قالت نبيلة منيب، الأمينة العام للحزب الاشتراكي الموحد بالمغرب، إنه لا توجد إرادة سياسية كافية للنهوض بأوضاع التعليم، وبالتالي النهوض بالشعب المغربي، وتحقيق التنمية التي ينشدها في مختلف المجالات والقطاعات.

إيلاف من الرباط: أشارت منيب، خلال مشاركتها في ندوة فكرية، حول موضوع "قراءة نقدية في الرؤية الاستراتيجية للتعليم (2015 -2030)، مساء الأربعاء، في المعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، إلى أن التعليم في المملكة يمر بسرعات مختلفة، من ضمنها تشجيع الدولة على التعليم الخاص على حساب العمومي، الذي تعمل على تفقيره، وذلك بعدما قامت بتوقيع الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات GATS، والتي تم فرضها على المغرب من قبل منظمة التجارة العالمية.

تفقير المدرسة العمومية
زادت قائلة: "الدولة زادت في تفقير المدرسة العمومية، بحيث أصبح يتجه لها فقط الأشخاص الذين لا يجدون أي مكان آخر للتعلم، وهو الاتجاه نفسه الذي سلكته حينما أرادت ضرب مبدأ المنحة الدراسية، والتي لم يستفد منها الفقراء، بل كانت تذهب إلى الأسر الميسورة والغنية".

انتقدت المتحدثة، في الندوة التي نظمها منتدى الحداثة والديمقراطية، والتي شهدت حضورًا غفيرًا امتلأت به قاعة الندوات التابعة للمعهد، قيام الدولة بـ"تكسير" العماد الأساسي للمدرسة، ألا وهو هيئة التدريس، عن طريق استثناء الكفاءات الجيدة، بحجة عدم وجود وظائف عمومية شاغرة، في حين يتم توظيف شباب من دون تكوين، ليس بمقدوره النهوض بالمنظومة التعليمية، خاصة أن الرهان ما زال معقودًا على المدرسة العمومية، التي تستقبل 88 بالمائة من المتمدرسين.

حول موضوع مجانية التعليم والنقاش المطروح حوله، أضافت منيب: "رسوم التسجيل حاليًا ستتطور مستقبلًا لتشمل رسوم التدريس، وغيرها. في فرنسا على سبيل المثال، حينما يطالب المسؤولون برسوم التسجيل، فهي تتضمن أساسًا التطبيب والرياضة وغيرها من المجالات التي تعود بالنفع على التلميذ أو الطالب، فكيف يمكن أن يتحمل الطالب مثلًا رسومًا إضافية في المغرب، وهو ليس بمقدوره حتى دفع تذكرة الحافلة التي تقلّه من منزله باتجاه مؤسسته التعليمية؟".

الاستثمار في التعليم
واعتبرت الأمينة العامة للاشتراكي الموحد أن المدرسة أصبحت تشكل مصدر خوف بالنسبة إلى البعض، لأنها تساهم في إنتاج مفكرين وأدباء وفنانين، يفترض فيهم الإنصات إلى المجتمع وإلقاء الضوء على الفئات الهشة التي تم تهميشها قسرًا.

جانب من الحضور

وأكدت على أن الاستثمار في المجال التعليمي مسألة استراتيجية، في ظل عدم وجود كفاءات بالشكل المطلوب، خاصة أن المغرب مقبل على جهوية متقدمة، وبالتالي فهو بحاجة ماسّة إلى الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة اللازمة، مع ضرورة الاعتماد على مركزة العلم والمعرفة قبل مركزة الهوية، في مجتمع يستهلك العلوم ولا يقوم بإنتاجها.

وحول قراءتها لظاهرة العنف المدرسي في المغرب، قالت منيب إن الطلبة يمارس عليهم عنف مركب، خاصة أولئك الذين لا يجدون طرقًا معبدة، ولا وسائل مواصلات، من أجل التنقل صوب مؤسساتهم التعليمية.

أضافت قائلة: "يدرس التلميذ والطالب ويتخرج مستقبلًا، ثم لا يجد عملًا يكفيه شظف العيش، في حين يبدو الأمر هينًا لمن لهم أقارب يتمتعون بعلاقات شخصية جيدة مع أناس آخرين، يسهلون عملية إدماج أبنائهم في سوق العمل، فهذا هو العنف، لدينا مشكل بنيوي مرتبط بطبيعة النظام السياسي، الذي يمركز السلطات، ويجمع في الوقت نفسه بين السلطة والمال، لذلك فشلت المدرسة في أداء دورها".

منطق مقاولاتي
من جهته، اعتبر محمد الهاشمي، أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن الصيغة التي وردت بها الرؤية الاستراتيجية للتعليم (2015- 2030) قاسية، لأنه إذا ما تم تحليل معجم هذه الرؤية، فإن المتلقي غالبًا ما يجد استدماج المنطق المقاولاتي، على اعتبار أن ما تخطط له الدولة يهم بالأساس تكوين مواطنين قابلين للاستعمال من طرف المقاولات الكبرى.

وأفاد الهاشمي أن المدرسة العمومية هي إرث للاستعمال، ولم تكن يومًا مجانية، على اعتبار أنها كانت تحتاج سابقًا مساهمات طلاب العلم، في إطار الإلزام لحماية إيديولوجية واحدة داخل الدولة.

زاد الأستاذ الجامعي قائلًا "المغاربة اختاروا تجاوز المجانية، حيث أصبح في تقليدهم اليومي الخجل من القول إن أبناءهم يدرسون في مؤسسات تعليمية عمومية، أصبحت بمثابة ثكنات، الغاية منها جعل التلاميذ في قالب واحد، في ظل وجود تخطيط مسبق لتكوين خريجين بجودة متوسطة، وهي استراتيجيات أضحت مفضوحة حاليًا".

لم تخل الندوة الفكرية من وجود نوع من التشنج، عن طريق مشادات وملاسنات كلامية بين كل من المتداخلين منيب والهامشي، بعدما قلل الأخير من أهمية مجانية التعليم، معتبرًا أنها خيار المغاربة، الذين يفضلون في مجملهم تسجيل أبنائهم في مؤسسات التعليم الخاص عن طواعية.

فيما اعتبرت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد أن مثل هذا الكلام لا يليق بأستاذ مهمته تنوير الناس بدلًا من التفوه بكلام ساذج، خاصة وهو يتحدث في موضوع بالغ الأهمية، يفترض الكلام بنوع من المسؤولية والإتزان عوضًا من التشبث بالخرافات.

في حين اعتبر الأستاذ الجامعي أن ردها عليه يمثل نوعًا من "الذكاء السافل"، وتضخم الذات، خاصة أنها تتحدث عن الأمر وكأنها تروّج لحملة انتخابية سابقة لأوانها، عوضًا من مناقشة الأفكار المطروحة بحيادية، احترامًا للرأي والرأي الآخر، وبعيدًا عن"صراع الديوك".