&يثير عثمان العمير، ناشر «إيلاف» ورئيس تحريرها، الجدال حين يتكلم عن حاضر الصحافة وغدها، إذ يقول إن الويب سيصير ماضيًا والمستقبل للمحتوى، الذي تشغله مهنية صوغه، والسعي إلى تمييز غث الأخبار من سمينها.

&

&"إيلاف" من دبي: بعد نحو 16 عامًا من انطلاق «إيلاف»، رائدة المحتوى الإخباري العربي، في أثير العالم الافتراضي، تبقى الأسئلة المثيرة للجدال في عالم الإعلام هي نفسها تقريبًا... الصدقية والموضوعية والمهنية. وحين انعقدت الدورة الرابعة لقمة الشرق الأوسط لشبكات التواصل والإعلام الاجتماعي 2017 أخيرًا، كانت «إيلاف» حاضرة بحضور ناشرها ورئيس تحريرها عثمان العمير. وحين يحضر العمير، تحضر معه الجدليات المفاجئة والإشكاليات الصادمة.

هذا ما حصل لجمع غفير من الإعلاميين والصحافيين والمسؤولين الوطنيين والأمميين الحاضرين في ذلك المؤتمر. ففي جلسة «الموجة التالية للإعلام الاجتماعي… مستقبل الإعلام»، تناول العمير شؤون المؤسسات الاعلامية التقليدية قائلًا إن إصلاح الموتى ليس مجديًا، وكأنه ينعى هذه المؤسسات النعي الأخير قبل دفنها، مؤكدًا: «سيشغلني المحتوى خلال الفترة الآتية، وستشغلني المهنية كذلك، ومحاربة الأخبار المفبركة».

تقليدي؟ جديد؟
أينما حل الكلام عن الإعلام، قديمه وجديده، يميل إلى التشديد على ضرورة الصدقية في نقل الخبر. يقول العمير: «إن الفرق شاسع بين صحافة الخبر وصحافة الرأي، وكلما ابتعد الإعلام عن الفئوية والطائفية والتبعية السياسية أصبح ناجحًا»، راسمًا بذلك الخطوط الحمراء، التي تحد الخبر المقبول والإعلام الناجح.

عن العلاقة بين الإعلامين التقليدي والجديد، قال إن القضية قضية صحافة في مسار واحد وافكار واحدة، «فالخبر هو الخبر مثل عملية الطعام، وكل شخص يطلب الطعام على مزاجه، ولا اعتقد أن هناك تضاربًا في هذا الموضوع. فما حصل هو أنه أتانا وافد جديد هو الفضاء المفتوح الذي جعل الإعلام، سواءً أكان تقليديًا او جديدًا، يلتزم أسسًا موضوعية، كما في لندن حيث نذهب الى المحكمة مرتين أو ثلاث مرات في السنة، وعندي قضية مستمرة منذ ثلاث سنوات وستصل الى المحكمة العليا».

وبرأيه، ثمة من لا يتقيدون ولا يستطيعون أن يتفاهموا مع مسألة الانظمة، «أما الوسائل التقليدية والوسائل الحديثة من ناحية التناول والممارسة فهي متشابهة في النهاية».

&

بلا فلسفة
في أثناء المؤتمر، قدم المشاركون تساؤلات يرونها مشروعة، منها: هل نحتاج إلى إحياء حقيقة وصدقية ميتتين في وسائل الإعلام، وخصوصًا الاجتماعي؟ هل ماتت الصدقية فعلًا، وكيف نعيدها إلى الحياة؟ أي فلسفة توجه المحتوى؟ المحافظ أو الليبرالي؟
كان العمير واضحًا وصريحًا. قال: «في الواقع، عند الحديث عن إحياء الموتى، لا أقصد الصحافي. فالصحافي يستمر صحافيًا، والإعلامي يستمر إعلاميًا. نحن نتحدث عن اختيار الوسيلة التي يعبر فيها الصحافي عن نفسه. وأنا اعتقد أن لا فلسفة للإعلام، خصوصًا عندما يدخل في مسألة المحافظين والليبراليين والتعابير التي يستخدمها الناس. على سبيل المثال، ألاحظ في وسائل الإعلام الاجتماعي في السعودية استنكار عدم نعت بعض وسائل الإعلام السعودية أو العربية الجنود القتلى بالشهداء. فحقيقة نعت الناس بالوطنية أو بالشهادة أو بالعداوة هو خارج نطاق العمل الصحافي، وضد أبجديات العمل الصحافي، فحين تكتب خبرًا يجب أن تكون متوازنًا وقادرًا على أن تُرضي الأطراف كلها».
أضاف: «هناك فرق بين صحافة الخبر وصحافة الرأي. وكلما ابتعد الإعلام عن الطائفية والفئوية والمنحى السياسي صار ناجحًا، والدليل أننا نرى في بعض المطبوعات في الغرب مثل إيكونوميست وفايننشال تايمز مسافة بين الخبر والتعليق.

