يحتفل المصريون حكومة وشعبًا بالذكرى الـ1079 لتأسيس جامع الأزهر وسط حضور جميع قيادات الأزهر ورؤساء الأحزاب والشخصيات العامة ورجال الدولة، يأتي هذا الاحتفال بعد قيام&المملكة العربية السعودية بتحمل تكلفة تجديده وترميمه كاملًا.

إيلاف من القاهرة: احتفل الأزهر، أمس الأحد، بالذكرى الـ1079 عامًا هجريًا على افتتاح جامعه، الذي أقيمت فيه الصلاة للمرة الأولى في 7 من رمضان لعام 361 من الهجرة في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي، حيث يقيم الأزهر احتفالية كبرى، بحضور عدد من كبار العلماء والمسؤولين وقيادات الأزهر.

تضم الاحتفالية عددًا من الفعاليات والأنشطة، التي تعقد على مدار اليوم، وهي: ركن الخط العربي، وركن النور، وركن أفريقيا، وجولات سياحية تعريفية بالجامع الأزهر، فضلًا عن منصة في صحن الجامع تقام عليها ابتهالات وتواشيح وأناشيد وقراءة القرآن، وتقديم الهدايا.

كما شهد الجامع إفطارًا جماعيًّا مفتوحًا لنحو 2500 شخص، ثم أقيمت صلاة قيام الليل، وبعدها يشهد الجامع حفل تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة الأزهر العالمية للقرآن الكريم.

أقامت المنظمة العالمية لمتخرجي الأزهر احتفالية في جميع فروعها على مستوى العالم بمناسبة ذكرى إنشاء الجامع الأزهر، ونظمت المناطق الأزهرية أمسيات دينية في ذلك اليوم في جميع محافظات مصر تحت عنوان (الأزهر... عطاء ممتد لأكثر من 1000 عام). وأعلن المسؤولون عن رواق الأزهر عن فتح الجامع الأزهر أبوابه في يوم الاحتفالية أمام الجمهور ووسائل الإعلام من الساعة العاشرة صباحًا.

الجدير بالذكر أن المجلس الأعلى للأزهر قد وافق برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على اعتبار مناسبة افتتاح الجامع الأزهر في السابع من رمضان عام 361 هـ مناسبة احتفالية في كل عام.

رعاية سعودية
ففي شهر مارس الماضي، شهد افتتاح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية، أكبر وأوسع عمليات الترميم والتطوير التي شهدها الجامع الأزهر على مر تاريخه، الذي تجاوز الألف عام، حيث قدم الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز منحة قدرها 30 مليون جنيه؛ لترميم وتجديد جامع الأزهر، وذلك بعد خروجه من سجلات اليونسكو للمباني التراثية الأثرية، نتيجة عملية ترميم خاطئة، كانت قد بدأت في 1998.

وفي عام 2015 تبنت شركة بن لادن السعودية عملية ترميم الجامع الأزهر، بتكلفة مالية قدرها 30 مليون جنيه. وفي أبريل 2016 زار الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الجامع الأزهر، وتم اعتماد ميزانية لترميم الأزهر واستعادة رونقه الحضاري ومعالجة آثار الترميم الخاطئ، وذلك بإشراف وزارة الآثار.

تجديد كامل
شملت عملية الترميم تجديد المنبر وطلاءه بطِلاء مُذهَب، وتركيب أرضيات رخامية من النوع نفسه المُستخدَم في الحرم المكي الشريف، كما تم فرش الجامع بنوع فاخر من السجاد الأزرق بدلًا من الأحمر، وشملت أعمال الترميم زخرفة الواجهات الداخلية والخارجية للجامع، وترميم الأسقف والنوافذ الخشبية والمشربيات والمآذن، والإضاءة الداخلية والخارجية، وأعمال النقل التلفزيوني، وأعمال مقاومة الحريق، وتأهيل السور الخارجي، وإعادة تنسيق الموقع الخارجي.

كذلك قامت شركة بن لادن بتغيير شبكات الكهرباء وجميع نظم الإنارة، إضافة إلى عمل شبكة صرف أمطار وشبكة صرف صحي جديدة بدلًا من القديمة المتهالكة بأحدث النظم المعروفة حاليًا، وإعادة بناء مبنى دورات المياه ووضع قبة على موضع استكشاف صهاريج المياه تحت الجامع؛ ليكون مزارًا بعد انتهاء عملية الترميم.

قبلة لملوك السعودية
يعد الجامع الأزهر قبلةً لملوك المملكة العربية السعودية، الذين حرصوا جميعًا على مر العصور على أداء الصلاة بداخله. ففي فترة حكم الملك فاروق لمصر في عام 1946 زار الملك عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، الجامع الأزهر، وكانت زيارة تاريخية، حسب ما وصفتها صحف القاهرة وقتها، ولاقت ترحيبًا سياسيًا وشعبيًا كبيرًا. وفي اليوم الثاني من الزيارة قام الملك عبدالعزيز برفقة الملك فاروق بأداء صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، وألقى خطبة الجمعة فضيلة الشيخ مصطفى عبدالرازق شيخ الجامع الأزهر.

وفي يونيو 1971، أدى الرئيس الراحل محمد أنور السادات والملك فيصل صلاة الجمعة في الأزهر الشريف، خلال زيارة الأخير لمصر، بدعوة من الرئيس الراحل أنور السادات، لإجراء مباحثات سياسة مهمة، واستمرَّت الزيارة 7 أيام، قام الملك فيصل بن عبدالعزيز، خلال زيارته لمصر، بصلاة الجمعة في الجامع الأزهر الشريف.

