طرابلس: قال خبراء إن رفض المشير خليفة حفتر التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي اقترحته أنقرة وموسكو الاثنين يؤكد تعقيدات النزاع في ليبيا، خصوصا الضغوط الخارجية التي تمارس على الاطراف المتحاربة.

ولم يلتق رئيس الحكومة الذي تعترف به الأمم المتحدة فايز السراج، والمشير حفتر الواسع النفوذ في الشرق الليبي الاثنين وجها لوجه في موسكو لكنهما تفاوضا على اتفاق لوقف إطلاق النار من خلال المسؤولين الروس والأتراك.

وتخوض القوات التابعة للرجلين معارك على أبواب طرابلس منذ تسعة أشهر.

تدعم أنقرة السراج، بما في ذلك عسكرياً بينما يشتبه في أن موسكو تدعم المشير حفتر بالأسلحة والمال والمرتزقة، رغم نفيها ذلك.

وقع السراج على الاتفاق لكن خصمه فاجأ الجميع وغادر دون أن يوقع بعد أن طلب أولاً مهلة للتفكير.

عُرضت مسودة الاتفاق على الخصمين قبل يومين، طبقا لمصادر دبلوماسية ليبية. لماذا توجه المشير حفتر الى موسكو إذا لم يكن ينوي التوقيع؟

اشار عماد بادي، الباحث في "ميدل ايست انستيتوت"، الى فرضيتين في حديث مع وكالة فرانس برس قائلا "إما أنه لم يوقع لأنه شخصياً قرر عدم القيام بذلك، مهما كانت النتائج. او ان أحد حلفائه قرر دعمه إذا لم يوقع".

ديكتاتور

لكن عبد القادر الرحيبي المحلل السياسي الليبي كان أكثر صرامة.

وقال "رفض حفتر توقيع الاتفاق الدائم لوقف إطلاق النار ليس لعدم رغبة منه، لكن يعرف الجميع أن حكومات عواصم أربع دول (أبوظبي والرياض والقاهرة وباريس)، هي الداعم الفعلي لحملته العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي عدم توافقها بشأن التوقيع يجعل رفضه منطقيا".

وتابع الرحيبي "هذه الدول طالبته باستمرار حملته العسكرية في طرابلس مقابل زيادة الدعم السياسي والعسكري، وهو رهان خاسر لأنه يجعل الأقطاب المناوئة ترفع من وتيرة دعمها لحكومة الوفاق، وتصبح الحرب في ليبيا أكثر دموية من السابق".

على سبيل المثال، تنظر مصر بعين الارتياب الى تدخل تركيا، خصمها الاقليمي في ليبيا.

وفي هذا السياق، اعتبر زياد عقل الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، ان مصر "ترفض أي توافق أو تصالح بين الطرفين قد يتضمن تواجدا تركيا في المشهد الليبي".

واشار الى وجود ضغوط مصرية على حفتر في هذا الشأن من خلال "تصرفات الدولة المصرية على المستوى العسكري والتفاعل السياسي".

من جهته، كتب السفير البريطاني السابق لدى ليبيا بيتر ميليت على تويتر ان "حفتر ومن يدعمه يعتقدون أن بإمكانه الانتصار عسكريا".

لكن إذا كانت هناك حاجة إلى دليل آخر على مدى التعقيدات في القضية، فإن بادرة حفتر يتم تفسيرها بشكل مختلف تماما بواسطة محمد الجراح وهو محلل ليبي آخر.

وقال في هذا الصدد ان المشير حفتر "من خلال خطوته، يبرهن أنه لا يتقيد بانصاره ومؤيديه المتعاطفين معه. لا القاهرة ولا أبو ظبي ولا موسكو".

بدوره، اعتبر جوناثان واينر الخبير بمركز "ميدل ايست انستيتوت" والمبعوث الخاص السابق لواشنطن في ليبيا على تويتر ان ما "ما لاحظته وما أبلغني اياه كبار المسؤولين في الدول الأجنبية التي دعمته في السابق. فان الديكتاتور ليس ملكا لأحد".

ثمن كبير

بعد أن اتهمه معارضوه بالرغبة في تأسيس دكتاتورية عسكرية، سيطر حفتر، بعد أن احكم قبضته على شرق ليبيا، على عدة مناطق في الجنوب من خلال شراء تأييد القبائل المحلية. ثم شن في نيسان/أبريل هجوما على طرابلس بهدف السيطرة على مركز السلطة.

تقول فيديريكا سايني فاسانوتي، من معهد "بروكينغز" إن ثمن هذه الحملة قد يكون "كبيرا جدا" بالنسبة للمشير.

وتضيف انه عند التوقيع على السلام، "سيكون مدينا للدول الأجنبية التي دعمته، وخصوصا سكان الجزء الشرقي" من البلاد.

وتوضح فاسانوتي "تنتظر عائلات شرق ليبيا التي فقدت أطفالها في هذه الحرب إجابة واضحة من حفتر الذي يمكنه إنهاء مغامرته بالنصر، أقله على الورق. لانه بدون ذلك، سيكون من الصعب جدًا عليه العودة" إلى الشرق.

لكن محللين آخرين لا يستبعدون وجود اتفاق سري بين أنقرة وموسكو غير ملائم لحفتر ومؤيديه.

تقول كلاوديا غازيني من مجموعة الازمات الدولية "يمكن أن يكون لدى الدولتين اتفاقية ’تحت الطاولة’ لإعادة تشكيل سياسي محتمل في ليبيا" لصالح زيادة نفوذ أنقرة وموسكو.

بصرف النظر عن المكاسب الجيوسياسية وامتيازات الحصول على النفط الليبي، تأمل روسيا في إيجاد سوق لأسلحتها وقمحها. كما لتركيا أيضا أهدافها في مجال الطاقة بفضل اتفاقية موقعة مع حكومة السراج.

تعرضت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا لانتقادات حادة خصوصا في اليونان ومصر وقبرص لأنها تسمح لأنقرة بالقول ان لها حقوقا في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط.