تجتاح بيلاروسيا احتجاجات شعبية، أشعل فتيلها انتخابات يعتقد على نطاق واسع بأنه تم التلاعب بها لصالح الرئيس الحالي الذي يحكم البلاد منذ فترة طويلة ألكسندر لوكاشينكو.
يعتبر حجم المسيرات المعارضة في بيلاروسيا غير مسبوق: فقد جاب أكثر من 100000 شوارع العاصمة مينسك في السادس عشر من أغسطس/آب الجاري، بينما كانت المسيرة لصالح لوكاشينكو أقل حجما.
وبعد أسبوع شهد وقوع صدامات عنيفة مع متظاهري المعارضة، والعديد من المزاعم الخاصة بوحشية الشرطة، ومواكب للنساء بلباس أبيض مع الورود وإضرابات عن العمل في كبريات المؤسسات الحكومية، دعونا نلقي نظرة على كيفية تطور الأحداث هناك.
كيف كان الوضع قبل الانتخابات؟
يتولى الرئيس لوكاشينكو، وهو أول الزعيم بقاءَ في منصبه في أوروبا، رئاسة بيلاروسيا منذ 26 عاماً، حيث وصل إلى السلطة في عام 1994 وسط حالة الفوضى التي نجمت عن انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
لقد حاول لوكاشينكو، الذي نظر إليه باعتباره حاكماً مستبداً، الحفاظ على عناصر الشيوعية السوفيتية. فالجانب الأكبر من قطاع التصنيع ظل تحت سيطرة الدولة، كما أن القنوات الإعلامية الرئيسية حافظت على ولائها للحكومة. وحتى أن جهاز الشرطة السرية القوي لا يزال يسمى بـ "كي جي بي".
في الوقت نفسه، حاول لوكاشينكو أن يظهر نفسه كقومي صارم بأسلوب مباشر، يدافع عن بلاده ضد النفوذ الأجنبي الشرير، وكضامن للاستقرار.
هذه العوامل منحته- حتى الآن- دعماً راسخاً وقوياً، مع أن الانتخابات في عهده لم تعتبر أبداً حرة أو نزيهة.
لكن الطريقة التي ينظر بها إليه تغيرت في الأشهر الأخيرة. وقد لاحظ سياسيو المعارضة هذا التغير في المزاج، مع تذمر الناس من انتشار الفساد والفقر وغياب الفرص وانخفاض الأجور.
وهذا الوضع تعقد أكثر بفعل أزمة فيروس كورونا.
خصوم لوكاشينكو اعتبروا تبجحه بشأن الفيروس، اقترح محاربته بالفودكا وحمامات الساونا والعمل الجاد، بأنه تهور وعلامة على بعده عن الواقع.
ثم أدت حملة القمع بحق المعارضين قبيل الانتخابات الرئاسية، بسجن اثنين من المرشحين المعارضين للرئاسة وفرار مرشح ثالث إلى خارج البلاد، إلى تشكيل تحالف قوي بين ثلاث نساء شاركن عن كثب بحملات أولئك المرشحين.
ما الذي جرى في الانتخابات؟
إحدى المرشحات الثلاث وهي سفتلانا تيخانوفسكايا، سجلت ترشحها مكان زوجها المعتقل سيرغي تيخانوفسكايا.
قامت مدرسة اللغة الإنجليزية البالغة من العمر 37 عاماً مع حليفتيها بجولة في البلاد، جذبت خلالها أعداداً قياسية من الحشود الذين يشعرون بالإحباط بسبب غياب التغيير السياسي.
جاء يوم التصويت وسط مخاوف واسعة النطاق في أوساط المعارضة من حدوث عمليات تزوير محتملة. وفي ظل عدم دعوة أي من المراقبين المستقلين، فإن هذه المخاوف بدت في محلها فقد جرى توثيق عدد من التجاوزات الواضحة.
أغلقت صناديق الاقتراع ونشرت نتائج استفتاء خروج الناخبين والتي تشابهت تماماً مع النتائج التي يفترض إعلانها اليوم التالي- والتي تشير إلى أن لوكاشينكو فاز بنسبة 80% من الأصوات بينما حصلت السيدة تيخانوفسكايا على حوالي 10% فقط من الأصوات ، بحسب تلك الاستطلاعات.