&

إلى عصر جديد
لا مفر من الاعتراف بأن «إيلاف»، وهي تعيّد منذ مايو الماضي عامها الخامس عشر في رحاب الإنترنت، بانتظار أن تدخل في العام السادس عشر، مسجلةً في كل هذه الأعوام أسبقيتها العربية في عالم النشر الإلكتروني، بوصفها أول جريدة إلكترونية عربية في العالم.
لطالما قال العمير في مناسبات عدة، إن كثيرًا من صحبه سخروا منه حين فاتحهم بنيته إطلاق «إيلاف». وفي تقرير بثته "أم بي سي" أخيرًا، ورد أن العمير حمل معه نبوءة مستقبل الصحافة الإلكترونية، وأطلقها عام 2001 في لندن، عبر صحيفة "إيلاف" المثيرة كصاحبها، وواجه سخرية كبيرة بسبب هذه النبوءة.
يقول العمير في مقطع مصور: «من هنا انطلقت فكرة "إيلاف"، وكانت مثار سخرية الكثير من الأصدقاء، وبعضهم من كبار المسؤولين، وكانوا يعتقدون أنني أقود مغامرة مجهولة، وما زال بعضهم يرون كذلك، لكن الذي قطعته خلال 10 سنوات يؤكد أن الإنترنت على حق، ليس عثمان العمير على حق، لكن التطور على حق، والعالم على حق، ومن هنا كانت "إيلاف"».
هذا الكلام قبل 7 أعوام تقريبًا. وها هم اليوم يعترفون جميعًا برؤيويته، وبرؤيوية «إيلاف». وحتى أنهم يطرحون سؤالًا ربما يكون أخطر: إذا أراد العمير التأسيس لمشروع اعلامي جديد، فكيف يكون؟
بالنسبة إلى العمير، السؤال مثير لأن التأسيس بحد ذاته مثير، «وأعتقد لو جاء اليوم الذي أطلق فيه مشروعًا إعلاميًا جديدًا، للفظت ما هو موجود في هذا العصر، وخرجت منه إلى عصر آخر، فليس مجدًيا الحديث عن إصلاح الموتى، وقلت في السابق إن الصحافة الورقية انتهت. وقلت في العام الماضي إن الويب انتهى، والآن أقول إن الاعتماد هو على وسائل الاتصال الاجتماعي المعروفة. لكن، ما يشغلني بوصفي متابعًا ومحترفًا في هذه المهنة هو المحتوى: المطلوب في الوسيلة الإعلامية الجديدة التخلص من الأخطاء ومن الخطايا التي ارتكبتها بعض الصحف المعروفة في معالجة المحتوى، وما زالت ترتكبها».

&

التلفيق موجود منذ القدم
يتابع العمير: «عندما يكون عندك أكثر من ثلاثة مليارات و700 ألف مستخدم للانترنت، لا بد من أن يكون هناك كثير من المجانين الذين يتلاعبون بالمحتوى. طبعًا، نحن لا نؤدي دور الشرطي هنا، فلا نقول للناس ما يكتبون وما لا يكتبون، لكننا مؤمنون أن ما يجري هو نوع من الثورة، والثورات تقتل الكثير من القيم السائدة. أركز على المحتوى كما أركز على مسألة الأخبار الكاذبة او الملفقة. والحقيقة أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب لم يتفرد بمسألة الأخبار الملفقة، كما قال بعض الصحف، وهذا الموضوع ذكر في عهد الخلافة العباسية: كان أحدهم يروي أحاديث مكتوبة ومنسوبة إلى النبي، فحكم عليه بالإعدام، فلما حان وقت تنفيذ حكم الاعدام، قال له الراوي (الملفق)، والله لقد وضعت أربعة آلاف حديث عن نبيكم سيختلف عليها أقوامكم آلاف السنين. فالتلفيق موجود، ونحن نسمع عن التدخل في الانتخابات الأميركية، والتدخل في الانتخابات الفرنسية، ومحاولات التدخل في الانتخابات الهولندية. وإن ساءت الحال، فربما نسمع عن محاولات للتدخل في الانتخابات البريطانية، ولو أن لا زعيم في بريطانيا في هذا الوقت يستحق أن يكون رئيسًا باستثناء السيدة تيريزا ماي».

&

الخبر مستقل
تابع: «سيشغلني المحتوى، سيشغلني كيف أكون بحجم صحف موجودة في العالم تستحق الاحترام. سيشغلني التخلص من الأنباء الكاذبة. وستشغلني مسألة المهنية التي نحن في أمس الحاجة إليها في وسائل التواصل الاجتماعي».
طبعًا، سيشغله المحتوى طالما يريده حرًا طليقًا بلا قيد. فبالنسبة إليه،& لا بد من تقديم الخبر بصورة مستقلة لا تمثل توجهًا سياسيًا واضحًا، كما غمز تقرير "أم بي سي". فالعمير يقول& إن الخبز موجود، وفرنسا استطاعت أن تنشئ منه 300 نوع، والشيء نفسه ينطبق على الخبر، «فهو& موجود، لكن هل في الإمكان أن نخلق جيلًا صحافيًا يتمكن من أن يعيد تخليق الخبر ونشره بشكل جيد، بحيث يغذى ويعتبر أمام القارئ شيئًا مفيدًا، ويجعله يتابع الجريدة أو يتابع المطبوعة أو يتابع الموقع، أو يتابع محطة التلفزيون؟ هنا الرهان الذي تحاول الصحافة الغربية المتطورة الوصول إليه. نحن للأسف نحتاج إلى وقت طويل لأن يكون عندنا صحافيون داخل المبنى وليس خارج المبنى فقط».

&

&

&

&

&

&

&

&