في التاسعة عشرة من عمره، انتسب الفرنسي ريتشارد فولانج إلى جهاز الاستخبارات الفرنسية بمساعدة والده الذي كان يعمل في نفس الجهاز. وفي البداية، عمل في الأرشيف قبل أن يلتحق بالمكتب المكلف بالشؤون الافريقية في المديرية العامة للأمن الخارجي: DGSE
وفيها أمضى عشرين عاما مُتنقلا بين كينشاسا، وبانغي مرورا بجيبوتي.
وفي حوار أجرته معه جريدة "لوبينيون" في عددها الصادر يوم الثامن من شهر يونيو-حزيران الحالي قال ريتشارد فولانج أن الاستخبارات الفرنسية كانت إلى حدود مطلع التسعينات من القرن الماضي، تتمتع باستقلالية في اعداد الملفات. وكانت تملك معلومات دقيقة ومفصّلة عن مجمل الأحداث في مختلف البلدان الأفريقية.
أما بالنسبة للعالم العربي، فقد كان عمل المخابرات مركزًا على بلدان الخليج، وعلى لبنان. لكن فشيئا، انتقلت ملفات الأمن الخارجي المتعلقة بالبلدان الأفريقية والعربية إلى الأجهزة الديبلوماسية التابعة للسفارات، لتصبح وزارة الخارجية مشرفة على أعمال المديرية العامة للأمن الخارجي.
ويعود ذلك إلى أن الأحزاب السياسية التي صعدت إلى السلطة سواء كانت يمينية أم يسارية اتفقت على ان يكون هناك تناغم وتبادل بين الديبلوماسية وجهاز الاستخبارات. وانطلاقا من سبتمبر -أيلول2001، تمّ التركيز على الإرهاب، وتقلّص الاهتمام بأفريقيا على المستوى الاستخباراتي. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ المسؤولون يدركون أن التقليص في الاهتمام بالدول الأفريقية مثلما حدث مع الانقلاب العسكري في موريتانيا، ومع الأحداث التي جدت في مالي، وفي بوركينا فاسو، وفي غينيا، يمكن أن يلحق أضرارًا جسيمة بمصالح فرنسا سياسيًا واقتصاديًا.
ويشير ريتشارد فولانج إلى أن التركيز على المستوى الأمني والسياسي فقط، وإهمال الصحة والتعليم والبنية التحتية، أفقد فرنسا الكثير من نفوذها في القارة الأفريقية.
وصحيح أنه لا تزال هناك علاقات ثقافية واقتصادية وسياسية مع بلدان أفريقية إلاّ أن الصورة لم تعد كما كانت عليه من قبل أي عندما كانت الاستخبارات تتابع باهتمام كبير كل الأحداث، وعنها تعدّ ملفات دقيقة تعكس الواقع والمشاكل الحقيقية.
ويرى ريتشارد فولانج أن أغلب مشاكل الهجرة التي تعاني منها فرنسا منذ سنوات طويلة، تعود أساسًا إلى عدم قدرتها على ربط علاقات نزيهة مع شركائها الأفارقة بهدف تطوير مجتمعاتهم واقتصاديات بلدانهم.
ويقول ريتشارد فولانج إن الروس الذين يسعون جاهدين لكي يكون لهم نفوذ في أفريقيا لا يمتلكون إلا حدّ هذه الساعة ما يساعدهم على القيام بعمليات استخباراتية كبيرة. وهم يكتفون الآن بالأجهزة الديبلوماسية وبمجموعة "فاغنر" لكي يحصلوا على معلومات حول الأوضاع في البلدان الأفريقية التي تربطهم بها علاقات وثيقة. أما الصينيون فليس لهم قائد استخباراتي في أفريقيا. وكل الصينيين الذي يعملون ويقيمون في البلدان الأفريقية سواء كانوا ديبلوماسيين أو رجال أعمال، يقومون بمهمات استخباراتية لصالح بلادهم تحت اشراف السفير والملحق العسكري بحيث يصعب اختراقهم.
ويضيف ريتشارد فولانج قائلا بإن الأتراك لهم طموحات في توسيع نفوذهم في أفريقيا. لذلك هم يعملون على تقوية أجهزتهم الاستخباراتية في أكثر من بلد أفريقي.
أما الأمريكان فيستعينون بالأجهزة الألكترونية لمتابعة تحركات التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل وجنوب الصحراء.
وهناك حضور استخباراتي لبريطانيا، لكنّه مركز على الجوانب الاقتصادية.
التعليقات