إيلاف من لندن: في لقاء عبر الاتصال المرئي، برعاية منتدى الفكر العربي في عمّان، ناقش مثقفون عرب مهجريون مشكلات الهجرة والاندماج في المجتمعات الجديدة في دول الغرب.

وأكد عدد من المشاركين إن اليمين المتطرف ومحركات الإنترنت والسوشال ميديا تساهم في صناعة الكراهية وأن الخوف من اضمحلال الهوية الثقافية يعيق الاندماج.

وبتنظيم من منتدى الفكر العربي وبمشاركة عدد من المثقفين الإعلاميين والأكاديميين والباحثين العرب في كل من أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا، عقد لقاء عبر الاتصال المرئي، يوم الأربعاء الماضي، بعنوان "الهجرة: معضلة الاندماج في المجتمعات الجديدة".

وحاضرت في اللقاء الإعلامية والباحثة علا بياض رئيسة تحرير مجلة "عرب أستراليا" في سيدني حول هذا الموضوع، وشارك في مداخلات هذا اللقاء الذي أداره وزير المالية الأسبق والأمين العام للمنتدى د. محمد أبوحمور، كلٌّ من : المهندس عماد عبد الله عضو مجلس إدارة هيئة المهندسين في هيوستن، تكساس في الولايات المتحدة وعضو المنتدى، وجاكلين سلام الكاتبة والإعلامية والمترجمة المتخصصة في شؤون اللاجئين من تورنتو بكندا، وخلدون ضياء الدين الأستاذ في جامعة زيوريخ للعلوم التطبيقية بسويسرا وعضو المنتدى، وبسمة فايد الباحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب في سيدني بأستراليا.
حقوق الجميع
وأبرز اللقاء أثر اليمين المتطرف في الغرب ومحركات الإنترنت والسوشال ميديا بصناعة الكراهية، وارتفاع معدلات الهجرة إذ يشكل المهاجرون الدوليون حسب تقرير للأمم المتحدة 3,5% من إجمالي عدد سكان العالم، فيما 80% من اللاجئين في العالم هم مسلمون.

وأوضح مشاركون أن القوانين تضمن حقوق الجميع، والمهاجر هو مَن يوجد الانطباعات الحسنة عن نفسه وثقافته، بيد أن ضحالة المعرفة بالثقافة الأصلية نتيجتها الانفصام في مواجهة الصدمة الثقافية، وأن الخوف من اضمحلال الهوية الثقافية يعيق الاندماج، وكذلك الإعلام وعدم الثقة لدى الطرف الآخر، وطالب بعض المشاركين بضرورة معالجة مشكلات الهجرة غير الشرعية وآثارها على مختلف المستويات، ومنها الاجتماعية ولا سيما أن 40% من اللاجئين هم أطفال.

الهجرة
وتناولت رئيسة تحرير مجلة "عرب أستراليا" علا بياض، الاهتمام الدولي والإقليمي بقضية الهجرة، وخاصة في أستراليا وكندا والولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك في إفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الشرق الأوسط، وقالت: إن هذه القضية احتلت صدارة اجتماعات أممية وإقليمية، وأصبحت ورقة سياسية هامة في الانتخابات وبرامج الحكومات والأحزاب السياسية، كما أنها قضية خضعت إلى الكثير من التسييس.

كما تناولت تاريخ الهجرة في عالمنا المعاصر منذ عام 1945، وأسبابها، وأنواعها. وتطرقت إلى تعديل قوانين الهجرة ودوافعها في أستراليا وبعض الدول الأوروبية؛ مشيرةً إلى أن هذه الظاهرة التاريخية تسهم في إعمار الأرض والتلاقح الثقافي وبناء حضارة إنسانية مشتركة.

وقالت الإعلامية علا بياض: إن هنالك أربعة أنماط أو مستويات للتفاعل والتأقلم حضارياً وثقافياً واجتماعياً في مجتمعات الهجرة والبيئة الجديدة، وهي العزلة الاختيارية، والتهميش، والاندماج، وأخيراً الاستيعاب والانصهار.

ويعد اندماج المهاجرين هدف تسعى إليه الدول المستقبِلة للهجرة، فيما ظهر في الجاليات تياران رئيسيان، أوّلهما تقوده أقلّيّة نشطة، تنادي برفض الغرب ‏الذي تعيش فيه، وتدعو إلى مقاومة ثقافته والانعزال عنه. وثانيهما، يمثل الأكثرية، ويرفض جوانب في ثقافة الغرب، ‏لكنه مستعد للتعامل معها، والعيش في ظلّها، شريطة أن يحتفظ بثقافته، ويطلب من ثقافة الأغلبية الأصلية ‏احترام ثقافته.

