يرجح المراقبون أن يسفر استفتاء اقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول عن التصويت بأغلبية ساحقة مع الاستقلال. ويُلاحظ أنه ما من دولة، باستثناء إسرائيل، أعربت عن تأييدها لقرار الكرد التاريخي في تحقيق حلمهم منذ عشرات السنين بدولة مستقلة. ورغم أن نتيجة الاستفتاء لن تؤدي تلقائياً إلى الدولة فإنها تمثل خطوة بالغة الأهمية تفتح الباب لمفاوضات مع حكومة بغداد التي تسيطر عليها أحزاب شيعية للتوصل إلى اتفاق.
وقدم الكاتب ألون بن-مير (Alon Ben-Meir) في صحيفة هفنغتون بوست عرضاً تاريخياً لمعاناة الكرد منوهة بأنهم منذ قرون يشكلون أكبر جماعية بشرية (30 مليون كردي حالياً) ما زالت بدون دولة، بل عاشوا مقسمين بين امبراطوريات وتحت سيطرة أنظمة دكتاتورية مستبدة حيث تعرضوا للتمييز والاضطهاد ممنوعين في الوقت نفسه من حق التمتع بثقافتهم المتميزة، كما قالت الصحيفة.
ويوضح بن مير انه عندما حاول الكرد إقامة وطن لهم كانت مساعيهم ذات عمر قصير مثل مملكة كردستان التي دامت أقل من عامين (1922 ـ 1924) بعد الحرب العالمية الأولى قبل أن تتاقسمها تركيا وإيران والعراق وسوريا، وجمهورية مهاباد التي أعلنها كرد إيران في عام 1946 بدعم من الاتحاد السوفيتي لكنها انهارت في العام نفسه تحت ضربات القوات الشاهنشاهية.
يشير الكاتب ألون بن مير إلى انه كما هو متوقع فإن الدول الأشد معارضة للاستفتاء هي الدول الأسوأ سجلا في انتهاك حقوق الإنسان الكردي. وترك هذا الإرث الثقيل من الاضطهاد والقمع المنهجي أثراً لا يمحى من المرارة والرفض تجاه الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في هذه الدول.
ويؤكد (Alon Ben-Meir) الأمم المتحدة كانت أعدت تقريراً يوثق انتهاكات حقوق الإنسان ضد كرد تركيا (15 مليوناً أو نحو 18 في المئة من سكان تركيا) في عهد الرئيس رجب طيب اردوغان، بما في ذلك اعمال قتل وتغييب وتعذيب وتدمير منازل وحجب الخدمات الصحية عن المناطق الكردية.
ويبين بن مير انه يرزح في السجون التركية عشرات الصحافيين الكرد واعتُقل أكثر من عشرة نواب كرد فيما تمارس الحكومة اساليب العقاب الجماعي ضد البلدات والقرى الكردية.
ويشدد على أنه في إيران يعيش ثمانية ملايين كردي (زهاء 10 في المئة من السكان) ضحية تمييز اجتماعي ـ سياسي بشع دفع الجناح المتطرف في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى رفع السلاح. وتسببت اعمال العنف في تهجير أعداد كبيرة من المدنيين الكرد في إيران.
كما يوضح انه في سوريا حيث يعيش مليونا كردي (زهاء 9 في المئة من السكان) كانت الحركة القومية الكردية ضعيفة في ظل النظام الدكتاتوري. ولكنها شهدت نهوضاً خلال السنوات الخمس الأخيرة من الحرب الأهلية وتمكن الكرد من إقامة منطقة حكم شبه ذاتي تعارضها حكومة اردوغان بشدة خشية ان يشجع ذلك كرد تركيا على المطالبة بحكم ذاتي أسوة بأشقائهم في العراق وسوريا.
