أولت صحف عراقية وعربية اهتماماً بالغاً بعواقب الحريق الذي أتى على مخازن تابعة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.

وقال كُتَّاب إن هذا الحريق يستفيد منه الفائزون والخاسرون على السواء، بينما حذَّر آخرون من أن العراق قد يدخل إلى "نفق مظلم" يمكن أن يقود إلى حرب أهلية بين الأطراف المختلفة.

"النفق الأظلم"

في صحيفة الزمان العراقية يحذِّر عبدالجبار الجبوري من أنه "بقرارات مجلس النواب العراقي، التي شملت إلغاء الانتخابات في خارج العراق، وكركوك وكردستان العراق، والنازحين كافة، وإحالة المزورّين من موظفي مفوضية الانتخابات الى القضاء، يدخل العراق في النفق الأظلم، والصراع الأعمق في العملية السياسية".

ويصف الانتخابات بأنها "أسوأ انتخابات مزوَّرة عرفها التاريخ التي - برأيه - يمكن أن تؤدي "للفوضى الهلّاكة التي ستقود العراق إلى حرب أهلية".

وكما مصطفى فحص في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان "الدخان الآتي من العراق"، من أن هذا الحريق "يمثل تهديداً هو الأول من نوعه للعملية السياسية برمتها، بعد مجموعة من الانقلابات السياسية والتشريعية جرت ضد الانتخابات الأخيرة ونتائجها".

ويرى أن "أخطر" القرارات التي اتُخِذت مؤخراً تمثل في "انعقاد البرلمان الذي تنتهي ولايته في 30 يونيو (حزيران)، وقيامه بتعديلات على قانون الانتخابات الحالي".

ويضيف أنه بانتهاء مهلة البرلمان نهاية الشهر الحالي "تدخل السلطات التشريعية والتنفيذية ومؤسسات الدولة في مرحلة فراغ دستورية لا مثيل لها في تاريخ العراق الحديث".

ويتهم المتضررين من نتائج الانتخابات بالعمل على "محاصرة القوى السياسية العراقية الشريكة في صناعة القرار والمصرة حتى الآن على تشكيل تحالفات وطنية تتجاوز فكرة الكيانات المذهبية أو القومية عبر كتلة وطنية كبرى عابرة للطوائف والكيانات، ولي ذراعها في حال تمسكت برفض العودة إلى صيغة المحاصصة الطائفية في السلطة".

ويخلُص إلى أن "المتضررين المحليين والإقليميين من نتائج الانتخابات على رأس قائمة المشتبه بهم في الضلوع بافتعال الحريق الذي طال أجهزة تخزين بيانات الناخبين في المخازن بمنطقة الرصافة، رغم رسائل الليونة التي بعث بها الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر من أجل تطمين هذه الجهات بأن مشروعه وطني وإصلاحي".

ويتوقع قاسم العجرش في صحيفة المراقب العراقية، أن يلجأ إلى تمديد البرلمان الحالي، لكنه يحذِّر من أن مثل هذا القرار ستكون له "أطراف متضررة منه، ولن تقف مكتوفة الأيدي، وسيتصاعد الشد بين الكتل السياسية، إلى أن يصل مداه فينتقل إلى الشارع".

مَنْ لهم مصلحة؟

ويرى حسين عمران في صحيفة المشرق العراقية أن الطريف في الأمر "أن الخاسرين والفائزين لهم 'مصلحة' بحريق مخازن المفوضية".

ويقول عمران: "بعض الفائزين أرادوا من خلال حرق أوراق الاقتراع 'حرق' كل أثر لتزويرهم وفسادهم وتلاعبهم بالأوراق الانتخابية. أما أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز فقد رأوا في الحريق فرصة قوية وكبيرة لإعادة الانتخابات أو الإسراع بالفرز اليدوي في أقل تقدير!"

وفي صحيفة المدى العراقية، يقول رئيس التحرير التنفيذي عدنان حسين: "على قدم وساق يُجري شيطنة مفوضية الانتخابات وأبلستها بعدما افتضِح أمر التزوير الذي قام به الآن، كما في العمليات الانتخابية السابقة كلها، مَنْ اختاروا أعضاء مجلس المفوضية ونصبّوهم في مواقعهم".

ويضيف: "ما كان لأجهزة العدّ والفرز الإلكترونية أن تتلاعب بالنتائج من تلقاء نفسها من دون أيدٍ بشرية تُبرمج هذا التلاعب.. هذه الأيدي يقف وراءها المتنفّذون في العملية السياسية الذين صاغوا المفوضية بهذا الشكل وهذه الهيئة منذ أن صار أمر تشكيل المفوضية عملاً محتكراً للقوى المتنفّذة في مجلس النواب ثم في سائر أجهزة الدولة على وفق نظام المحاصصة، وهي في معظمها من قوى الإسلام السياسي التي ما فتئت تستخدم الدين مطيّة لها للاستحواذ على السلطة والنفوذ وسرقة المال العام والخاص".

ويؤكد حسين أن إعادة عدَّ الأصوات وفرزها يدوياً لن يكون حلاً، مشيراً إلى أن الحلّ "يتطلب أولاً وقبل كل شيء إعادة النظر في الدستور وتعديله، وهو استحقاق دستوري مُستحقّ منذ عشر سنوات، ثم تشريع قوانين جديدة في ضوء هذا الدستور المُعدّل، قانون للانتخابات وقانون الأحزاب وقانون للمفوضية، تحظر جميعها نظام المحاصصة وتثبّت الفصل بين السلطات وتكرّس استقلالية الهيئات المستقلّة".

ويقول علي حسين في الجريدة نفسها ساخراً: "الديمقراطية العراقية تقضي بأن يبقى المواطن العراقي متفرجاً، فيما جميع الساسة شركاء، يضمن كلّ منهم مصالح الآخر، حامياً لفساده، مترفّقاً بزميله الذي يتقاسم معه الكعكة العراقية في السرّاء والضرّاء".