الخرطوم: قُتل ثلاثة متظاهرين في الخرطوم حيث اجتاح عشرات الآلاف من السودانيين الشوارع للمطالبة بحكومة مدنية وبـ"اسقاط حكم العسكر" بعد ستة أيام من انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المؤسّسات السياسية لمرحلة انتقالية كان يفترض أن تتيح للسودان التحوّل إلى الديموقراطية عام 2023 بعد 30 عامًا من حكم عمر البشير.

وقالت لجنة الأطباء المركزية السودانية في بيان إن سودانيين اثنين "قُتلا برصاص ميليشيات المجلس العسكري الإنقلابي".

وأضافت اللّجنة في بيان لاحق "ارتقاء روح شهيد ثالث اليوم ( شاب 19 سنة) بمستشفى الأربعين بعد تعرّضه لرصاص حي بالصدر من قبل مليشيات المجلس العسكري الإنقلابي".

وبذلك ترتفع حصيلة القمع الدامي للإحتجاجات إلى 12 قتيلًا منذ الاثنين ونحو 300 جريح.

الشرطة السودانية تنفي

ونفت الشرطة السودانية في بيان استخدام الرصاص الحي وقالت "هنالك مجموعات من المتظاهرين خرجت عن السلمية وهاجمت الشرطة وبعض المواقع الهامة ما دعا الشرطة لإستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وتؤكّد الشرطة أنها لم تستخدم الرصاص بل أنّ أحد أفرادها أُصيب بعيار ناري جاري التحقّق من مصدره".

وهتف المتظاهرون في جميع أحياء العاصمة السودانية "المدنية خيارنا".

وردّدوا مجدّدًا العديد من شعارات انتفاضتهم التي أسقطت البشير في نيسان/أبريل 2019 مثل "حرية، سلام، عدالة" و"ثوار، أحرار حنكمل المشوار" فيما كان بعضهم يرفع صور رئيس وزراء السودان المقال عبد الله حمدوك الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بالخرطوم.

ويراقب العالم رد فعل العسكريّين على هذه التظاهرات التي وعد منظّموها بأن تكون "مليونيّة". وتعالت الأصوات عشيّة الإحتجاجات، محذّرة السلطات العسكريّة من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين.

وذكر شهود ومراسلو وكالة فرانس برس أنّ التظاهرات بدأت بُعيد الظهر في ضاحية أم درمان بشمال غرب الخرطوم وامتدّت سريعًا إلى جميع أحياء الخرطوم، كما انطلقت تظاهرات في مدينتي بورتسودان وكسلا في شرق السودان.

وقال هيثم الطيب أحد المتظاهرين في جنوب الخرطوم "نريد حكمًا مدنيًّا وهذه المرة لن نقبل تقاسم السلطة مع العسكريين . ينبغي أن تكون مدنية مئة بالمئة".

وأكّدت الناشطة من أجل الديموقراطيّة تهاني عباس لفرانس برس إنّ "العسكريّين لن يحكمونا، هذه هي رسالتنا"، مشدّدة على أنّ هذه التظاهرة "المليونيّة" ليست "إلّا خطوة أولى".

تظاهرات مناهضة

وفي شرق الخرطوم، أشعل المتظاهرون إطارات سيارات ورفعوا لافتات كتب عليها "الردة مستحيلة" وهو الشعار الأساسي لهذه التعبئة التي يريد أنصار الحكم المدني التأكيد من خلالها أنهم لن يقبلوا بعودة حكم عسكري مماثل لنظام البشير.

ففي بلد يحكمه عسكريّون بشكل شبه مستمرّ منذ استقلاله قبل 65 عامًا، قرّر الشارع أن يقول "لا" للبرهان الذي حلّ الإثنين كلّ مؤسّسات الحكم في البلاد واعتقل غالبيّة المسؤولين المدنيّين، ليستأثر العسكريّون بالسلطة.

صباح السبت كانت خطوط الهواتف مقطوعة في الخرطوم مع إمكان الإتصال من الخارج فقط بالهواتف السودانية. كذلك، كانت شبكة الإنترنت مقطوعة.

انتشرت قوات الأمن بكثافة في شوارع الخرطوم صباح السبت وأغلقت الجسور المقامة على النيل التي تربط مناطق الخرطوم ببعضها. وأقامت هذه القوات أيضًا نقاط مراقبة في الشوارع الرئيسية حيث قامت بتفتيش عشوائي للمارة والسيارات.

وناشد الموفد البريطاني للسودان وجنوب السودان روبرت فيرواذر قوات الأمن السودانية "احترام حق وحرية" المتظاهرين في التعبير عن أنفسهم. وكتب في تغريدة أنّ "التظاهر السلمي حق ديموقراطي أساسي وستتحمل أجهزة الأمن وقادتها المسؤولية عن أي عنف تجاه المتظاهرين".

وفور إطاحة البرهان المدنيّين الإثنين، دخل السودانيّون في "عصيان مدني" وأقاموا متاريس في الشوارع لشلّ الحركة في البلاد، ما دفع قوات الأمن إلى استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضدهم.

لكنّ الناشطين مصرّون رغم كل شيء على أن تكون "المواكب" سلميّة، لأنّ "سلميّتنا هي سلاحنا الوحيد وقد نجحت من قبل"، بحسب تهاني عباس.

استنكار دولي

حذّرت منظّمة العفو الدولية "القادة العسكريين من الحسابات الخاطئة"، مؤكّدةً أنّ "العالم يتابعهم ولن يسمح بمزيد من الدماء".

وحضّت الولايات المتحدة الجمعة الجيش السوداني على عدم قمع التظاهرات.

كذلك، حضّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجيش السوداني على "ضبط النفس" خلال تظاهرات السبت.

وتعليقًا على التطوّرات في السودان، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان السبت لقناة العربية "لأمن السودان أهمية قصوى بالنسبة إلى السعودية (...) المطلوب سودانيًّا حوار يجمع كل الأطراف للخروج بنتائج مرضية".

والخميس طالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه، العسكريين في السودان بـ"عودة حكومة انتقاليّة يديرها مدنيّون"، مبديًا "قلقه البالغ حيال الإستيلاء العسكري على السلطة".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس "رسالتنا معًا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميًّا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الإنتقالية التي يقودها مدنيون".

اعتقال القادة المدنيّين

ولا يزال العدد الأكبر من القادة المدنيّين معتقلين منذ خمسة أيّام أو قيد الإقامة الجبريّة.

وكانت قوات عسكرية أوقفتهم فجر الإثنين واقتحمت كذلك مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أعلن من خلاله الفريق أول البرهان بعد ساعات حلّ كلّ المؤسّسات السياسيّة للمرحلة الإنتقاليّة في البلد الذي يعدّ واحداً من الأفقر في العالم.

وأعلنت مؤسّسات حكوميّة ونقابيّة عدّة الإنضمام إلى "العصيان المدني" الذي حوّل الخرطوم مدينة أشباح خلال الأيام الخمسة الأخيرة.

ويقول خبراء إنّ الناشطين أكثر تنظيمًا الآن بفضل تجربة 2019. وهم يحظون بدعم المجتمع الدولي الذي فرض عقوبات على العسكريين.

فالولايات المتحدة والبنك الدولي جمّدا مساعداتهما للسودان الذي يعاني الفقر والغلاء المتزايد.

كذلك، قرّر الإتّحاد الأفريقي تعليق عضويّة الخرطوم، وطالب مجلس الأمن بالدفع باتّجاه العودة إلى مؤسّسات الحكم الإنتقالي التي كان يُشارك فيها المدنيّون.