الاندماج الاجتماعي
وبيّنت علا بياض عوائق الاندماج الاجتماعي للمهاجرين من حيث صعوبة وانخفاض فرص العمل، وصعوبة تعلم اللغة، والتقوقع الاجتماعي، والتقوقع الديني؛ مشيرةً إلى ظاهرة اليمين المتطرف في دول الغرب، ورغم اختلاف مستوى هذه الظاهرة من دوله لأخرى، إلا أن أبرز سماتها معاداة الأجانب، ورفض الهجرة، والعداء للإسلام والمسلمين فيما عُرف بـ"الإسلاموفوبيا"، وتصاعد فكرة القومية، وكلها سمات للدفاع عن الهويه الوطنية والتقاليد التاريخية استناداً إلى رؤية دولة أحادية العرق، ويرى اليمين المتطرف في الهجرة والمهاجر تهديداً لهويته الاجتماعية، وسبباً لمشكلات اجتماعية، ولإضفاء قابلية على خطابه العنصري والمعادي للأجانب في حقيقته، طوّر اليمين المتطرف خطابه ضد الهجرة لإكسابه حجة أقوى لدى قطاعات أوسع من المواطنين الأوروبيين.

التعددية
وقالت بياض في: ما تحتاجه الدول المستقبِلة للهجرة هو تعزيز سياسات الاندماج الاجتماعي، وسياسة التسامح، في مجتمعات متعددة الأعراق والأديان، تقوم على مبدأ تقبل الآخر؛ مشيرةً إلى استغلال اليمين المتطرف للعمليات الإرهابية التي يتورط فيها بعض أبناء المهاجرين أو اللاجئ، وقد نجح اليمين المتطرف كثيراً في صناعة الكراهية وفبركة الأخبار، إلى حد أصبح الخطاب اليميني يؤثر في أجندات عمل الأحزاب السياسية والانتخابات، والتي كان ضحيتها المهاجر في الغالب، كما أن محركات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تتحمل المسؤولية في تنامي خطاب التطرف.

مهاجرون دوليون
وقال الوزير الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور: إن عوامل عدم الاستقرار السياسي والحروب والنزاعات المسلحة وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أدت إلى تفاقم معدلات الهجرة خلال العقود الماضية، وأصبح المهاجرون الدوليون وفق تقارير الأمم المتحدة يشكلون ما نسبته 3,5% من إجمالي سكان العالم، وتستضيف أوروبا أكبر عدد من هؤلاء المهاجرين بما يصل إلى 82 مليوناً، فيما يعد أكبر عدد للمهاجرين على مستوى دولة واحدة هو في الولايات المتحدة بما يقدر 51 مليوناً.

لاجئون مسلمون
وأضاف د. أبوحمور أن حوالي 80% من اللاجئين في العالم هم من المسلمين، وأن 41 صراعاً مسلحاً مما مجموعه 49 من الصراعات في العالم حدثت في دول عربية وإسلامية. وقال: إن أنسنة الأرقام والإحصائيات في موضوع الهجرة توضح قضايا عميقة الأهمية تبدأ من أزمة الاغتراب النفسي والثقافي والروحي، عدا الاغتراب الجسدي، كما تُبرز أزمة الهوية الثقافية، والتعامل مع ثقافة مجتمعية ونُظم حياتية وقانونية جديدة ومفاهيم مختلفة، تجعل الإنسان المهاجر يعيش أزمة تهدد بالانفصال عن الجذور والموطن الأصلي ومحاولة التأقلم مع البيئة الاجتماعية التي هاجر إليها والاندماج فيها.

وأوضح المهندس د. عماد عبد الله عضو مجلس إدارة هيئة المهندسين في هيوستن، أن السلطات الأميركية ترحب بالهجرة القانونية، لكنها عازمة على الحد من الهجرة غير الشرعية. وأضاف أن السياسة الخارجية تتم من قبل الحكومة وأن المواطنين لا تعنيهم هذه السياسة كثيراً، وأن الجيل الثاني من المهاجرين يجدون الاندماج أسهل عليهم مما كان عليه الأمر لدى الجيل الأول، وأن المجتمعات الرأسمالية متقدمة جداً، ويجب على المهاجر أن يعرف القوانين المتعلقة بالتوظيف والعمل والحماية الاجتماعية والتأمين الصحي خصوصاً.

انطباعات
وأشار عبد الله إلى أن العمل متاح نسبياً، وتتطلب الأعمال الحرة رأس مال كبير، والحصول على خبرة جديدة في إدارة الأعمال حتى لا ينتهي المهاجر إلى خسارة رأسماله.

ويعتمد التوظيف على الكفاءة ولا علاقة له بالتمييز بين مهاجر أو غيره، فالقانون يحفظ حقوق الجميع، كما أن العلم متاح وطلبه محبب في المهجر؛ مؤكداً أهمية أن يكون المهاجر منفتحاً على الجوانب الإيجابية للثقافة الجديدة في المجتمع الذي يستقبله، وقال: إن الثقافة العربية قوية ومتجذرة منذ آلاف السنين ولا خوف عليها، والمهاجر بإمكانه أن يوجد الانطباعات الحسنة عن نفسه وعن ثقافته، لكن عليه أن يفكر بشأن مدى استعداده للتأقلم مع المجتمع الجديد الذي سيعيش فيه، ويقيم ما لديه بشأن تبرير الهجرة وإمكانات القيام بها مادياً وعاطفياً.

