بدأت بعض الشركات في الآونة الأخيرة وخصوصًا شركات إنتاج السيارات إلى استبدال الجلود الحيوانية التي تدخل في صناعة دواخل مركباتها إلى أخرى بديلة أقل ضررًا بالبيئة وأكثر إنسانية وهي الجلود النباتية.

إيلاف من برلين: تستخدم شركات صناعة السيارات 20 % من جلود الحيوانات المذبوحة على المستوى العالمي في صناعة دواخل السيارات. ولا بد لهذا القطاع من التحوّل إلى الجلود "الخضراء" أو الجلود "الفيغانية"، بحسب فرانك شميدت رئيس جمعية الرفق بالحيوانات العالمية "بيتا" في ألمانيا. والجلود الخضراء هي جلود متينة تصنع من النباتات أو نفاياتها، وأطلقت "صيحة" التحوّل إلى الكماليات "الفيغانية" في العالم.

إنسانيًا وبيئيًا
دخلت نفايات الطماطم وقشور الأناناس وقشرة جوز الهند بقوة في عالم صناعة الأحذية والحقائب في السنوات الأخيرة. ويفترض أنها تتمتع بكل مواصفات الجلود الطبيعية، فضلًا عن كون منتجاتها أطول عمرًا من منتجات الجلود الحيوانية.

تدعم "بيتا" حملات البحث عن بديل مناسب لجلود الحيوانات التي تستخدم في صناعة الأحذية والحقائب وغيرها، وذلك من منظار إنساني يرمي إلى تقليل ذبح الحيوانات، ومن منظار بيئي، يرى أن عملية دبغ الجلود وتصنيعها تلحق أضرارًا بالغة بالبيئة.

جلود مصنوعة من قشور الأناناس

لا تتعامل منظمات الرفق بالحيوان مع جلود الحيوانات كناتج عرضي لعمليات الحصول على اللحوم، لأن أعمال الذبح تطال من الحيوانات أكثر بكثير من معدل استهلاك اللحوم على المستوى العالمي. هذا ناهيكم عن ملاحقة الحيوانات المهددة بالانقراض سعيًا وراء جلودها.

ذبح مؤلم
تشير أرقام دائرة الإحصاء المركزية الألمانية إلى ذبح 58 مليون خنزير و3.2 ملايين&بقرة في ألمانيا سنويًا سعيًا وراء لحومها وجلودها. وينتهي عمومًا 800 مليون حيوان على موائد الألمان، بينها 630 مليون دجاجة وديك رومي.

وتشكو جمعية "بيتا" من لا إنسانية ذبح الحيوانات، لأن من 3 حتى 12% من أعمال ذبح الخنازير تتم والحيوان غير مخدر تمامًا، وتتراوح هذه النسبة بين 4 إلى 9% في حالة البقر. وهذا يشمل 7.5 ملايين&خنزير يجري ذبحها في ألمانيا.

السيارة الخضراء تتقدم
في مقابلة مع المجلة الألمانية المعروفة "دير شبيغل"، قال فرانك شميدت إن السيارة "الفيغانية" قادمة. وأشار الناشط في مجال الرفق بالحيوان إلى أن العديد من شركات السيارات صار يستجيب لنداء جعل السيارة نباتية.

وتساءل شميدت عن سبب عدم وجود سيارة "فيغانية" في ألمانيا، رغم وجود مليون فيغاني ونحو 8 ملايين نباتي. واعتبر أنه من البديهي أن تتحوّل ديكورات دواخل السيارات إلى الجلود البيئية، طالما أن الجميع يسعى وراء السيارات البيئية التي تعمل على الكهرباء.

استجاب إيلون موستك لدعوات "بيتا" في الولايات المتحدة، وبدأ منذ العام 2017 بتزويد بعض دواخل سيارات تيسلا بالجلود النباتية. كما جرّد موسك مقود سياراته موديل "وايY" من جلود الحيوانات مثلما وعد. وستكون دواخل سيارة "إي موشن" من فيسك بدءًا من هذا العام خالية من جلود الحيوانات.

في ألمانيا، يمكن للزبون الآن أن يطلب من شركة مرسيدس سيارات خالية من جلود الحيوانات من الفئة "أي" و"بي" و"سي". كذلك تفعل الآن شركتا "فولكسفاغن" و"أوبل"، إلا أن ذلك يتطلب رفع السعر بشكل قد يتعذر دفعه من قبل كل زبون. وربما تحوّلت أوبل في بعض أجزاء دواخل سياراتها من فئة "سوف" من الجلود الحيوانية إلى الجلود النباتية، إلا أن القسم الأكبر من دواخلها، وكذلك المقود، لا يزال يستخدم جلود الحيوانات.

أكثر تلويثًا للبيئة
واعتبر شميدت صناعة الجلود ودباغتها من أسوأ ملوثات البيئة على المستوى العالمي. وأشار إلى أن جلود البقر تشكل أكثر من 60 % من الجلود المستخدمة في العالم، وأن البقرة من ملوّثي البيئة بغاز الميثان الذي ينطلق من أمعائها.