تلك النتائج حصلت في وقت لاحق على المصادقة الرسمية من قبل السلطات، لكن مرشحة المعارضة الرئيسية أكدت على انها حصلت على ما بين 60-70% من الأصوات في الأماكن التي جرى فيها عد الأصوات حسب الأصول.
وسرعان ما خرجت مشاعر عدم التصديق والغضب على ما بدا تلاعباً وقحاً بالنتائج إلى الشوارع.
المواطنون يواجهون الخوف
وفي الليلة التي أعقبت الانتخابات، أدت الصدامات العنيفة إلى اعتقال 3000 شخص في مينسك ومدن أخرى. وقامت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وقنابل الصوت، التي لم تشاهد سابقاً في بيلاروسيا، وذلك من أجل تفريق الحشود.
وشهد المزيد من ليالي العنف اعتقال 3700 شخص آخرين في جميع أنحاء البلاد.
وفي اليوم الذي تلا يوم الانتخابات، حاولت السيدة تيخانوفسكايا التقدم بشكوى للسلطات المشرفة على الانتخابات حول تزوير النتائج. فجرى احتجازها لمدة سبع ساعات ثم أجبرت على مغادرة البلاد إلى ليتوانيا، حيث كانت قد أرسلت أطفالها إلى هناك في وقت سابق.
وفي خطاب مصور مشحون بالعاطفة وجهته إلى أنصارها، قالت إنها بالغت في تقدير قوتها وإنها غادرت البلاد من أجل أطفالها.
وفي وقت لاحق، اقترحت تشكيل "مجلس تنسيق" للتعامل مع انتقال السلطة، وسيتألف المجلس من "نشطاء المجتمع المدني، ومواطنين محترمين ومهنيين".
وفي خطاب مصور جديد من ليتوانيا في 17 أغسطس/ آب، قالت إنها مستعدة لقيادة بيلاروسيا إلى حين إجراء انتخابات جديدة، وحثت عناصر قوات الأمن على تغيير موقفها.
كيف تطورت الاحتجاجات؟
خلال الصدامات التي أعقبت الانتخابات ظهرت تفاصيل حول وحشية الشرطة المزعومة، حيث تعرض المعتقلون للضرب المبرح وأجبروا على تحمل الاكتظاظ الشديد في السجون.
الكثيرون منهم سعوا للحصول على مساعدة طبية ونشروا صور إصاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تم إطلاق سراحهم.
هذا الوضع أسفر عن موجة جديدة من المظاهرات. فقد تجمع أصدقاء وأقارب في مراكز الاحتجاز مطالبين بمعرفة الأخبار عن المعتقلين، وقامت نساء يرتدين الأبيض ويحملن الورود بشبك الأيدي والمشي في مسيرات عبر الشوارع.
وفي المؤسسات الكبرى المملوكة للدولة في أنحاء البلاد، طلب العمال إجوبة من المدراء والمسؤولين المحليين حول المخالفات الانتخابية ومعاملة المحتجين. والبعض منهم دعا إلى الإضراب وانضموا إلى المحتجين.
في 17 أغسطس / الجاري، توقف موظفو التلفزيون الحكومي عن العمل وخرجوا من أماكن عملهم، وانضموا إلى الاحتجاجات ضد إعادة انتخاب لوكاشينكو. وفي وقت سابق، حصلت العديد من الاستقالات رفيعة المستوى في التلفزيون. وفي السابق كانت القناة التلفزيونية تتبع خط الحكومة فيما يتعلق بالانتخابات والاحتجاجات.
وقوبل لوكاشينكو بصيحات الاستهجان من قبل العمال المضربين لدى زيارته لأحد مصانع الجرارات الزراعية.
وقد استقال عدد من المسؤولين، بالإضافة إلى ضباط شرطة حاليين وسابقين. وأعلن سفير بيلاروسيا لدى سلوفاكيا إيغور ليشينيا عن تضامنه مع المحتجين. وقام مدير أحد نوادي كرة القدم البارزة في بيلاروسيا برمي زيه القديم للشرطة في صندوق النفايات تعبيراً عن اشمئزازه مما يجري كما أعلن اللاعب الدولي لكرة القدم إيليا شكورين أنه لن يلعب في فريق بلاده حتى يتنحى الرئيس عن منصبه.
التعليقات