إيلاف من بيروت: تحت وطأة ضغوط داخلية ووضع أمني هش يعانيه العراق، يبحث رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في اجتماعه المقرر، الاثنين المقبل، مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، عدة ملفات، أبرزها مكافحة الإرهاب والحفاظ على سيادة العراق في مواجهة التدخلات الخارجية، خاصة الإيرانية، فضلاً عن تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية المقاتلة من البلاد، قبل 3 أشهر من انتخابات نيابية مبكرة، بحسب تقرير نشره موقع "الشرق" الإخباري..

وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن القمة "الأميركية - العراقية" المقررة هذا الأسبوع، تتزامن مع تسارع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، بينما تكافح حكومة كابول لمواجهة عودة طالبان، حيث تُطرح أسئلة عدة حول مدى مصداقية الولايات المتحدة كحليف قوي في الشرق الأوسط، ما يجعل الأمر أكثر أهمية بالنسبة لإدارة بايدن لإثبات التزامها الاستراتيجي المستمر تجاه العراق.

سيناريوهات محتملة

وضعت "فورين بوليسي" 3 سيناريوهات محتملة من الاجتماع، الأول يتمثل في سعي الكاظمي إلى الاستفادة من بايدن من خلال تلقيه دعماً فقط، بينما يزداد الوضع سوءاً في العراق، الذي واجه خلال الأيام الماضية حريقين في مستشفييْن أسفرا عن مقتل أكثر من 160 شخصاً، وهجوماً في مدينة الصدر أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه، وأودى بحياة 35 شخصاً على الأقل، فضلاً عن مجابهته الموجة الثالثة من فيروس كورونا.

أما السيناريو الثاني، فهو أن يكون الاجتماع جوهرياً، يمكن أن يؤثر إيجاباً على مجرى الأحداث، إذ يمكن لبايدن أن يضغط على الكاظمي لكبح جماح الفساد الذي يقوض الدولة العراقية والتركيز على إعادة بناء اقتصاد البلاد، خاصة مع قرب الانتخابات المقررة في أكتوبر المقبل.

ولفتت المجلة إلى أن بايدن سيركز على تعزيز قيم العدالة والكرامة في العراق، إذ يمكن أن يطالب بمحاسبة المسؤولين عن قتل النشطاء والمتظاهرين، فضلاً عن إجراء انتخابات "حرة ونزيهة".

واعتبرت المجلة في تقريرها، أنه يترتب على بايدن أيضاً أن يشجع الكاظمي على "اتخاذ موقف قوي ضد الميليشيات المختلفة في العراق، وخاصة تلك التي تدعمها إيران"، مشيرة إلى ضرورة أن يؤكد بايدن دعم بلاده حال اختار الكاظمي تلك الحلول.

في المقابل، على الكاظمي إقناع بايدن بـ"الالتزام بوجود أميركي طويل الأمد في العراق، لا يقتصر على محاربة تنظيم داعش فقط، بل لكبح جماح الجماعات المسلحة المدعومة من دول أخرى، ودعم الجيش والشرطة العراقية لتوفير الأمن، لكن يجب أن تضمن واشنطن عدم استخدام العراق كبيدق في المفاوضات مع إيران".

وبشأن السيناريو الثالث الأكثر إثارة للقلق، فهو أن يكون الاجتماع روتينياً قصيراً دون متابعة ملموسة أو نتائج تذكر، "ما يدل على نقص واضح في اهتمام الولايات المتحدة بالعراق"، إذ من شأن ذلك أن "يُضعف الكاظمي، الذي فقد بالفعل الكثير من حسن النية بين العراقيين".

جدية وضغوط

وقت الكاظمي قليل ووقت بايدن للتركيز على العراق محدود أيضاً، إذ يمكن أن توفر القمة بين الطرفين "فرصة نادرة لتحقيق نتائج تساعد العراق وشعبه والمنطقة بأسرها".

وسيمتد تأثير تلك القمة إلى ما هو أبعد من العراق، إذ تترقب حكومات عربية عدة مدى جدية نهج بايدن، وفي حال تطرق بايدن لمناقشة خطر تنظيم "داعش" في المنطقة فقط، فإن تلك الحكومات ستتوقع "مزيداً من المشاكل مستقبلاً".

ومن خلال تجاهل بايدن للميليشيات الموالية لإيران، فإنه سيكون قد أعطاها "الضوء الأخضر" لبسط سيطرتها على مناطق واسعة في العراق، وبالتالي التأثير بشكل كبير على الانتخابات المقبلة.

وفي غضون ذلك، لم تتوان الفصائل عن تكثيف ضغوطها مؤخراً على الكاظمي، الذي ضعف موقفه في مواجهة أزمات تتزايد تعقيداً في البلاد على المستوى المعيشي والاقتصادي على وجه الخصوص، لا سيما أزمة الكهرباء التي يعتمد العراق على إيران للتزود بما يكفيه منها، خصوصاً في الصيف.

ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، فقد توعد قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، إحدى فصائل الحشد الشعبي الموالي لإيران، في كلمة له قبيل زيارة الكاظمي، بـ "استمرار عمليات المقاومة حتى خروج كل القوات الأميركية العسكرية من الأراضي العراقية".

من جانبه، قال الباحث في مركز "ذي سانتشوري فاونديشن" للأبحاث، سجاد جياد لـ"فرانس برس"، إن عدم التوصل إلى إعلان ملموس لانسحاب كامل قد يؤدي إلى "رفع المجموعات الموالية لإيران مستوى التوتر وتعزيز هجماتها على القوات الأميركية في البلاد".

تغييرات غير جذرية

من واشنطن، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي وصل قبل بضعة أيام للتحضير للزيارة، أن المحادثات "ستفضي بالفعل إلى تحديد جدول زمني للانسحاب"، بحسب "الشرق".

لكن وسائل إعلام أميركية أشارت إلى أن الانسحاب سيكون في الواقع "إعادة تحديد لمهام القوات الموجودة في العراق البالغ عددها 2500 عسكري يتمركزون في قواعد عراقية، وهم رسمياً ليسوا بقوات قتالية بل مستشارين ومدربين، بحلول نهاية العام".

وقال رمزي مارديني، الباحث في معهد "بيرسون انستيتيوت" في شيكاغو، إن "التغييرات التي ستطرأ على الوجود الأميركي في العراق لن تكون جذرية، بل ستهدف فقط إلى دفع المصالح السياسية لرئيس الوزراء بشكل أساسي مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة"، مشيراً إلى أن الوضع الراهن "سيبقى كما هو، أي استمرارية الوجود الأميركي على أرض الواقع".

ومنذ الزيارة الأخيرة للكاظمي إلى واشنطن في أغسطس 2020، وقعت العديد من التطورات، على رأسها تواصل الهجمات التي تنفذها بها فصائل موالية لإيران، على المصالح الأميركية في البلاد، وليس بالصواريخ فحسب، بل أدخلت تقنية الطائرات المسيرة، الأكثر دقةً وإثارة للقلق بالنسبة للتحالف الدولي، وقد بلغ عددها نحو 50 هجوماً منذ مطلع العام.