بيروت: تلملم بيروت، غداة اشتباكات عنيفة على وقع توتّر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار المرفأ، جراحها، بينما يتحضّر حزب الله وحليفته حركة أمل لتشييع ستة قتلى، غالبيّتهم من عناصرهما، سقطوا خلال المواجهات في منطقة شكّلت خط تماس خلال سنوات الحرب الأهلية الأليمة.

وشهدت بيروت الخميس واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركّز نشاطها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الإنهيار الإقتصادي المستمر فيها منذ أكثر من عامين.

وتحوّلت مستديرة الطيونة، على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب المحقّق العدلي طارق بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قنّاصة على أسطح أبنية، رغم تواجد وحدات الجيش وتنفيذها انتشارًا سريعاً في المنطقة، التي تعد من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية (1975-1990).

قتلى الإشتباكات

وأسفرت الإشتباكات التي لم تتّضح ملابساتها حتى الآن عن مقتل ستة أشخاص، بينهم امرأة، لديها خمسة أبناء وبنات، أُصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء تواجدها في منزلها، فضلاً عن إصابة 32 آخرين بجروح.

ونعت حركة أمل، أحد أبرز الأحزاب التي شاركت في الحرب الأهلية ويتزعّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثلاثة من عناصرها، كما دعا حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، بعد الظهر لتشييع عنصرين إضافة إلى المرأة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

ويسيطر منذ عصر الخميس هدوء على منطقة الإشتباكات وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني، ونصبه حواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة.

وبعد انتهاء الإشتباكات، أعلن الجيش أنّه "أثناء توجّه عدد من المحتجّين إلى منطقة العدلية للإعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة- بدارو"، بعدما كان أعلن في وقت سابق عن تعرّض محتجّين لرشقات نارية أثناء توجّههم إلى قصر العدل.

وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي بدوره أنّ "الإشكال بدأ باطلاق النار من خلال القنص"، الذي طبع مرحلة الحرب الأهلية، التي أنهكت جيلاً كاملاً من اللبنانيين، خصوصاً سكان خطوط التماس.

واتّهم حزب الله وحركة أمل "مجموعات من حزب القوات اللبنانية"، أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية ويعدّ اليوم معارضاً شرساً لحزب الله، بـ"الإعتداء المسلّح" على مناصريهما.

واعتبر حزب القوات اتّهامه "مرفوضًا جملةً وتفصيلاً"، متّهماً عناصر من الحزبين بـ"الدخول إلى الأحياء الآمنة".

وعلى صفحتها الأولى، عنونت صحيفة الأخبار، المقرّبة من حزب الله، "حتماً" مرفقة بصورة لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بلباس أدولف هتلر.

دعوات للتهدئة

ودعت موسكو الجمعة جميع الأطراف اللبنانية إلى "ضبط النفس".

ودعت فرنسا، التي تقود الضغوط على الحكومة للإسراع في الإصلاحات، الخميس إلى "التهدئة" والولايات المتحدة إلى "وقف التصعيد". وشدّد البلدان على "استقلالية القضاء".

ذكريات الحرب الأهلية الأليمة

وأعاد مشهد الإشتباكات الخميس ذكريات الحرب الأهلية الأليمة لدى مريم ضاهر (44 عاماً). وقالت "تذكّرت كل شيء.. سألت نفسي في أي رواق يجلس سكان أبنية الطيونة اليوم، ثم استرسلت بالبكاء وتذكّرت نفسي طفلة مختبئة في رواق المنزل".

كما أعاد ما حصل إلى الأذهان ما حصل في أيار/مايو 2008 حين تطوّرت أزمة سياسيّة في لبنان إلى معارك في الشارع بين حزب الله والأكثرية النيابية في ذلك الحين بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وسيطر خلالها حزب الله لايام عدة على القسم الأكبر من الشطر الغربي لبيروت. وتوصلت الأطراف السياسيّة لاحقاً إلى تسوية خلال لقاء في الدوحة.

ومع إعلان الحكومة الجمعة يوم حداد رسمي قبل عطلة نهاية الأسبوع التي يعقبها الإثنين إغلاق لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، لن يكون بمقدور بيطار تحديد مواعيد لاستجواب ثلاثة وزراء سابقين هم نوّاب حاليّون قبل الثلاثاء.

ويرفض حزب الله وحركة أمل، وفق مصادر سياسية، أن تعقد الحكومة أي جلسة ما لم تكن مخصّصة لبحث الموقف من المحقّق العدلي في انفجار المرفأ الذي أودى بحياة نحو 215 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.

وتُعد هذه أول أزمة سياسيّة تواجهها حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في 10 أيلول/سبتمبر في وقت يفترض أن تنكبّ على إيجاد حلول للإنهيار الإقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. ويقع على عاتقها استئناف مفاوضات مع صندوق النقد الدولي كما التحضير للإنتخابات النيابية المزمع عقدها في أيار/مايو المقبل.

انتقاد مسار التحقيق

وتنتقد قوى سياسيّة عدة مسار التحقيق العدلي، لكن حزب الله وحليفته حركة أمل يشكّلان رأس حربة هذا الموقف الرافض لعمل المحقّق العدلي في قضية انفجار عزته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم بلا تدابير وقاية. وتبيّن أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة.

وظهر الخلاف داخل الحكومة الثلاثاء مع إصرار نواب حركة أمل وحزب الله على تغيير المحقّق العدلي مهدّدين باللجوء إلى الشارع، وجاء ذلك بعد إصداره مذكرة توقيف غيابية في حق وزير المالية السابق والنائب الحالي عن حركة أمل علي حسن خليل.

ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب ونواب ووزراء سابقين، بينهم نائبان عن حركة أمل، ومسؤولين أمنيين، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في شباط/فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.