبس عقد على الصدر.

فنون وثقافة

وأطلع بيت مكة المشارك في المهرجان زوار الجناح على جماليات الخط العربي، من خلال مشاركة الخطاطين في جناح يبرز جماليات وفن الخط العربي ويتيح للزوار كتابة اسمائهم على لوحات مميزة، لاقت تفاعلاً كبيراً من زوار ومرتادي المهرجان ومحبي ومتذوقي فنون الخط.

وأوضح الخطاط أحمد هارون، أن الخط العربي جذب أنظار العالم بما يحويه من فنون ثقافية متنوعة إبداعية، إضافةً إلى أنه يختلف عن الفنون الأخرى، حيث يعد فناً مستقلاً له قواعده وأصوله وله رجاله الذين برعوا فيه ونوعوه .

وأشار إلى أن الزوار اطلعوا على عروض الخطاطين، التي جاء من أبرزها كتابة أسماء الزوار على شكل القنديل الموجود على ستار الكعبة المشرفة، وذلك ما زاد جماله وروعته وأسهم في جذب الكثير من زوار المهرجان.

وكان تنوّع محتوى الحرف، وجودة مستوى الحرفيين، هما أبرز ما تميزت به مشاركة البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية (بارع) في المهرجان، وبالتحديد في واحة السياحة والتراث التابعة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.

وعرض رئيس طائفة تجار السبح في جدة جمال الجهني، وهو مهني معتمد من «بارع» في صقل الأحجار الكريمة وخراطة السبح، قصة تعلمه الحرفة ذاتياً، معتمداً في ذلك على حبه للسبحة كواحدة من المقتنيات التي ارتبطت في ذاكرة الأجيال واستمرت حتى اليوم، وسط إقبال كبير عليها من الشباب الذين يملكون أذواقاً متنوعة في اختيار السبح الخاصة بهم.

وقدر الجهني استهلاك السبح في المملكة لا يقل عن 20 مليون سبحة سنوياً، فضلاً عن كونها الهدية المفضلة لحوالى 10 ملايين زائر سواء من الحجاج أو المعتمرين على مدار العام.

وفي جانب آخر، شارك الفنان والحرفي أحمد المالكي بركن في «بارع»، عرض فيه جوانب من أعماله في الحفر على الحجر والرخام أو ما يصفه بـ«نحت التراث»، ويشارك المالكي في المهرجان منذ 20 عاماً، مؤكداً شغفه بتجربة الاشتغال على أشكال تراثية.

قطع نادرة

وحظي عرض زفة العروس الجيزانية والفرسانية قديماً، في بيت جازان، بإقبال أكثر من 10 آلاف زائرة، جذبتهنّ طقوس الزفة الجيزانية التي تمثّل عادات وتقاليد المجتمع الجازاني في مثل هذه الاحتفالات.

وأوضحت رئيسة الوفد النسائي لمنطقة جازان فاطمة عطيف، أن الركن الجازاني يستقبل زواره من العائلات بالفل البلدي والبعيثران وكلمات الترحيب الساحلي والجبلي التي يرددها سكان المنطقة أثناء استقبالهم للضيوف، مصطحبين الزهور العطرية وزهور النرجس والشمطري.

ويصور الركن الفرساني زفة العروس بارتدائها الثوب الخاص بليلة الزفاف، وتزينها بالحلي وعقود الفل البلدي والكادي، الذي يعد من الأساسيات الجمالية للعروس الجازانية بشكلٍ عام، بالإضافة إلى الأواني المنزلية المصنوعة من الخشب المستخدمة أثناء طهي الطعام للزوار، وكذلك مخض اللبن وأقداح الشرب وما صنع من السعف كالمهجن والجونة.

ولفتت عطيف الانتباه إلى أن الركن يحتوي هذا العام على قطع فضية نادرة تستخدمها المرأة قديمًا في الزينة، إضافةً إلى وجود عددٍ من الحرفيات اللواتي يقدمن أعمالهن للزوار في قرية جازان .

وبيّن المشرف العام على الجناح الفرساني عثمان حمق من جهته، أن زفة العروس في البيت الفرساني تشهد إقبالاً كبيرًا من الزوار، حيث توضع في مكان يسمى الحجية، وهي مزينة بأفخر الملابس وتوضع على أحد " القعايد " المصنعة من الحبال والطفي والخشب بشكل مربع، ولها فتحة في الوسط تدخل منها العروسة وتتربع بداخلها بكامل زينتها التقليدية من " العضية " المزينة بالنباتات العطرية والطيب وتلبس أفخر الملابس المصنعة من الهند المسماة بـ "الميل"، وتقلد بأغلى أنواع الذهب والحلي، وبجوار حجية العروس ما يسمى "الحمل"، وهو جهاز العروس المتمثل في الأطايب والملابس التي تنتشر في اليوم الثاني للعرس، فيما يسمى يوم التنشير، وتستمر فعاليات العرس الفرساني لمدة أسبوع كامل .

توعية

وشهدت الفعاليات المنفذة في جناح مصلحة الجمارك العامة بـ«الجنادرية» إقبالاً واسعاً من الزوار. وتمثّلت مشاركة «الجمارك» في معرض توعوي عن أضرار المخدرات والخمور التي يضبطها رجال الجمارك في المنافذ، وتسليط الضوء على طرق التهريب وعمليات ضبطها باستخدام أحدث التقنيات والاعتماد على القدرات الوطنية المدربة، إضافة إلى تعريف زوار المعرض بجهود «الجمارك» في مجال مكافحة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية.

وتُقدم «الجمارك» عرضاً يومياً للوسائل الحيّة «الكلاب البوليسية»، ضمن العروض التي يُقدمها، وتُبيّن القدرة التي تمتلكها في إحباط الممنوعات، وخصوصاً المخدرات والأسلحة.