في كتابه الجديد عن سيرة رجل الدولة العثماني طلعت باشا المولود عام 1874والمقتول عام1921، يقدم السويسري الناطق باللغة الألمانية هانس لوكاس كايزر معلومات دقيقة عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن عام1915 أي قبل سنوات قليلة من انهيار الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسمى منذ منتصف القرن التاسع عشر بـ"امبراطورية الرجل المريض".
وكان طلعت باشا أحد أبرز الشخصيات السياسية في ّالباب العالي". وانطلاقا من عام 1908وحتى عام 1918لعب أدوارا هامة وأساسية في سياسة الإمبراطورية سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي. ومع أنور باشا وجمال باشا أسس حزب "الاتحاد والترقي" بهدف تحديث مؤسسات الإمبراطورية وانقاذها من السقوط. وهو الذي هندس تدخل بلاده في الحرب الكونية الأولى إلى جانب دول المحور لأنه كان يظهر عداء كبيرا لمعسكر الحلفاء خصوصا بريطانيا وفرنسا. وهو الذي خطط لتحويل الإمبراطورية التي كانت تتعايش فيها ديانات وأجناس مختلفة إلى امبراطورية إسلامية.
وفي عام1915، عقب هزيمة بلاده أمام روسيا في القوقاز، وأيضا في شمال ايران ، وفي قناة السويس، شرع طلعت باشا الذي كان آذاك وزيرا للداخلية، في التخطيط للقضاء على من سماهم ب"أعداء الإمبراطورية. ويشير هانس لوكاس كايزر إلى أن طلعت باشا أصدر بيانا في السنة المذكورة يدعو فيه إلى إبادة الأرمن، وفيه جاء ما يلي :"بالنسبة للأرمن، تعتبر حقوقهم سواء كانت في العمل أو في العيش على الأراضي التركية ملغاة، ولا يجب أن يتبق واحد منهم حتى ولو كان رضيعًا. وكل الاعتبارات المتعلقة بطرد هؤلاء سواء كانوا نساء أم أطفالا أم رجالا ليس باستطاعتهم الوقوف على أقدامهم ملغاة هي أيضا، وغير مسموح بها على الإطلاق".
وقد أصدر طلعت باشا أوامره بتشريد الأرمن في الصحراء السورية. وعندما أبلغه السفير الألماني بأن جثثا كثيرة تطفو على سطح مياه دجلة قال له:" نحن بصدد التخلص من الأرمن لأننا نريد أن نكون أفضل حلفاء لكم، يعني أننا لا بد أن نكون أقوياء إلى جانبكم من دون أعداء داخليين". ويشير هانس لوكاس كايزر إلى أن الألمان أبدوا اعجابهم بذلك. ولصحافي ألماني، قال طلعت باشا:" نحن لسنا قساة، بل بكل بساطة نحن نريد أن نكون حازمين. وبين أيدينا أدلة قاطعة على المؤامرة الأرمينية ضد بلادنا". غير أن مخططات طلعت باشا سرعان ما بطلت فعالياتها. لذلك اضطر إلى الفرار إلى برلين في العاشر من شهر نوفمبر-تشرين البثاني 1918. ورغم أنه حكم عليه بالإعدام عام1919 فإنه ظل على صلة بتركيا. وكان يتبادل الرسائل مع مصطفى كمال الذي أسّس الجمهورية التركية عام 1924 على انقاض الامبراطورية المنهارة.
وفي الخامس عشر من شهر مارس-آذار1921، قام شاب أرمني يدعى سرغمون تهايريان باغتيال طلعت باشا في برلين. وأمام المحكمة التي برأته في ما بعد، قال: "لقد قتلت رجلا ولست قاتلا". ويشير هانس لوكاس كايزر إلى أن طلعت باشا هو الوجه الخفي لأردوغان. فمثله هو يعتمد على حزب واحد، وعلى أيديولوجية قومية شوفينية إسلامية.
التعليقات