القاهرة: حين يزور البابا فرنسيس الأزهر الشريف هذا الأسبوع بعد وصوله الى مصر، سيجد دعما لرسالته الداعية الى السلام في هذه المؤسسة الدينية التي تعتبر حصنا ضد التطرف.&

لكن الزيارة تأتي في وقت يواجه الأزهر الذي يدير إحدى أقدم جامعات العالم، نيران انتقادات شرسة في مصر تعتبر أن المرجع السني الكبير أصبح هو نفسه جزءا من الأزمة.

ويجد الأزهر نفسه وسط تجاذبات بين السياسة والدين منذ أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوته الى إصلاحات الدينية، ما من شأنه أن يترك تداعيات عميقة على العقيدة الإسلامية.

ويرى السيسي، قائد الجيش المصري السابق الذي أطاح بسلفه الإسلامي محمد مرسي في العام 2013، أن مواجهة أفكار المتطرفين الإسلاميين دينيا لا تتم بشكل جيد.&

ويقول عضو في وفد أجنبي التقى السيسي أخيرا إن هذا الاخير "يظن أن المتطرفين الإسلاميين اخترقوا المجتمعات الإسلامية بعمق، وهم كامنون فيها". ويضيف طالبا عدم ذكر اسمه، نقلا عن السيسي، إن أفكارهم "لوثت" الإسلام، وقد تنتهي بان تكون "مدمرة".

مقاومة التدخل

وأيد الأزهر وإمامه الأكبر أحمد الطيب دعوة السيسي للإصلاح بحذر.&

ويدير الأزهر الذي يعود تاريخ إنشائه لنحو ألف سنة، جامعة ومدارس في مدن عدة في البلاد، يتوافد عليها آلاف الطلاب الأجانب من كل بقاع الأرض لدراسة العلوم الدينية قبل العودة الى بلادهم كرجال دين.

ويبغض رجال الدين في الأزهر عقيدة "الجهاديين" المستمدة من المدرسة السلفية السائدة في المملكة العربية السعودية.

الا ان عددا كبيرا من المسؤولين والاساتذة في الازهر يعبرون عن استيائهم من محاولة السيسي إعادة تشكيل الفكر الإسلامي. وأثارت الطريقة التي يضغط بها السيسي لتحقيق الإصلاحات غضب البعض.

وخاطب السيسي رجال الدين في مطلع 2015 قائلا "والله سأحاجيكم يوم القيامة أمام الله" عن مسؤوليتهم في تجديد الخطاب الديني، مطالبا ب"ثورة دينية".

ويقول الباحث غير المقيم في المركز الأطلسي في واشنطن إتش. إيه. هيليير لوكالة فرانس برس إن "المؤسسة الدينية - لا كلها انما معظمها- تقاوم بشكل واضح فكرة وجود شخص من الخارج يتدخل أو يضع شروطا حول إدارة شؤون الدين والخطاب الديني".&

وفي اجتماع مع وفد أجنبي آخر، "سخر الطيب بشكل صريح من فكرة الإصلاح الديني التي يروج لها السيسي"، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن في "البطالة وعدم المساواة"، حسب ما أفصح عضو في هذا الوفد لوكالة فرانس برس.

في المقابل، لقيت دعوة السيسي لإصلاح الخطاب الديني ترحيبا لدى علمانيين ومطالبين باصلاحات دينية، وكذلك بين رجال دين يسعون الى التقرب من الرئيس.

وقرر وزير الأوقاف مختار جمعة الذي تتولى وزارته إدارة المساجد عبر البلاد، فرض أن تكون خطبة الجمعة مكتوبة في كل المساجد لتفادي الخطاب المتطرف. ويعتبر ذلك من أبرز مطالب السيسي.

"تحت الهجوم"

ورفض الأزهر تطبيق الفكرة، ما اضطر جمعة الى التراجع. ونأى السيسي بنفسه عن الأمر.

وقال في خطاب ألقاه في حضور الطيب في نهاية العام 2016، "كل ما أقابل فضيلة الإمام، أقول له: فضيلة الإمام انت تعذبني".

وأضاف ضاحكا "هو يسألني هل أنت تحبني أم ما خطبك؟ أقول يا فضيلة الإمام: أنا احبك واحترمك وأقدرك".

وذهب الباحث والمذيع إسلام البحيري بعيدا في انتقاد كتب التراث السنية، معتبرا أنها تحرّض على التطرف، وان التنظيمات المتطرفة مثل "الدولة الاسلامية" و"القاعدة" تستند اليها.&

ووجه البحيري ونقاد آخرون انتقادات لبعض كتب التراث التي يجرى تدريسها في الأزهر والتي تتضمن أحكاما قديمة بخصوص العبودية، والمرأة، وغير المسلمين، قد تكون منفرة لأي قارىء في العصور الحديثة.

لكن علماء الدين في الأزهر يقولون إن طلابهم يفهمون أن هذه النصوص كتبت في عصور مختلفة وأن ليس كل محتواها ينطبق على السياق الحديث.

وبعد غضب واضح من الأزهر، انتهى الأمر بالبحيري في السجن منفذا عقوبة الحبس لعام بعد إدانته "بإهانة الإسلام". ويقول عالم دين في الأزهر فضل عدم ذكر اسمه، ان "كثيرين من زملائي وتلاميذي يشعرون بأننا نتعرض للهجمات، بدءا من البحيري".

وتصاعد التوتر حين طالب السيسي في يناير الفائت رجال الدين بالنظر في تعديل إجراءات الطلاق لإبطال الطلاق الشفوي المعتمد في الإسلام.

ورفضت هيئة كبار العلماء في الأزهر طلب السيسي. وقال أحد أعضاء الهيئة لفرانس برس "كان تصويتا بالإجماع".

لكن الضغط تزايد على الأزهر بعد ثلاثة تفجيرات إنتحارية ضد كنائس قبطية في ديسمبر وإبريل قتل فيها العشرات.

ولام النقاد في البرامج التلفزيونية والصحف الأزهر والإمام الطيب بسبب الفشل في مواجهة المتطرفين وعدم إصلاح مناهج جامعتها ومدارسها.

ووصل الخلاف الى حد تقديم مشروع قانون في البرلمان لإصلاح الأزهر الذي يعد بموجب الدستور "هيئة إسلامية علمية مستقلة يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه".

وقدم النائب محمد أبو حامد مشروع قانون يتضمن فرض بعض القيود على شيخ الأزهر.

ويقول أبو حامد لفرانس برس "وجدنا أن بعض مناهج الأزهر ومؤسساتها تتضمن أفكارا تؤدي الى العنف أو حتى تحرض على العنف".

ويرفض الأزهر هذه الاتهامات، مشيرا إلى عدد من المؤتمرات التي نظمها لمواجهة التطرف والى وحدة مراقبة انشأها لمواجهة الأفكار المتطرفة.

وقال عباس شومان، نائب الإمام الطيب، في مقابلة صحافية أخيرا إن "المجرمين الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يتضمنون إنتحاريا واحدا درس ولو حتى ليوم واحد في الأزهر".