ويقول إنه إزاء هذه الوقائع ليس لدى أي دولة من هذه الدول الحق القانوني أو الأخلاقي لمعارضة الاستفتاء ، كما تؤكد صحيفة هفنغتون بوست في تقريرها مشيرة الى ان على كرد العراق ان يكافحوا في هذه المرحلة بكل ما لديهم من قوة للحفاظ على حقهم الطبيعي في الحرية والاستقلال "لأن زمن خضوعهم المستمر يجب ان ينتهي" ، على حد تعبير الصحيفة.
ويتابع الكاتب في تقريره ان هناك سبعة ملايين كردي عراقي (نحو 15 في المئة من السكان) كانوا هدفاً للاضطهاد من اليوم الأول بعد قيام الدولة العراقية في عام 1922. وتعرض الكرد الى حملات تنكيل وحشية في عهد صدام حسين الذي قتل 50 الف كردي على الأقل خلال عقد الثمانينات واستخدم الغازات السامة لقتل أكثر من 5000 رجل وامرأة وطفل كردي في عام 1988 ، بحسب الأرقام التي تذكرها صحيفة هفنغتون بوست.
ويشير إلى أنه منذ عام 1991 تمكن الكرد من ترسيخ الحكم الذاتي في منطقتهم بحماية الولايات المتحدة. وبعد سنوات من القهر والقمع الوحشي عقد كرد العراق العزم على ألا يخضعوا مرة أخرى لنزوات أي حكومة تأتي في بغداد ، كما تقول صحيفة هفمنغتون بوست في تقريرها.
ويرى محللون أن المشاعر القومية الكردية هي المحرك الحقيقي وراء طموح الدولة الكردية المستقلة رغم المعارضة الدولية الشاملة تقريباً لاستقلال الكرد السياسي. وتلفت صحيفة هفنغتون بوست الى اتفاق الأحزاب الكردية الرئيسية على هدف الاستقلال ورفض رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني تحذير الولايات المتحدة من ان السعي الى الاستقلال سيزيد عدم الاستقرار في المنطقة ويؤدي الى انقسام العراق بلا رجعة.
وفي حين أن الحكومات العراقية والايرانية والتركية تريد ان يكون كردها مواطنين صالحين فان هذه الحكومات لم تفهم قط ان ولاء الكرد للبلدان التي توزعوا عليها يعتمد على المعاملة التي يلقونها والحريات التي تُمنح لهم والاحترام الذي يحظون به. وان يُطالَب الكرد بولاء غير مشروط وفي الوقت نفسه يُحرمون من حقوقهم الأساسية فان هذا منتهى النفاق والباطل، على حد وصف صحيفة هفنغتون بوست.
والأكثر من ذلك ان الفوضى العارمة في الشرق الأوسط تزيد الكرد اصراراً على التمتع بالحكم الذاتي ، إن لم يكن الاستقلال ، والنضال من أجله والموت في سبيله.
ويتوقع غالبية المحللين أن تقرر حكومة بغداد التفاوض مع الكرد بشأن إقامة دولتهم المستقلة على ألا تضم كركوك. وهم يرون ان على البارزاني أن يتفاوض مع بغداد للتوصل الى حل مقبول من الطرفين لقضية كركوك.
تلاحظ صحيفة هفمنتون بوست في ختام تقريرها الذي اعده الون -بن مير "نفاق الولايات المتحدة العصي على الفهم لأن الكرد قاتلوا وما زالوا يقاتلون بوفاء الى جانب الولايات المتحدة وحلفائها وان رفض طلبهم ممارسة حق تقرير المصير بعد سنوات من البطش على ايدي الأنظمة المتعاقبة لا سيما في عهد صدام حسين موقف مرفوض ومعيب وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ان يكونا في المقدمة في دعم كرد العراق لتحقيق الاستقلال وانهاء الظلم التاريخي الواقع على 30 مليون كردي".
اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "هفنغتون بوست". الأصل منشور على الرابط التالي
http://www.huffingtonpost.com/entry/the-iraqi-kurds-independence-is-decades-overdue_us_59c3cc20e4b0c87def8835c3
التعليقات