بغداد: خلال الأسابيع القليلة الماضية، لقيت أربع نساء شهيرات حتفهن في العراق، اثنتان منهن على الأقل اغتيلتا برصاص مسلحين أمام كاميرات مراقبة، وكانت آخرهن عارضة الأزياء تاره فارس التي أثار اغتيالها جدلا فاق الجدل الذي كانت تثيره صورها الجريئة.

في حياتها، كانت التعليقات الداعمة منها أو المهينة، تنهال على فارس بمجرد أن تنشر صورة جديدة لها تبرز وشومها وطلاء أظافرها وملابسها الفاخرة.

وصارت الشابة التي تبلغ من العمر 22 عاما، شخصية بارزة في بلد محافظ مزقته 15 سنة من العنف الطائفي تحت سلطة الميليشيات، والعنف المترافق مع دخول الجهاديين الذين سيطروا على ما يقارب ثلث البلاد في العام 2014.

ومع أكثر من مليونين ونصف مليون متابع لصفحتها على تطبيق إنستغرام، صارت فارس من أكثر الوجوه تأثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي في العراق.

هذه الشهرة جعلت فارس محط أنظار، ودفعتها إلى مغادرة مسقط رأسها بغداد. لكن ذلك لم يمنع الفتاة التي ولدت لأب مسيحي اعتنق الإسلام وأم شيعية لبنانية، من قول الأشياء كما هي، من فندق رفض استقبالها، وتعنيف من زوج سابق، وصولا إلى مقتل حبيبها باعتداء في اسطنبول، والكشف عن ماركات الملابس المتعاقدة معها.

قبل تاره فارس، وتحديدا في آب/أغسطس الماضي، لقيت مديرتا أبرز مركزي تجميل في بغداد حتفيهما بفارق أسبوع تماما. الأولى هي رفيف الياسري، الملقبة بـ"باربي" نسبة إلى إسم مركزها، والثانية هي رشا الحسن، صاحبة مركز "فيولا" التجميلي.

-إخضاع المرأة؟-

وقد عثر على جثتي الياسري والحسن في منزليهما، ورغم التحقيقات المفتوحة لا تزال المعلومات شحيحة، وسط تكهنات وشائعات يتم تداولها في بغداد عن مصرعهما، تارة بالحديث عن نوبة قلبية، وتارة أخرى عن جريمة قتل أو جرعة زائدة من المخدرات.

وقبل يومين من اغتيال فارس، تلقت الناشطة في مجال حقوق المرأة سعاد العلي رصاصات عدة في جسدها وهي تهم بالصعود الى سيارتها في مدينة البصرة النفطية في جنوب البلاد، التي شهدت خلال الفترة الأخيرة إحتجاجات دامية.

وقالت شرطة البصرة في بيان بعيد الاعتداء، أن السيدة البالغة من العمر 46 عاما، اغتيلت من قبل طليقها بسبب خلافات عائلية.

لكن هناء إدوار، رئيسة منظمة "الأمل" العراقية غير الحكومية التي تدافع عن حقوق النساء، أعتبرت أن هذا الوضع لا يعني "سوى ضعف الأجهزة الأمنية وغياب العدالة".

وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس في مكتب المنظمة ببغداد أن "الجماعات المسلحة والعشائر، وعصابات الجريمة المنظمة، تسيطر على الكثير من المواقع" حتى في داخل السلطة والقوات الأمنية، موضحة أن ما يجري هو "رسالة تهديد ككل، للناشطات، والمجتمع بصورة عامة".

وخلصت الى القول أن "استهداف شخصيات عامة هو استهداف للنساء ومحاولة لإجبارهن على التزام منازلهن".

-يوم الخميس!-

وأجبر هذا الوضع المستجد بعض النساء على التخفيف من نشاطاتهن، على غرار صفاء ناصر، وهو اسم مستعار لمصممة أزياء عراقية.

وقالت ناصر في تصريح لفرانس برس "هذه الأيام ابتعدت عن الوسط، لدي عائلة وبنات، أخاف على نفسي وعليهن، لذا قللت نشاطي".

ورأت أن "هناك جهات لا تريد للبلد أن يتطور، ولا أن تظهر المرأة في الصورة. يريدون أن يعيدونا إلى عصور التخلف وزمن وأد المرأة".

ودعت ناصر القوات الأمنية الى "كشف ما يجري" معتبرة "أنها شبكة منظمة وعملية كبيرة، جميع الفتيات اللواتي أعرفهن خائفات أن يأتيهن الدور".

وتسعى السلطات إلى عدم الربط بين الأحداث وتوجيه رسائل تطمينية. لكن يبدو أن رئيس الوزراء حيدر العبادي نفسه ربط أحداث بغداد والبصرة، موجها أوامره لنخبة الاستخبارات بالتحقيق في المسألة.

وقال العبادي في بيان إن الجرائم "حصلت بتنفيذ عالي المستوى (...) بصورة متزامنة، ما يعطي الانطباع بأن وراءها مخطط من جهات منظمة هدفه الإخلال بالأمن تحت ذرائع محاربة مظاهر الإنحراف".

وإن كانت مصادفة أم لا، فإن تاره ورفيف ورشا، لقين مصرعهن يوم خميس.

وفي هذا الإطار، تقول حوراء وليد (29 عاما) في أحد المراكز التجارية ببغداد "في كل مرة يتكرر الأمر، والآن كلما اقترب يوم الخميس، يزداد القلق".