سلّط إعلان تنظيم داعش – ولاية خراسان المسؤولية عن تفجير مسجدين شيعيين في قندهار وقندوز الضوء على الوجود المتزايد لمقاتلين غير أفغان التحقوا بصفوف هذا التنظيم، بعضهم تطوع للمشاركة في هجمات انتحارية.

إيلاف من لندن: سلّط إعلان تنظيم داعش – ولاية خراسان المسؤولية عن تفجير مسجد شيعي في قندهار، كبرى مدن جنوب أفغانستان الجمعة، وتبنيه، قبل أسبوع، تفجير مسجد شيعي آخر لعرقية الهزارة في قندوز، بأقصى شمال البلاد، الضوء على الوجود المتزايد، كما يبدو، لمقاتلين غير أفغان التحقوا بصفوف هذا التنظيم المتحصن بجبال شرق أفغانستان، وبعضهم تطوع للمشاركة في هجمات انتحارية.

خراساني وبلوشي

تضمن إعلان المسؤولية عن تفجير مسجد قندهار الذي أوقع ما لا يقل عن 47 قتيلاً وعشرات الجرحى، أن منفذي الهجوم الانتحاري المزدوج هما أنس الخراساني وأبو علي البلوشي، بحسب ما ذكرت وكالة "أعماق" التابعة لداعش. وكانت الوكالة ذاتها وزعت، الأسبوع الماضي، بيان إعلان المسؤولية عن تفجير مسجد قندوز الذي راح ضحيته أكثر من 40 قتيلاً، وجاء فيه أن انتحارياً يدعى محمد الإيغوري هو من فجّر نفسه وسط المصلين، وفقًا لصحيفة "الشرق الأوسط".

ويبدو واضحاً من كنى هؤلاء أن بعضهم على الأقل ليس أفغانياً. فالإيغوري، كما توحي كنيته، من الإيغور الصينيين (أو تركستان الشرقية)، في حين أن البلوشي ينتمي إلى عرقية البلوش، ومقرها الأساسي في إقليم بلوشستان الباكستاني لكنها تنتشر أيضاً في إيران وأفغانستان. أما الخراساني فتوحي كنيته أيضاً بأنه ينتمي إلى إحدى الدول التي تشكل خراسان القديمة التي تمتد عبر أجزاء من أراضي أكثر من دولة: أفغانستان، باكستان، تركمانستان، طاجيكستان، أوزبكستان، إيران.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نبّه، الجمعة، إلى أن مئات المقاتلين الموالين لداعش يحتشدون في شمال أفغانستان، قائلاً: "بحسب معلوماتنا الاستخباراتية، يبلغ عدد عناصر تنظيم ولاية خراسان وحدهم في شمال أفغانستان حوالى ألفي شخص". وجاء كلامه بعدما كان قد حذّر، قبل أيام، أن قادة فرع داعش الأفغاني يسعون لتوسيع نطاق نفوذ مجموعتهم المتطرفة في أنحاء دول سوفياتية سابقة في وسط آسيا.

ليس مثار استغراب

في الواقع، لا يجب أن يكون وجود عناصر غير أفغانية ضمن صفوف داعش – خراسان مثار استغراب، لا سيما أن خراسان نفسها لا تعني أفغانستان فقط. لكن العنصر غير الأفغاني يبدو اليوم وكأنه بات أكثر بروزاً، ليس فقط لجهة الانتحاريين، بل أيضاً في قمة هرم التنظيم. وكما هو معروف، نشأ داعش – خراسان عام 2014 نتيجة انشقاق عناصر من طالبان عن قيادتهم وتحالفهم مع مجموعات أخرى أبرزها تلك التابعة لتحريك طالبان – باكستان، وإعلان مبايعتهم زعيم داعش في سوريا والعراق، أبو بكر البغدادي، الذي أعلن رسمياً إنشاء فرع لتنظيمه في أفغانستان باسم ولاية خراسان في يناير 2015.

بحسب "الشرق الأوسط"، عيّن البغدادي على رأس هذا التنظيم الجديد قيادياً باكستانياً من تحريك طالبان يدعى حافظ سعيد خان الذي كان مسؤولاً عن العمليات في منطقة القبائل بباكستان. وأشعل تشكيل ولاية خراسان فتيل مواجهة مع طالبان الأفغانية التي خشيت التمدد السريع للتنظيم الجديد في مناطق سيطرتها، فدفعت بقواتها لوأد التمرد في مهده. وهي نجحت في ذلك ببعض المناطق وفشلت في أخرى. ففي ولاية جوزجان، بشمال البلاد، اضطرت ولاية خراسان إلى الاستسلام أمام طالبان عام 2018. لكن في شرق أفغانستان، لا سيما في ولايتي ننغرهار وكونار، نجح داعش في امتصاص هجمات طالبان، وهي هجمات كانت تحظى أحياناً بدعم غير مباشر من القوات الحكومية الأفغانية وأيضاً من القوات الأميركية التي استخدمت في قصف مقر قيادة لداعش أضخم قنبلة غير نووية يستخدمها الجيش الأميركي.

نجح الأميركيون بالفعل في توجيه ضربة قوية لولاية خراسان بقتلهم زعيمها حافظ سعيد خان بضربة جوية في ننغرهار عام 2016. خلفه في قيادة فرع داعش قيادي آخر يدعى عبد الحسيب، لكن هذا سرعان ما قُتل في عملية للقوات الخاصة الأميركية والأفغانية في ننغرهار، ربيع عام 2017.

تغييرات داخلية

وبدا أن ولاية خراسان مرت بعد ذلك بتغييرات داخلية. فقد تولى قيادتها في البداية المولوي ضياء الحق (أبو عمر الخراساني)، ومن بعده انتقلت القيادة في أبريل 2019 إلى أسلم فاروقي، وهو باكستاني كان ينشط سابقاً في صفوف طالبان – باكستان. وبعد اعتقال فاروقي في ننغرهار عام 2020، انتقلت القيادة إلى شهاب المهاجر الذي يُعتقد أنه عربي من المهاجرين إلى أفغانستان وكان ينشط سابقاً ضمن ما يُعرف بشبكة حقاني، حسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي أس آي أس). وتميّز عهد المهاجر بتصاعد كبير في الهجمات النوعية الضخمة التي شنها التنظيم، بما في ذلك تفجيرات دامية في كابل استهدف أبرزها عيادة للتوليد وجامعة العاصمة الأفغانية، كما جاء في "الشرق الأوسط".

وتعهدت حركة طالبان بعد سيطرتها على كابل في نهاية أغسطس الماضي بأنها لن تسمح لتنظيمات إرهابية بالنشاط على الأراضي الأفغانية في ظل حكمها. وبدا في البداية أنها سلكت سياسة مهادنة إزاء التنظيم، إذ قالت إنه لم يعد هناك من مبرر لداعش للنشاط بعد انسحاب الأميركيين من البلاد. لكن هذا التنظيم رد، على ما يبدو، بتصعيد عمليات التفجير والاغتيالات التي تستهدف عناصر طالبان بولايات شرق البلاد، وكذلك بسلسلة هجمات انتحارية استهدفت تحديداً الهزارة الشيعة، وهي هجمات دانتها طالبان.