أربع خطوات يمكن أن تساعد في كبح تقدم إيران نحو صنع قنبلة نووية وتجنب المخاطر الإقليمية لهجوم إسرائيلي أحادي الجانب.

إيلاف من بيروت: في الوقت الذي كان فيه المجتمع الدولي منشغلاً بالذكرى السنوية للغزو الروسي لأوكرانيا، اكتشف مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والمعنية بالرقابة النووية، بقايا يورانيوم مخصّب بنسبة 84 في المئة في سلاسل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. وعادةً ما يتم وصف المواد الانشطارية المستخدمة في صنع الأسلحة النووية بأنها يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المئة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن القنبلة الذرية الأمريكية التي أُسقطت على هيروشيما في أغسطس 1945 كانت سلاحاً انشطارياً مخصباً بمعدل 80 في المئة. وقد يدّعي الإيرانيون أنهم لا يخصّبون بنسبة تفوق 60 في المئة وأن هذه البقايا هي مجرد جسيمات، لكن هذا الاكتشاف يجب أن يطلق أجراس الإنذار.

يقول دينس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ومستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن: "إنه تذكير بأن إيران حققت القدرة على إنتاج مواد تصلح لصنع الأسلحة النووية بسرعة كبيرة. فالتخصيب بنسبة 60 في المئة - وهو الموضوع الذي يقول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لا مبرر له لأغراض مدنية - قد أوصل إيران أساساً إلى هذا المستوى. ومن المُسلم به أن صنع مواد انشطارية تصلح للاستخدام في صنع الأسلحة النووية لا يماثل امتلاك قنبلة نووية، ولكنها أهم عنصر مطلوب لصنع مثل هذه القنبل".

إسرائيل مصرة

يضيف روس: "قد لا تعرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى الآن ما إذا كانت نسبة 84 في المئة هي مجرد مخلفات محدودة متبقية في السلاسل أو ما إذا كان ذلك تحركاً متعمداً من قبل الإيرانيين للتخصيب إلى درجة قريبة من الأسلحة النووية. لكننا نعلم أنه للمرة الثانية خلال شهر، انخرطت إيران في نشاط مشبوه في أحد مواقع التخصيب. ففي منشأة فوردو، ربط الإيرانيون مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة ولم يُبلغوا الوكالة بأنهم فعلوا ذلك. والآن هناك أيضاً تخصيب بنسة 84 في المئة".

بغض النظر عن التفسير الإيراني، يرى روس أن إيران قريبة من التخصيب إلى درجة صنع الأسلحة النووية، وبوتيرتها الحالية بإمكانها بسهولة تكديس 10 قنابل من المواد الانشطارية المخصبة إلى نسبة 60 في المئة بحلول نهاية هذا العام. يقول: "ضروري النظر في اثنين من تداعيات هذا الواقع الجديد. أولاً، يتصرف الإيرانيون كما لو أن كل من التخصيب إلى درجة قريبة من امتلاك مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة النووية وتكديس كميات كبيرة من المواد الانشطارية لا يشكلان خطراً عليهم؛ وثانياً، وهم الاعتقاد أن إسرائيل ستقف مكتوفة اليدين أمام ما يعتبره قادتها تهديداً وجودياً".

فإن القادة الإسرائيليين من مختلف الأطياف السياسية يشاركون رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مخاوفه بشأن كمية المواد الانشطارية التي تصنع القنابل النووية التي تكدسها إيران وتقوية بنيتها التحتية النووية، الأمر الذي سيزيد من صعوبة قيام إسرائيل بتدمير هذه المواقع.

استراتيجيا رباعية

بحسب روس، إن أرادت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إرغام إيران على إدراك شدة المخاطر التي تواجهها وإقناع الإسرائيليين بأنها تملك طريقة مناسبة لردع الإيرانيين، فعليها الرد على ما تم الكشف عنه مؤخراً. ولكي يكون الرد فعال، ينبغي أن يكون مبنياً على استراتيجية من أربعة أجزاء: "أولاً، على إدارة بايدن أن تغيّر سياستها التصريحية، فالقول إن جميع الخيارات لا تزال على الطاولة، كما قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين في مقابلة، لا يبهر أحداً، ولا سيما الإيرانيين؛ ثانياً، ضروري أن يشاهد الإيرانيون المناورات التي تقوم بها الولايات المتحدة في المنطقة للتدرب على هجماتها بمنظومات جو-أرض. وقد كانت المناورات المشتركة الكبيرة الأخيرة مع إسرائيل خطوة أولى جيدة في هذا الإطار، وينبغي تكرارها".

يضيف روس: "ثالثاً، لدى طهران اعتقادان خاطئان: لا تؤمن بأن الولايات المتحدة ستتحرك عسكرياً ضد إيران، وتعتقد أن واشنطن ستمنع الإسرائيليين أيضاً من القيام بذلك. ويمكن للإدارة الأميركية إبطال هذا الانطباع بتوفير المواد والذخائر اللازمة التي من شأنها أن تجعل أي ضربات إسرائيلية أشد فعالية؛ ورابعاً، على إدارة بايدن أيضاً أن تتصرف بطريقة خارجة عن المألوف بنظر الإيرانيين. فخلال الشهر الماضي، تم استهداف القوات الأميركية في سوريا مرتين من قبل وكلاء الميليشيات الشيعية الإيرانية في تلك البلاد، ولم تقم الولايات المتحدة بالرد على ذلك في أي من الحالتين. من الضروري أن يرى الإيرانيون شيئاً لا يتوقعونه - مثل رد عسكري يظهر أن جميع الضوابط السابقة لم تعد سارية الآن".

المخاطر موجودة

يؤكد روس في مقالته أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة جميع هذه الإجراءات، "فسيتنبّه الإيرانيون لذلك، والهدف هو حمل الإيرانيين على وقف تقدم برنامجهم النووي لتخصيب اليورانيوم، وبذلك يعيدون فتح إمكانية المسار الدبلوماسي لعكس هذا البرنامج".

يعترف روس بأن هذه المقاربة لا تخلو من المخاطر، "فإيران قد تختبر الولايات المتحدة لمعرفة مدى جديتها. وقد يقول قادة الجمهورية الإسلامية إنهم سينسحبون من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي يمنعون الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إمكانية الوصول على الإطلاق إلى مواقعهم النووية". لكن، في غياب أي استعراض واضح لعزم الولايات المتحدة على التصرف بنفسها، فإن الضربات الإسرائيلية أحادية الجانب على البرنامج النووي الإيراني ستستحث هجمات صاروخية من قبل حزب الله وربما من حماس أيضاً على إسرائيل، والتي من المحتمل أن تصل إلى الآلاف في اليوم. وقد تشن إيران نفسها هجمات انتقامية ضد السعوديين وأعدائها الآخرين في المنطقة.

يهتم روس: "لتجنّب الحرب مع خصم يشكل تهديداً، على ذلك الخصم أن يؤمن بأن المقابل سيستخدم القوة. وقد تكون الإشارة الواضحة لمقاربة أميركية جديدة ضرورية الآن ليس فقط لإقناع الإيرانيين بوقف تقدمهم نحو سلاح نووي، ولكن أيضاً للإظهار للصين وروسيا أن الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع تهديدات متعددة في وقت واحد وأن لديها الإرادة للقيام بذلك".