أثار انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان التونسي الجديد في تونس العاصمة، في ظل منع الصحفيين المحليين ووسائل الإعلام الدولية، موجة من الانتقادات من قبل المعارضة التي تؤكد على عدم شرعية المجلس. والجلسة التي شهدت حضور 154 نائبا من أصل 161 وبانتظار استكمال شغل المناصب السبع المتبقية ينظر إليها على أنها آخر المحطات ضمن خارطة طريق التي سبق وأعلنها الرئيس قيس سعيد منتصف شهر ديسمبر /كانون الأول عام 2021 لإعادةِ رسم المشهد السياسي في البلاد.

وقد شكل المجلس من خلال انتخابات جرت على مرحلتين في ديسمبر / كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين شهدت مشاركة ضعيفة بلغت نسبة المشاركة فيهما على التوالي 11.2 و11.4 في المائة.

نقابة الصحفيين تعلق على منع الصحفيين المحليين والدوليين من تغطية الجلسة

قوبل قرار منع تغطية الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد بإدانةٍ شديدةٍ من نقابة الصحفيين التونسية والتي أصدرت بياناً أكدت فيه إدانتها الشديدة والمطلقة لهذه "السابقة الخطيرة" التي تصادر حقاً مكفولاً بالدستور والتشريعات التونسية، وتفتح الباب على مصراعيه أمام سياسات التعتيم وتكميم الأفواه على حد ما جاء في البيان.

من جانيه يقول الإعلامي والأكاديمي التونسي كمال بن يونس لبي بي سي إن "التغطية لا تعني التأييد أو المعارضة" مضيفا أن هذا المنع يمثل سابقةً في حد ذاتها حيث إن البرلمان ومنذ الخمسينسات، إبان عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ووصولا لعهد الرئيس المعزول زين العابدين بن علي وثورة 2011 ثم انتخاب المجلس التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام وانطلاق عمل البرلمان كانت أبوابه مفتوحة دائما أمام الإعلاميين بما في ذلك صحافة المعارضة". ويقول بن يونس إن "ترك الصحفيين التونسيين في الشارع وعدم السماح لهم بالدخول للبرلمان يمثل إهانةً لهم".

"برلمان غير شرعي"

مع كل خطوة يعلن عنها الرئيس قيس سعيد منذ إعلان إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز من عام 2021 يتكرر الحديث عن مدي الشرعية القانونية والمصداقية الشعبية التي تحظى بها هذه الإجراءات، وقد تجلى ذلك في البرلمان التونسي الجديد الذي تكوّن وفق انتخاباتٍ جرت بموجب قانون مثير للجدل أصدره الرئيس قيس سعيد في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر عام 2022 بدلاً من القانون الانتخابي لعام 2014.

وقد قوبل انعقاد البرلمان بإصدار جبهة الخلاص الوطني بيانا أكدت فيه عدم اعترافها به، ويقول سمبر ديلو عضو الجبهة لبي بي سي إن يعود لأن المجلس الجديد منبثق عن دستور انقلابي غير شرعي وانتخابات قاطعتها الأغلبية وجدد تمسك الجبهة بالبرلمان المنتخب في عام 2019 وبدستور عام 2014 باعتبارهما أنهما يحظيان بالشرعية دون سواهما".

هل تأخرت الدعوة لانعقاد البرلمان الجديد؟

وفق الفصل الـ71 من دستور 2022 والذي صاغه الرئيس قيس سعيد فإن الأجل الأقصى لعقد أولى جلسات البرلمان هو بعد 15 يوما من إعلان النتائج أي يوم الثاني عشر من مارس/آذار 2023 ما فتح الباب أمام عدة تأويلات وتناقضات أمام تفسير الفترة القانونية لانعقاد البرلمان وتقول فاطمة كمون المحللة القانونية ونائب رئيس جمعية الكرامة للحقوق والحريات لبي بي سي إنه "بالفعل تنتهي مهلة انعقاد البرلمان الجديد يوم 12 مارس/آذار" ولكنها تستطرد موضحةً أنه بدون احتساب أيام العطل والتي توافق يومي السبت والأحد من كل أسبوع فإن الأجل القانوني لانعقاد البرلمان يكون ممتدا حتى 16 من مارس/آذار الجاري.

وتمضي كمون في حديثها قائلة إن "النواب الجُدد سيمارسون صلاحيات محدودة ففيما كان البرلمان السابق يتمتع بقوة عرض مشاريع القوانين وفقا لدستور 2014، سيفقد البرلمان الجديد هذه الصلاحية بعد أن سيطر عليها الرئيس الذي اكتسب حق عرض مشاريع القوانين مع أولوية النظر فيها، في حين أصبح للنواب حق عرض مقترحات القوانين بشرط أن تكون مقدمة من 10 نواب".

في المقابل يقول مؤيدو سعيّد إن "البرلمان الجديد سيكون مؤثراً في التوازنات السياسية مع الرئيس، وفي تمرير مشاريع القوانين، وفي مراقبة الحكومة وسحب الثقة منها".

مع بدء البرلمان الجديد أعماله تُثار عدة تساؤلات عما إذا كانت أزمة تونس السياسية قد أوشكت على نهايتها أم ما زالت ترواح مكانها وتقول فاطمة كمون، نائب رئيس جمعية الكرامة للحقوق والحريات: "هل انعقاد البرلمان يعني انتهاء الفترة الاستثنائية التي عاشتها تونس أم أنها ما زالت تحت سلطة المراسيم؟".

يُذكر أن أمام الرئيس قيس سعيد تحديات عديدة ليس أقلها الأزمة الاقتصادية التي ما زالت تعيشها تونس.