إسماعيل دبارة: حضّ الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أيضا الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، كوادر حزبه على الترشح والمشاركة في اختيار اعضاء البرلمان (مجلس الشعب) المقرر في 19 يوليو المقبل.

وفي كلمة مكتوبة للأسد، وجهها إلى أعضاء حزبه، مع بدء الحراك المتعلق بالترشح لـ"مجلس الشعب"، اعترف الرئيس السوري بأخطاء ارتكبها حزب البعث الذي يحكم منذ ستينات القرن الماضي، وأدت إلى تراجع دوره، على حدّ تعبيره.

وتأتي كلمة الأسد المكتوبة التي نشرتها صفحة حزب البعث على فايسبوك يوم الاثنين، واطلعت "إيلاف" على نسخة منها، في وقت يدخل فيه قانون العقوبات الأميركي الذي يعرف اختصاراً باسم "قانون قيصر" حيز التنفيذ في 17 يونيو الحالي.

يهدف هذا القانون إلى حرمان النظام من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأس مال سياسي لتكريس وتعزيز فرص بقائه في السلطة الى أجل غير مسمى، كما يهدف إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الأسد ومحاصرة ومعاقبة حلفائه بغية إجباره على القبول بالحل السياسي للأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2254.

انتخابات داخلية لحزب البعث السوري - صور من صفحة الحزب على فايسبوك

وبدأت تداعيات قرب تطبيق قانون "حماية المدنيين في سوريا" الذي اعتمدته واشنطن تظهر جلية، إذ تسبب بأزمة اقتصادية وإنسانية خانقة داخل سوريا وموجة خوف وقلق لدى قطاع واسع من رجال الأعمال والتجار اللبنانيين وغيرهم ممن يتعاملون مع سوريا، كما خرجت تظاهرات منددة بالنظام في مدن تُعرف بشدة ولائها له.

وقال الأسد في رسالته متحدثا عن حزب البعث العربي الاشتراكي: "حزبنا حزب عريق بتاريخه وتجربته الطويلة والغنية، والتي أنضجتها سنون النضال على الساحتين الوطنية والقومية.. وإن كانت تلك السنون قد حفلت بمحطات مضيئة من الفكر والتضحية والبناء، فهي لم تخلُ من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الأحزاب، والتي أدت الى تراجع دور الحزب في بعض المراحل، والإساءة إلى صورته في مراحل أخرى".

وأشار الأسد في معرض انتقادات غير معتادة، إلى "عزوف البعض عن الانخراط في تحمل المسؤوليات الوطنية والحزبية وخسارة العديد من الكوادر الكفوءة التي رأت في تلك الأخطاء ابتعاداً عن أخلاقيات حزبنا وقيمه، وربما انحرافاً عن أهدافه".

وأشار أيضا إلى أن "غياب الآليات والمعايير الموضوعية شكّل بعض الخلل في العلاقة بين القيادة والقاعدة داخل الحزب، وكان عقبة تسببت في انكفاء القواعد عن تحمل مسؤولياتها، وبالتالي غيابها -أو تغييبها- عن ممارسة حقها وواجبها في الترشح والانتخاب والمشاركة في إيصال القيادات الكفوءة لتمثيلها في المواقع الحزبية أو في المؤسسات الوطنية المنتخبة".

ومضى الأسد شارحا السلبيات والنواقص داخل حزبه دون أن يحمّل نفسه أي مسؤولية عنها بصفته أمينا عاما للبعث، بالقول: "أدى (ذلك) الى حالة من الركود الحزبي على المستوى الفكري والإجرائي لم يكسر جمودَه سوى محاولات الكثيرين من كوادر الحزب الحريصة عليه والمتمسكة بمبادئه إعادة الحيوية للحياة الحزبية انطلاقاً من إيمانهم بعقيدته ووعيهم لدوره الوطني والقومي".

وبرّر الرئيس السوري ما يجري داخل حزبه بأن "الحفاظ على الوطن وما زال هو الهدف الأسمى والهاجس الأكبر".

وقال إنّ "الأحزاب العريقة لا تستسلم للظروف ولا تخضع للتقلبات، وتبديل الأولويات لا يلغي الأساسيات، فخوض الحروب بأنواعها المختلفة العسكرية والاقتصادية والإعلامية النفسية، بحاجة الى عقيدة قوية، والعقيدة بحاجة الى فكر، والفكر بحاجة الى مؤسسات تستند إلى إجراءات تحافظ عليها وتطورها".

وحض في رسالته على "توسيع مشاركة القواعد الحزبية في اختيار ممثليهم لمجلس الشعب"، مشددا على أنّ "القيام بهذه الخطوة في هذه الظروف إنما يدل على الحيوية العالية وروح التجدد التي تميز ويتميز بها الحزب.. هذه الخطوة الضرورية لتجديده تنظيمياً وعقائدياً، والتي تشكل الرد الموضوعي والساطع على من وصفوه بالشمولية والتكلس والانفصال عن روح العصر".

وكان الأسد قد أجّل في مايو الماضي انتخابات مجلس الشعب السوري (البرلمان) إلى 19 يوليو 2020، على خلفية تفشي فيروس كورونا.

كما أصدر الأسد الخميس الماضي، مرسومًا بتكليف حسين عرنوس ، رئيسا لمجلس الوزراء السوري وإعفاء رئيس مجلس الوزراء السابق، عماد محمد ديب خميس، من منصبه.

ويذكر أن مظاهرات حاشدة خرجت في "درعا والسويداء وحلب وريف دمشق" احتجاجًا على تردي الأوضاع المعيشية وطالبت بإسقاط الأسد ورحيله، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي تعم مناطق سيطرته.

وتأتي الاحتجاجات في وقت تواصل فيها الليرة السورية هبوطها الكبير أمام الدولار، مسجلة أدنى مستوى لها في تاريخها، بعد أن تجاوز سعر صرف الدولار 3200 ليرة بالسوق السوداء، وبهذا يرتفع سعر صرف الدولار بأكثر من مئتين في المئة مقابل الليرة منذ مطلع العام الجاري.

وكان الدولار يساوي 45 ليرة عام 2011، وهو الذي انطلقت فيه الثورة ضد نظام الأسد.

وأدى هذا إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت فيما الطوابير أمام المخابز طويلة وغاب العديد من السلع عن السوق.

ويعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر. وخلّفت الحرب االمستمرة منذ 2011 طبقة جديدة من تجار الحروب الذين راكموا ثروات طائلة وباتت هذه الفئة الصغيرة تتحكم بمعظم ما تبقى من نشاط اقتصادي في البلاد، بحسب تقارير دولية.