عملية الاندماج
وقال الأستاذ في جامعة زيوريخ للعلوم التطبيقية بسويسرا خلدون ضياء الدين: إن كون الهجرة اختيارية أم إجبارية يؤشر إلى مدى نجاح عملية الاندماج الاجتماعي للمُهاجر، فكثيرون يأتون إلى بلد الهجرة دون اختيار منهم للمكان، مما يجعل التهيئة النفسية لهم سيئة أو ليست كما ينبغي، وانتمائهم إلى المكان الجديد ضعيف جداً، مع الأخذ بالاعتبار أن عقليات المهاجرين مختلفة، فيما يحتاج المهاجر إلى الاستعداد العلمي والمادي، ومعرفة سياسة البلد الذي يهاجر إليه، واستيفاء المتطلبات الإدارية من حيث أن تكون لديه وثائق صحيحة.

وأشار ضياء الدين إلى جملة من العوامل التي لا تساعد على الاندماج، ومنها نقل الخلافات من المواطن الأصلية إلى مجتمعات الهجرة، وعدم معرفة كيفية استخدام مساحات الحرية في المهجر، كما أن ضحالة المعرفة بالثقافة الأصلية نتيجتها حالة من الانفصام عند مواجهة الصدمة الثقافية الجديدة، وهناك مَن أصبحوا متدينين في المهجر ولم يكونوا في الأصل كذلك، مما يؤدي أحياناً إلى التعصب غير المنطقي واللاعقلانية من الناحيتين الشرعية والاجتماعية. فضلا عن أن البعض اعتادوا أن تتخذ حكوماتهم القرارات عنهم، بينما في الغرب الفرد يكون حراً في قراره ما دام لا يخالف القانون، إضافة إلى مشكلات الاندماج الناتجة عن عدم استيعاب كيفية التعامل في مجتمعات المدن الضخمة بالغرب من عقليات لم تعتد العيش في هكذا مدن أو لا تزال تحمل تصورات أقرب إلى الريفية.

عوائق
وتناولت الكاتبة والإعلامية والمُترجِمة جاكلين سلام من تورنتو بكندا عوائق الاندماج الاجتماعي لدى المهاجرين ولدى الطرف الآخر أيضاً، وقالت: إن المهاجر أحياناً يأتي بفكرة مسبقة عن المجتمع الجديد مما يجعله خائفاً من اضمحلال هويته الثقافية، وهذا يدفع به إلى التقوقع على نفسه، والمحافظة بشدة على كل طقوسه وتقاليده، وعلى الوجود في دائرة المكان الجغرافي الذي يسكنه، مما يؤثر على تعلّم اللغة وعلى التفاعل الإيجابي مع الآخر. ومن جهة أخرى هنالك المعيق الذي يمثله الطرف الآخر بحكم الإعلام وبعض المجريات التاريخية والصورة المسبقة عن العرب والمهاجرين، مما يتمثل في الريبة وعدم الثقة بالمهاجر.
وأضافت جاكلين سلام أن الاقتلاع من المكان الأصلي والتجزؤ في الأرض الجديدة معادلة صعبة تأخذ وقتاً، وهذا الوقت يكون أحياناً على حساب الفرد المهاجر نفسه، الذي يخسر مهارته الأكاديمية، وتتدهور حالته النفسية، وتتشابك قضاياه الفردية مع وضعه الاجتماعي والعائلي وتزداد تعقيداً. كما أن الفرد يتعامل مع لغة جديدة وثقافة مختلفة ومهارات وتدريب يتفق وأبجدية العمل في المجتمع الجديد، وهذا كله يحتاج إلى وقت وجهد.

تهريب الإرهابيين
وتطرقت الباحثة بسمة فايد من المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب في سيدني بأستراليا، إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وأشارت إلى أن مهربي البشر استطاعوا تهريب الإرهابيين بين أفواج المهاجرين مقابل مبالغ طائلة، وأن قضية الهجرة بحسب - المفوض السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة - تعد قضية عالمية تعني جميع الدول، لكنها تمثل تحدياً مباشراً بدرجة أكبر للدول الفقيرة؛ داعيةً إلى تكاتف الدول من أجل معالجة أزمة الهجرة بما في ذلك تفهم الدوافع الاقتصادية والسياسية للهجرة، مما يتطلب التعاون للقيام بمشاريع تنموية لمعالجة مشكلات البطالة في الدول المُصدّرة للاجئين.

كما أشارت بسمة فايد إلى أن أوروبا استقبلت عام 2015 أكثر من مليون شخص فروا من مناطق الصراعات، ما دعا الاتحاد الأوروبي إلى تشديد تدابير المراقبة على الحدود ووضع خطة سمّيت "إعادة التموضع" لتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد، لكن هذه الخطة بقيت حبراً على ورق، وسجلت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود "فرونتكس" 31600 شخص عبروا الحدود بطريقة غير قانونية بين شهري يناير ومايو 2020، مشيرةً إلى أن عدد اللاجئين في العالم حسب أرقام الأمم المتحدة لعام 2019 بلغ 79,5 مليون شخص، وأن الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من هؤلاء تصل إلى 40% من إجمالي عدد اللاجئين.