إيلاف من أبوظبي: بينما يزداد يقين أغلبية المراقبين للانتخابات الإيرانية بأن المرشح المفضل بالنسبة للمرشد الإيراني والمؤسسة العسكرية الإيرانية إبراهيم رئيسي سيفوز بالانتخابات المزمع إجراءها بعد أيام، تتفاقم هواجس القواعد الاجتماعية الإيرانية حول ما قد يجره فوز هذه الشخصية المتشددة بمنصب رئيس الجمهورية من تبعات على علاقات وسلوك إيران الإقليمي والدولي، وما يمكن أن ينتهجه من سياسات اقتصادية واجتماعية وفي مجال الحريات.

طوال الأسبوع الماضي، كان المغردون الإيرانيون المشهورون على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا من النساء والشباب والشخصيات المدنية والثقافية والفنية، قد رفعوا سقف توقعاتهم المتشائمة في ذلك الاتجاه، مذكرين بأن إيران ستشهد "مرحلة أفظع من سنوات نجاد"، في إشارة إلى سنوات الحكم الثمانية (2005-2013) التي قضاها الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد في الحكم، مسح خلالها آثار عملية الإصلاح التي كان سلفه محمد خاتمي (1997-2005) قد خطّ بعض ملامحها، وفقًا لما جاء في تقرير نشره موقع "سكاي نيوز عربية".

سياسيا، توقع الناشطون الإيرانيون فشل عمليات التفاوض الإقليمية والدولية التي تخوضها إيران راهنا، فالعلاقة "التواصلية" بين المرشد والرئيس الحالي حسن روحاني طوال السنتين الماضيتين، كانت تسمح لهذا الأخير بإقناع المرشد ببعض الليونة تجاه هذه الملفات، لأن الرئيس روحاني كانت من أكثر مسؤولي البلاد اعترافا بالتأثيرات المريعة للعقوبات على بلاده، وهو أمر لن يكون في عهد هذا المرشح شبه الفائز.

الباحث السياسي الإيراني رجب الله فرهادي، شرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" دلالات ذلك التحول المتوقع خلال الأسبوعين الماضيين: "بالرغم من وجود مفاوضات إيرانية على الجبهتين الإقليمية والدولية، وهو أمر من المفترض أن يدفع نحو تهدئة ما، لكن العكس تماما هو ما يحصل، إذ تزايدت عمليات الاستهداف المستفزة التي تمارسها الميليشيات المرتبطة بإيران، سواء في اليمن أو العراق، وأصرت مراكز القرار العسكري على إرسال السفينتين "مكران" و"سهند" إلى المحيط الأطلسي، دون أية حاجة أو فائدة سوى الاستعراض، مما يدل بأن المؤسسات التنفيذية في إيران قد بدأت تجهز نفسها لمرحلة رئيس متشدد، ودون حسابات دقيقة".

الناشطون الإيرانيون ذكروا بـ"السجل السياسي" للمرشح شبه الفائز، والذي كان رئيسا لأعلى مؤسسة قضائية في البلاد، والمتهم بإصدار أحكام قضائية "جائرة"، لأسباب ودوافع سياسية لا جنائية.

فالمرشح إبراهيم رئيسي كان واحدا من أربعة شخصيات قضائية أخرى أشرفوا على محاكمات صورية أودت بحياة قرابة 5000 سجين سياسي، سمتهم اللجان الحقوقية الإيرانية فيما بعد بـ"لجنة الموت".

كذلك كان رئيسي في أعلى سلم الادعاء العام في العاصمة الإيرانية طهران حين وقوع "الثورة الخضراء" عام 2009، وتسبب بإصدار أحكام قمعية ضد المنتفضين الإيرانيين.

وعلى المنوال نفسه، أكد المغردون الإيرانيون على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الرئيس المقبل من المتوقع أن يستهدف في شهور حكمه الأولى القليل الباقي من أشكال الحريات العامة والسياسية والإعلامية في البلاد، مثل وضع ضوابط على الدراسة المختلطة في الجامعات والأماكن العامة، وإنهاء إمكانية الوصول دون مراقبة تامة لشبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بالذات الأنماط الجديدة مثل كلوب هاوس، القادرة على جمع المئات وربما الآلاف من المستمعين، وطبعا مزيدا من الضغوط على القوى المعارضة في البلاد، بما في ذلك الإصلاحية المسلّمة بشرعية المرشد وهوية النظام الحاكم، بحسب موقع "سكاي نيوز عربية".

وأصدرت مؤسسة الشؤون السياسية الإيرانية "المستقلة"، تقريرا عبّرت فيه عن توقعاتها لشكل المواجهة المتوقعة بين القواعد الاجتماعية الإيرانية وأجهزة ومؤسسات الحكم الأمنية والقضائية والسياسية، جاء فيه: "مما لا شك فيه أن الأوضاع لن تحتمل بالنسبة للتشكيلات الشعبية الأوسع في البلاد، وأن اشكالا من الاعتراض الميداني سوف تندلع في مختلف مناطق البلاد لأسباب مختلفة، ستكون صورا مصغرة عن الثورة الخضراء التي جرت خلال العام 2009. فالإيرانيون خلال هذه الأوقات سيكونون فاقدين للأمل، وسيشعرون بمزيد من وحدة الحال بين مختلف مؤسسات ونخب الحكم، وتاليا لن يكون ثمة فرصة مناسبة لإيمان هذه القواعد بوجود تيار إصلاحي ما ضمن النظام، وبالتالي الذهاب إلى مواجهة في الشارع. النظام السياسي بزعامة رئيسي سيكون وقتها جاهزا لاتخاذ أكثر الإجراءات صرامة، لإثبات جبروته".

كل تلك الهواجس والمخاوف تبقى هامشية بالنسبة للطبقات الإيرانية أمام ما يتوقعونه من أحوال اقتصادية قد يشهدونها.

فالسنوات الخمسة الأخيرة، التي شهت شبه انهيار للاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات وأشكال التشنج الإقليمي، أثبتت للطيف الإيراني الأوسع تلك العلاقة الحتمية بين السياسة والاقتصاد، وأن أي تغيير في الواقع الاقتصادي الإيراني يجب أن يسبقه قرارات سياسية تصالحية مع حجم وأدوار إيران الإقليمية والدولية، لفك العزلة عنها، وهو أمر غير متوفر تماما في منهجية المرشح المتوقع فوزه، فهو يمزج في برنامجه وخطابه السياسية بين الشعارات الوطنية العليا وخطابات المواجهة والتحدي للقوى الإقليمية والدولي بطريقة لا واقعية، هذا إلى جانب افتقاده لأية خبرة أو رؤية في مجال الأداء الوظيفي الاقتصادي، على العكس من باقي المرشحين، الذين تنعدم حظوظهم تقريبا.