كييف (أوكرانيا): يهتف المدرّب العسكري "أمسكي بالحبل، انظري إليّ!"، مشجعا من أعلى مبنى الشابّة الأوكرانية إيرينا غوروبيوفسكا على الانحدار إلى الأسفل، فتتردّد ثم تنزلق بصعوبة إلى الأرض.

تطوعت المحامية الشابة البالغة 28 عاما التي تتخذ "باني" اسما حركيّا، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في صفوف وحدات الدفاع الإقليمي، وهي قوة مساندة للجيش مفتوحة لجميع الأوكرانيين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما.

ويملك بعض هؤلاء المتطوعين خبرة عسكرية سابقة اكتسبوها بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014 وخلال النزاع الذي اندلع في العام نفسه مع الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق البلاد، فانضموا إلى القتال فور بدء الحرب.

غير أن الكثيرين على غرار إيرينا لم يكن لديهم أي خبرة في استخدام السلاح أو تقديم إسعافات أولية، فساعدوا خلال الحصار الروسي للعاصمة في إقامة سواتر وتوزيع المساعدات الإنسانية.

تدريبات مكثّفة

ومع تراجع القوات الروسية إلى جنوب أوكرانيا وشرقها، عمدت سلطات كييف إلى تدريب المتطوعين الجدد بشكل مكثف وسريع حتى يكون بوسعهم التصدي للعدو تحسبا لنزاع طويل الأمد.

وأوضح مساعد مدير أجهزة الأمن التابعة للبلدية ميخايلو شتشيربينا لوكالة فرانس برس "نجري تدريبات كل أسبوع، شارك فيها منذ آذار/مارس ألف إلى ألف وخمسمئة شخص" مضيفا "إنه جرم أن نرسل أفرادا غير مدربين إلى خط الجبهة، ينبغي توفير حدّ أدنى".

وتابع أن هذا يتخذ أهمية خاصة لأنه "بعدما اكتفينا بشن عمليات دفاعية، بدأنا بالهجوم" في إشارة إلى استعادة بلدات في محيط خاركيف بشمال شرق البلاد من القوات الروسية.

وختم "علينا أن نعلمهم كيف يحررون مدنا".

وتجري دورة التدريب في عمق الغابة بعيدا عن العاصمة، في مخيم سابق لـ"الرواد" بحسب التسمية السوفياتية لما يشبه الكشّافة.

هناك يتعلم أوكرانيون من كل الآفاق بينهم ميكانيكيون وعمال بناء ومصفّفات شعر، خلال خمسة أيام كيفيّة التحرّك في حقل ألغام وإجلاء جريح تحت الرصاص وإطلاق النار من أسلحة رشاشة والفرار من نافذة مبنى.

وهذا التدريب الأخير هو الذي شكل تحديا لإيرينا غوروبيوفسكا. وبعد انتهائه، علّقت المرأة الشابة التي طلت أظافرها باللون الكاكي مثل بدلتها "كان مرعبا لأنني لم أكن أفهم ماذا ينبغي أن أفعل" مضيفة "إنني مصممة على الدفاع عن بلدي، لكن آمل ألّا أضطر إلى الانحدار على طول مبنى لتحقيق ذلك!".

ويقضي تمرين آخر باستعادة موقع من العدو. تتسلل مجموعة صغيرة إلى مبنى مهجور، ويهتف أحد الأفراد الذين يتقدمون في الصفّ الواحد تلو الآخر "تماس! تماس!" وسط دوي الأسلحة الملقّمة بكرات بلاستيكية صغيرة بيضاء.

يقول أحد المدربين رافضا كشف اسمه "علينا أن نعلمهم كيف يقاتلون بالشكل الصحيح في المدينة، يجب أن نعلمهم كيفيّة تطهير الموقع والقضاء على العدو. والبقاء على قيد الحياة".

وكونستانتين، موظف البلدية البالغ 27 عاما، مدرك تماما لهذا التحدي بعدما جرت معارك قرب منزله في آذار/مارس.

يقول "لم يكن يسعني البقاء مكتوف الأيدي، فالتحقت بالدفاع الإقليمي لحماية بلدتي وبلدي" لكنه يقر بأنه "لو ذهبت مباشرة إلى خط الجبهة، لما كنت بقيت على قيد الحياة".

وبعد تدريبه، يعتقد أن "لديه فرصة"، لكنه يتساءل رغم ذلك كيف سيتجاوب فعليا على الأرض، موضحا "التدريب يبقى تدريبا، لكن حين نرى دماء حقيقية، هذا مختلف. هل سيشلّني المشهد أو يعطيني دفعة من الأدرينالين؟"

يحاول ديميان بوبوف الطبيب البالغ 53 عاما تلقين المتطوعين "طرقا" من أجل التغلب على "ضغط المعركة". ويقول إنه بالرغم من "اندفاعهم الكبير ليس هناك أي سبيل لمعرفة ما إذا كان شخص معين سيحسن القتال قبل أن يصبح على الأرض".