تاريخ الجامع الأزهر
يعد الجامع الأزهر من أقدَمِ المساجد التي تمَّ إنشاؤها في مدينة القاهرة (361هـ، 972م)، ليكون جامعًا وجامعة تدرّس فيه مختلف العلوم والمعارف، وقد بلغ عدد العلماء الذين تولَّوا إمامته منذ تأسيسه حتى الآن 48 شيخًا، على الرغم من أنه أنشئ لغرض نشر المذهب الشيعي عندما تم فتح مصر على يد جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله، أول الخلفاء الفاطميين في مصر.&

إلا أنه حاليًا يدرّس الإسلام حسب المذهب السني، وهو بذلك أول جامع أنشئ في مدينة القاهرة، وهو أقدم أثر فاطمي قائم في مصر، وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه الأزهر تيمنًا بفاطمة الزهراء بنت نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإشادة بذكراها.

اهتمام الملوك
ويعد العصر المملوكي من أزهى وأفضل العصور التي عاشها الأزهر الشريف، حيث تسابق حكام المماليك في الاهتمام بالأزهر طلابًا وشيوخًا وعمارةً، وتوسعوا في الإنفاق عليه والاهتمام به والإضافة إلى بنيته المعمارية.

وفي العصر العثماني فقد أبدى سلاطين آل عثمان احترامًا كبيرًا للمسجد وأهله، بالرغم من مقاومته لهم، ووقوفه مع المماليك خلال حربهم مع العثمانيين، إلا أن هذا الاحترام لم يترجم عمليًا في صورة الرعاية والاهتمام بعمارته أو الإنفاق على شيوخه وطلابه.

إلا أن الجامع خلال تلك الفترة قد أصبح المكان الأفضل لدى عموم المصريين والأول لتلقي العلوم والتفقه في الدين من خلاله، وأصبح مركزًا لأكبر تجمع لعلماء مصر، كما بدأ فيه تدريس بعض علوم الفلسفة والمنطق للمرة الأولى.

مقاومة الاحتلال
خلال الحملة الفرنسية على مصر كان الأزهر مركزًا للمقاومة، وفي رحابه خطط علماؤه لثورة القاهرة الأولى، ونادوا إليها، وتحملوا ويلاتها وامتهنت حرمته، وفي أعقاب ثورة القاهرة الثانية تعرّض كبار علماء الأزهر لأقسى أنواع التعذيب والألم، وفرضت عليهم الغرامات الفادحة، وبيعت ممتلكاتهم وحلي زوجاتهم الذهبية استيفاء لها.&

وعقب مقتل كليبر فجع الأزهر في بعض طلبته، وفي مقدمتهم سليمان الحلبي، وبينما كان الاحتلال الفرنسي يلفظ أنفاسه الأخيرة حتى صدرت الأوامر باعتقال شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي، وهكذا ظلت تخيّم أزمة عدم الثقة بين الأزهر وسلطات الاحتلال الفرنسي حتى آخر أيامه ورحيله عن البلاد.

وبعد انسحاب الفرنسيين من البلاد عيّن محمد علي باشا نفسه واليًا على مصر استجابة للشعب، ويعدّ مؤسس الأسرة العلوية التي حكمت مصر من 1805 إلى عام 1952، وسعى إلى توطيد حكمه من خلال التقرّب إلى علماء الأزهر، وسار على نهجه أبناؤه وأحفاده، والذي كان آخرهم الملك فاروق، الذي تنازل عن العرش الملكي بسبب ثورة 1952، وفي أعقاب ذلك في عام 1961 ووفقًا للقانون الصادر في العام نفسه تمّ إعلان قيام جامعة الأزهر رسميًا وإنشاء العديد من الكليات.

من أشهر العلماء الذين ارتبطت أسماؤهم بالأزهر: ابن خلدون، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وابن تغرى بردي، والقلقشندي، وغيرهم من العلماء.

ذاكرته التاريخية
من جانبه أكد الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف على رواق الأزهر، أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر يحرص على إحياء رسالة الجامع الأزهر العريق، واستعادة جزء مهم من ذاكرته التاريخية والثقافية ليكون مؤسسة علمية وفكرية، تعكف على تأهيل أبناء المسلمين في العالم على الحوار العلمي البناء.

وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد، لـ"إيلاف" إن "جامع الأزهر يحرص على تقديم خدمات متنوعة إلى كل المسلمين في العالم، وهناك العديد من الأنشطة اليي يقدمها الجامع، مثل تشجيع حفظ القرآن الكريم، وخاصة للطلاب الوافدين ولغير الناطقين باللغة العربية، إضافة إلى برنامج تعلم علوم الدين والشريعة، والرد على جميع الاستفسارات الدينية التي تخص المصريين وغيرهم من البلدان العربية والإسلامية".

وأوضح &المشرف على رواق الأزهر أن جامع الأزهر يعد منصة فكرية معتدلة تقوم على منهج الإسلام الوسطي الذي يواجه الأفكار المتطرفة، وتضييق الخناق على أي فكر شاذ أو متطرف، يصدر من جانب التنظيمات الإرهابية.

واعتبر أن جامع الأزهر يعد نموذجًا لتعليم أمور الدين والدنيا في العالم الإسلامي، بل في العالم أجمع، حيث يلقى احترامًا من جميع الدول، وشيخ الأزهر يعتبر شخصية دينية تلقى احترام جميع رؤساء وملوك وشعوب العالم؛ تقديرًا لدور الأزهر في حماية وسطية الإسلام.

&

&