فضلًا عن رعاية البقر، التي تؤدي إلى تصحير الكثير من بقاع العالم في الهند والبرازيل وغيرهما، فإن صناعة الجلود تطلق أكبر كميات من الفورمالديهايد والكروم، اللذين يعتبران سامّين للبيئة.

واقع الحال أن استخدام المواد الصناعية، التي تحتوي البلاستيك، في إنتاج دواخل السيارات، لا يقل ضررًا عن غيرها، إلا أنها لا تنتج على حساب ذبح الملايين من الحيوانات. ويتجه العديد من شركات السيارات إلى تزويد سياراته بمواد مصنوعة من قشور الأناناس وبقايا الفواكه المتعفنة وغيرها.

وتشير مصادر جمعية الرفق بالحيوان "بيتا" إلى ذبح 42 مليون حيوان أسبوعيًا في شركة "تايسون فوود" الأميركية وحدها، بهدف الحصول على اللحوم والجلود لاستهلاك الأميركيين. وإذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد من اللحوم على المستوى العالمي 47.7 كغم &سنويًا، يرتفع هذا المعدل إلى 120.2 كغم في الولايات المتحدة، وتأتي الكويت بعدها مباشرة (119 كغم) في قائمة أكثر الدول استهلاكًا للحوم في العالم.

بدائل عديدة
يعرف العالم العديد من البدائل البيئية التي تستخدم النباتات ومنتجات الحيوانات الأخرى (مثل خيوط العنكبوت) الطبيعية في إنتاج جلود "فيغانية" لا تقل متانة وجودة عن الجلود التقليدية.

كانت مصممة الأزياء الإسبانية كارمن هيوسا تبحث عن بديل من الجلود الحيوانية منذ سنوات قبل أن تعثر على بديلها في الفلبين. وكان البديل هو إنتاج مادة تشبة الجلد الطبيعي مصنوعة من ورق وقشور الأناناس الخشنة، وهي مواد كان العالم يتعامل معها طوال قرون كنفايات. المهم في الجلد النباتي الجديد أنه متين وبيئي وأطول عمرًا من الجلود الحيوانية، إضافة إلى أنه رخيص وسهل الإنتاج.

أنتجت هيوسا جلود المقاعد والحقائب والأحذية من بقايا الأناناس، وتقول إنه من الممكن إنتاج كسوة مقاعد السيارات، وديكورات المنازل، من هذا الجلد النباتي. وأطلقت المصممة الإسبانية على جلد الأناناس اسم "بيناتيكس"، وواضح أن اسم الأناناس (الباين إبل) بالإسبانية هو"بين". المهم أيضًا هو أنه من الممكن تلوين الجلد النباتي بالألوان الطبيعية الثابتة لأغراض الاستهلاك.

شركات رياضية تبادر
&بادرت شركة "بوما" الألمانية المعروفة بإنتاج التجهيزات الرياضية، إلى إنتاج نماذج أولية من أحذية رياضية من الأناناس. تهتم بذلك أيضًا شركة إنتاج الأحذية المعروفة "كامبر"، وكذلك مصمم الحقائب العالمي آلي كابيللينو ومصممة&الموضة باتريسيا موور.

اختتم اليابانيون تجاربهم لإنتاج الجلود من زيت السمك والخمائر وخيوط العنكبوت. وتبدو شركات كبرى مثل "نايكي" و"ديور" و "برادا" مهتمة بهذا النوع من الجلود النباتية. وتخطط شرطة "سبايبر" اليابانية لدخول مرحلة الإنتاج الكبير من هذا النوع من الجلد خلال العام الجاري.&

وتشمل قائمة المنتجات الأحذية والحقائب والأحزمة وأغلفة السمارتفون والمقاعد والكنبات. وتجري"سبايبر" تجاربها حاليًا لإنتاج نوع جديد من الجلد النباتي من الشاي الأخضر والسكر، بإضافة نوع خاص من البكتيريا والخمائر.

بعد مشروع إنتاج سيارة كاملة من قشور الطماطم وبذورها (من شركة هاينز الألمانية لإنتاج الكاتشاب)، ومشروع إنتاج المعادن من حليب الصويا، واستخدامها في صناعة أجساد السيارات (شركة فورد الأميركية)، نجح طلاب هولنديون في إنتاج جلود شبه طبيعية من نفايات الفواكه العفنة.

يشار إلى أن مشروع "جلود الفواكه روتردام" حقيقي رغم كل ما قد ينطوي عليه من غرابة، لأن طلبة أكاديمية فيليم مونيغ في روتردام نجحوا في إنتاج حقائب نسائية أنيقة بالتعاون مع بعض أرباب صناعة الكماليات في هولندا. وتقول مصادر الأكاديمية إن الجلود متينة، وطويلة الحياة، وأنيقة، ومن الصعب تفريقها عن جلود الحيوانات الطبيعية.

ربما لن يقتصر الأمر على إنتاج دواخل السيارات من الجلود الخضراء الجديدة، بحسب فرانك شميدت، لأن إنتاج بعض أجزاء جسد السيارة يمكن إنتاجها اليوم من نفايات النباتات بمساعدة تقنية الاستنساخ بجهاز الطباعة المجسم.&


&