طهران: يطوي إبراهيم رئيسي الأربعاء عامه الأول كرئيس للجمهورية في إيران، تمكن خلاله من ضبط تفشي وباء كوفيد-19، إلا أنه يواجه صعوبة في تحقيق وعوده بتحسين الظروف الاقتصادية في البلاد الواقعة تحت تأثير عقوبات أميركية.

انتخب رجل الدين المحافظ المتشدد رئيساً في عملية اقتراع أجريت في 18 حزيران/يونيو 2021، وشهدت نسبة امتناع هي الأكبر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية العام 1979، وغاب عنها أي منافس جدي له بعد إقصاء عدد من الأسماء البارزة من خوض السباق.

في الثالث من آب/أغسطس 2021، تولى رئيسي مهامه خلفاً للمعتدل حسن روحاني الذي أتم ولايتين متتاليتين (2013-2021)، وهو الحد الأقصى المسموح به دستورياً.

وعد الرئيس الجديد الآتي من تجربة طويلة في السلطة القضائية، بأن تسارع حكومته بالتركيز على مجالين أساسيين: ضبط انتشار وباء كانت إيران الأكثر تأثراً به في الشرق الأوسط، وإعادة تصحيح الوضع الاقتصادي الذي يعاني بشكل أساسي من العقوبات.

شكّلت العقوبات القاسية أحد الأسباب التي أعاقت الاسراع في عملية التلقيح ضد كوفيد-19، خصوصاً من خلال تأثيرها على امكانية استيراد لقاحات من الخارج. إلا أن حكومة رئيسي التي نالت ثقة البرلمان أواخر آب/أغسطس، سرّعت من عمليات التلقيح عبر استيراد جرعات من الصين وروسيا بشكل أساسي، إضافة الى لقاحات تم تطويرها محلياً.

ووفق آخر الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، تلقى 58,1 مليون إيراني (زهاء 70 بالمئة من إجمالي عدد السكان) جرعتين على الأقل.

أزمة اقتصادية

ويقول حميد رضا ترقي، القيادي في حزب المؤتلفة الإسلامية المؤيد لرئيسي، لوكالة فرانس برس إن الحكومة "نجحت في كبح جماح فيروس كورونا والحد من تأثيراته".

ويرى الباحث في مجموعة "أوراسيا" هنري روم أن "حكومة رئيسي أشرفت على تطعيم واسع النطاق ضد كوفيد، بعدما بدّلت الدولة من سياستها ووافقت على استيراد لقاحات أجنبية".

لكن هذا النجاح لم ينعكس بعد في المجال الاقتصادي، حيث تبدو الأمور أكثر تعقيداً.

وتواجه الجمهورية الإسلامية أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تعود بشكل أساسي الى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها اعتباراً من العام 2018، في أعقاب الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق الدولي بشأن برنامج إيران النووي.

وأدت هذه الأزمة في أحد جوانبها، إلى حال من انعدام ثقة الإيرانيين بالسلطة السياسية، وهو ما أقر روحاني بوجوده قبل نهاية ولايته الثانية. ويرى محللون أن هذا الأمر كان من العوامل التي أدت إلى تسجيل نسبة امتناع كبيرة في الانتخابات الرئاسية لعام 2021.

وأتت الانتخابات في أعقاب موجات من الاحتجاجات تعاملت معها السلطات بالشدة، أبرزها أواخر 2017-مطلع 2018، وتشرين الثاني/نوفمبر 2019.

وفي حين بدأ الاقتصاد يستعيد نسق النمو في أواخر عهد روحاني إثر ركود بين 2018 و2019 في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي لا تتوقع أن يعود الدخل الفردي لمستويات ما قبل الأزمة حتى العام المقبل.

ويتوقع أن يبقى مستقبل الاقتصاد مرتبطاً بشكل كبير بمصير المفاوضات الهادفة لإحياء الاتفاق النووي، والتي ستتيح في حال نجاحها، رفع الكثير من العقوبات التي تعيق النشاط التجاري مع طهران خصوصاً صادرات النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة.

إلا أن المباحثات التي قطعت شوطاً كبيراً نحو إبرام تفاهم، معلّقة منذ آذار/مارس في ظل استمرار التباين بين طهران وواشنطن حول نقاط عدة.

عجز في الميزانية

وفي ظل استمرار الجمود، يرى محللون أن الحكومة الإيرانية ستبقى تواجه عجزاً ضخماً في ميزانيتها السنوية.

ووفق أحدث الأرقام الرسمية، سجّل التضخم خلال حزيران/يونيو الماضي زيادة قدرها 54 بالمئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، ليواصل بذلك قضم القدرة الشرائية للإيرانيين.

أما العملة المحلية (الريال) التي سجّل سعر صرفها تحسّناً في مطلع العام مع تواتر الأنباء عن تحقيق تقدم في المباحثات النووية، فتراجعت بشكل إضافي خلال العام، وبلغت مستويات متدنية قياسية في حزيران/يونيو.

وفي ظل هذه الصعوبات، اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات حادة في أيار/مايو، شملت تعديل نظام الدعم الحكومي ورفع أسعار مواد غذائية أساسية شملت الطحين والزيوت ومنتجات الحليب.

وتلت هذه الإجراءات تحركات احتجاجية في عدد من المناطق الإيرانية.

ويقول مدير تحرير صحيفة "شرق" الإصلاحية مهدي رحمانيان لوكالة فرانس برس إن "الأفق الاقتصادي للبلاد ليس واضحاً، والخبراء الاقتصاديون يتوقعون ارتفاعاً جديداً في الأسعار".

وفي حين يشيد رحمانيان بالجهود التي بذلتها حكومة رئيسي في مجال تحسين الروابط مع دول الحوار، خصوصاً الحوار المستمر مع السعودية سعياً لإعادة العلاقات المقطوعة منذ 2016 بين الخصمين الاقليميين، يرى أن غالبية هذه الملفات ستبقى رهن المباحثات بشأن الاتفاق النووي.

ويرى روم أنه في حال بلغت المباحثات طريقاً مسدوداً وانهارت بالكامل "ستكون إيران على الأرجح في مواجهة مشكلات اقتصادية واجتماعية أكبر".